الإعلام مدخلات تؤدي إلي مخرجات، ومقدمات تؤدي إلي نتائج.. ولا يمكن أن تكون المخرجات غير متسقة مع المدخلات، ولا المقدمات غير متناغمة مع النتائج.. فالخلاط الذي يضرب أو يعصر جزراً لا يمكن أن يعطينا عصيراً بطعم المانجو.. وإن تشابهت عملية العصر، وتطابق لون المنتج النهائي.. شيء من هذا نجده مناسباً في توصيف حالة التعليم الإعلامي وتبرير الأزمة التي يمر بها في مصر حالياً.. من حيث إن الناتج النهائي تعبير عن الواقع، وإحدي نتائجه الفعلية. التعليم الإعلامي في مصر بمر بمرحلة «تضخم في الكم» و«انحسار حقيقي في الكيف» ويعاني من «ترهل في الأطراف»، و«انسداد في شرايين التواصل مع البحث العلمي العالمي»، و«سمنة مفرطة» في بعض المراكز التي لا لزوم لها عملياً أو نظرياً، و«قصور» في أساليب التدريب الإعلامي وآلياته، و«تليف» في الهيئات القادرة علي تخليص المسارات الإعلامية من أدرانها، إضافة إلي إصابة معظم كليات ومعاهد الإعلام في مصر، «بفيروسات» الرضا بالواقع دون محاولة النظر إلي التجارب العالمية، أو محاولة مد جسور التفاهم والاتصال معها. إن أبرز مظاهر الأزمة التي يمر بها التعليم الإعلامي في مصر هي تلك الكثرة غير المبررة، والتي لا نظير لها في دول العالم المختلفة، في مجال كليات ومعاهد الإعلام.. والتي أصبحت من كثرتها شبيهة بمراكز تدريب الكمبيوتر أو ملحقة عليها.. عدد المعاهد والأقسام التي تدرس الإعلام في مصر أكثر من مثيلتها في كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا مجتمعة.. وتقل قليلاً عن مثيلتها في الولاياتالمتحدة.. رغم فارق الإمكانيات المادية والبشرية، والعلمية والتكنولوجية.. كما أن عدد الطلاب الذين يدرسون الإعلام في جامعة واحدة، أو في كلية واحدة مثل كلية الإعلام جامعة القاهرة أكبر بكثير من عدد الطلاب الذين يدرسون الإعلام في كل الجامعات الأمريكية!! وهذه هي المفارقة الكبري. ولكي تبدو المفارقة أكثر إيلاماً، يمكن أن نشير إلي أن عدد الجامعات الأمريكية التي بها مقرر الإعلام تقارب المائة جامعة.. منها عشرون تقريباً فقط تمنح درجة الدكتوراه فيها، وهو عدد مساو تقريباً لعدد «المراكز» التي تمنح هذه الدرجة في مجال الإعلام في مصر، مع التأكيد علي فارق الإمكانيات المادية والبشرية مرة أخري. فالجامعة الأمريكية في مصر نموذج لما أقول.. الجامعة الأمريكية لا تمنح درجة الدكتوراه في الإعلام، ببساطة شديدة، لأن المعايير الأكاديمية المتعلقة بالجودة تفترض أن يكون متوسط الإنفاق علي كل طالب في مجال الإعلام لا يقل عن عدة آلاف من الدولارات سنوياً، وبالتالي فإن قبول أي طالب في مرحلة الدكتوراه مرتبط بميزانية الجامعة وبمدي وجود هذه الاعتمادات المالية.. إضافة إلي وجود عدد معين من الأساتذة، ممن لهم اسهامات ملموسة في مجال الإعلام ومرور عدد معين من السنوات قد يصل إلي عشرين عاماً علي بداية وجود القسم أو البرنامج.. وهو أمر صعب تحقيقه في عدد كبير من الجامعات.. أما في مصر، فمن السهل لأي مركز كمبيوتر في «أي مكان» أن يمنح درجة الدكتوراه في الإعلام مع مرتبة الشرف الأولي.