شهور قليلة تفصلنا عن الاستفتاء الذي يقرر مصير جنوب السودان, بينما لم يقبل الجنوبيون بعد نتائج تعداد السكان الذي تم في أبريل من العام الماضي. بين التعداد أن الجنوبيين من سكان السودان يمثلون21% من السكان بينما يصر الجنوبيون علي أن نستبهم تزيد علي ثلث سكان البلاد كما بين أن عدد الجنوبيين في الشمال يصل إلي520 ألف نسمة, بينما يري الجنوبيون أن هذا العدد يصل إلي بضعة ملايين. توزيع سكان السودان بين شماليين وجنوبيين سيقرر كيفية تقاسم الثروات الطبيعية المشتركة, خاصة النفط, لهذا يبالغ الجنوبيين في أعدادهم, ويتهمون الحكومة بالتزييف. الوجود الكبير للجنوبيين في الشمال هو' مسمار جحا' الذي ستوظفه دولة الجنوب المقبلة في علاقتها مع الشمال, لهذا يريدون لهذا المسمار أن يكون كبيرا ليزيد تأثيره وفعاليته. عندما تفشل الدولة في إجراء تعداد للسكان, أو عندما تجري تعدادا منقوص, أو عندما تتعرض نتائج التعداد للرفض من جانب فئة كاملة من فئات المجتمع فتأكد أن هناك مشكلة تهدد استقرار الدولة. الحكومة العراقية لم تتمكن من إجراء تعداد عام للسكان منذ سقط نظام صدام حسين. طوائف العراق ترتاح أكثر لحالة الغموض التي تتيح لكل منها إطلاق الادعاءات حول نسبة أتباعها بين السكان, وحول نصيبها العادل في الثروة والسلطة. قررت اللجنة المشرفة علي إجراء التعداد العراقي مؤخرا حذف السؤال المتعلق بالطائفة علي أمل التخفيف من معارضة ومخاوف طوائف العراق وقومياته. لبنان الذين يقيم نظامه السياسي علي أساس الوزن النسبي للطوائف المختلفة لم يجر تعدادا عاما للسكان يبين الحجم الحقيقي للطوائف اللبنانية منذ عام.1932 رغم الفارق الكبير بين الأوضاع في مصر وباقي بلاد المنطقة, إلا أن التوتر في علاقات المسلمين والمسيحيين لم يسمح بتضمين سؤال عن الديانة في تعداد السكان منذ آخر مرة جري فيها توجيه هذا السؤال في عام.1976 الخوف من سؤال الديانة والطائفة يشير إلي نقص في نضج مجتمعاتنا ونظمنا السياسية. عندما تتحدد حقوق الناس و مراكزهم علي أساس حجم طوائفهم يخاف الناس من معرفة الحقيقة. في الدول التي تمنح المواطنين حقوقا متساوية بغض النظر عن الدين والطائفة لا أحد يخاف من أن تتناقص حقوقه إذا صغرت طائفته, ولا يتوقع أحد أن يتمتع بحقوق أكثر إذا زادت طائفته. حتي نصل إلي هذه الحالة فإن مجتمعاتنا تظل ناقصة النضج تخاف من الحقيقة وتفضل الحياة في الظلام.