كل عشرة أعوام أو أكثر، تلجأ الدول العربية إلى إحصاء عدد سكانها وتطالب مواطنيها بالتعاون لإنجاز هذه المهمة الوطنية الملحة، لكن ولا دولة واحدة تقريبا تعلن نتائج الإحصاء. التركيبة السكانية للدول العربية سر حربى لا يعلمه إلا قليلون فى كل دولة، وأصبح قرين الأزمات السياسية على خريطة العالم العربى، فى حال إجرائه، وعلى قائمة الانتظار لإجراء التعداد السكانى منها مناطق كثيرة ملتبسة سكانيا، والعراق النموذج العربى الأبرز. هناك أزمة النزاع على كركوك، فضلاً عن تباهى الشيعة بكونهم الأكثر عددا، وفى لبنان يعتبر حزب الله نفسه الأكثر عددا والأكثرية هى مجرد أغلبية برلمانية. أما فى منطقة الخليج العربى، فالمشكلة أفدح، نظرا للخلل الشديد فى التركيبة السكانية، حيث الأغلبية الكاسحة أجانب "تصل إلى 80% أحيانا من الهنود والباكستانيين". مصر ليست استثناء، وحتى كتابة هذه السطور لا يعرف أحد الرقم الفعلى لعدد الأقباط، أكبر أقلية فى البلاد، والذين تتراوح التقديرات بشأنهم ما بين 8 إلى 15 مليون نسمة. ضاحى خلفان رئيس شرطة دبى فى الإمارات العربية المتحدة، أعرب عن خشيته الأربعاء الماضى من أن يصبح ولى العهد فى الإمارات "كوتى"، وهو اسم هندى شائع للهنود الذين يملأون البلاد، وفى السودان يتصور شركاء الحكم أن التعداد السكانى القادم هو الذى يقرر المصير، ولا يختلف الأمر فى النزاع الصحراوى. استعراض للقوة السياسية كثير من المراقبين يعتبرون أن الحديث عن التعداد السكانى، كأساس تقرير المصير، هو مؤشر أساسى على مدى الصراعات الداخلية فى كل البلدان العربية، فى الوقت الذى تستغله النظم للبقاء فى السلطة من ناحية، وكاستعراض للقوة من ناحية أخرى. للمرة الخامسة فى تاريخ السودان الحديث يجرى التعداد السكانى، اليوم الثلاثاء، وارتبط كل تعداد بمشكلات سياسية فى الداخل، كما اقترن بإثارة قضية حلايب وشلاتين الحدودية مع مصر، التى ظلت تعكس شكل مسار العلاقة بين البلدين، وكما يقول محمد أبو الفضل المتخصص فى الشأن السودانى: "تختفى المشكلة فى حالة استقرار العلاقات وتطفو على السطح فى حالة الأزمات. وعلمت اليوم السابع أن القاهرة مارست ضغوطا على الخرطوم لاستثناء حلايب وشلاتين من التعداد السودانى، وتمثل تصريحات وزير الإعلام بولاية البحر الأحمر ورئيس اللجنة الإعلامية للتعداد السكانى الخامس الدكتور طاهر محمد موسى نجاحا مصريا على هذا الصعيد، حيث تحدث عن استحالة تغطية مثلث حلايب لعدم تمكّن السلطات السودانية من الوصول لمواطنيها لوجود حواجز أمنية، وهذا الموقف يخدم الأمن القومى المصرى، ولكن هناك قوى تقليدية فى الداخل السودانى لا تريد أن تسير هذه العلاقات على النحو، وكذلك قوى خارجية لا تريد لمصر أن تقوم بهذا الدور، رغم تحسن العلاقة المصرية حتى بالجنوب. التعداد السكانى فى السودان الهدف منه تهيئة البلاد للانتخابات عام 2009 فتأثيره حيوى على القوى، وعلى حق تقرير المصير 2001 وفقا لاتفاقية نيفاشا للسلام الموقعة بين طرفى الحكم فى السودان، الحركة الشعبية والمؤتمر الوطنى الحاكم كما يؤكد أبو الفضل. التعداد له تأثيره على اقتسام الثروة ما بين الحركة والمؤتمر الوطنى والقوى السياسية فى الشرق والغرب مع احتمالات قوية بوجود ثروة نفطية لم يتم الكشف عنها بعد. ياسر عرمان، نائب الأمين العام للحركة الشعبية لقطاع الشمال، أوضح أن التسوية التى تمت بين المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية، فيما يتعلق بشأن عملية التعداد السكانى الذى تأجل ثلاث مرات بسبب الخلافات شملت التسريع بعودة النازحين والاستفادة من التنوع الثقافى والاجتماعى بالبلاد. وقال عرمان فى تصريحات صحفية أن قرار تأجيل التعداد السكانى اتخذته حكومة الجنوب وليس الحركة الشعبية رغم أن الحركة ظلت تنوه للمخاطر التى أشارت إليها حكومة الجنوب إلا أنها لم تعبأ بملاحظات حكومة الجنوب. ونفى ان يكون طلب التأجيل للتعداد السكانى من قبل حكومة الجنوب هو تهرب من الحركة الشعبية من الانتخابات القادمة. لمعلوماتك.. ◄10سنوات هى الفترة المطلوبة لإجراء وثيقة التعداد السكانى فى كل دولة حسب ما يقره القانون الدولى والأمم المتحدة عكس ما يحدث فى الدول العربية.