جاءت تحذيرات ومطالبات مؤتمر الجمعية الأوروبية لدراسات الكبد الذي اختتم أعماله منذ أيام بمدينة دبروفنيك الكرواتية مجمعة علي ضرورة التصدي وبحزم لأمراض الكبد الفيروسية ودعم الأبحاث العلمية لسرطان الخلايا الكبدية الذي وصفه العلماء المشاركون ب المرض المدمر والمنهك. وكشفت إحصاءات الخبراء عن أن مصر تأتي ضمن الدول الأكثر إصابة بأمراض الكبد كما ينتشر بها سرطان الكبد نتيجة ارتفاع معدل الإصابة بالفيروسات الكبدية وتليف الكبد وهو ما أكدته ندوة طبية متخصصة عقدتها كلية الطب بجامعة طنطا في نفس التوقيت وكشفت عن تزايد معدلات الإصابة بأورام الكبد في مصر بشكل خطير في الوقت الذي انخفضت فيه سن الإصابة بالمرض بصورة واضحة حيث تم تسجيل حالات لايزيد عمرها علي14 عاما وحذرت الندوة من ارتفاع حالات الإصابة بالسرطان في منطقة دلتا مصر إلي5% بين مرضي الفيروسات الكبدية التي سجلت محافظات الدلتا أعلي نسبة إصابة بها وصلت إلي14,2% ترتفع إلي22% في القطاعات الريفية الإحصاءات مزعجة والأرقام مخيفة لكنها تشير إلي أنه اذا كان كبد مصر يتألم فإن ألمه في منطقة الدلتا أشد..الأمر إذن يتطلب وقفة لإعلاء صوت الألم وإيصاله للمسئولين, لذلك كانت الزيارة واجبة لاستجلاء حقيقة هذه الخصوصية وأسبابها فقررنا الذهاب للدلتا المنهك كبدها وكانت البداية من طنطا وتحديدا من قسم الكبد بالمستشفي الجامعي الذي وجدناه يمتلئ بالمرضي من جميع الأعمار وقبل الحديث مع بعضهم كان اللقاء بالدكتور عبد الرءوف أبو العزم رئيس قسم طب المناطق الحارة والكبد بكلية الطب جامعة طنطا الذي أكد لنا ان الأمر جد خطير ويتطلب وقفة حازمة محذرا من أن الوضع تجاوز مجرد توطن المرض في الدلتا ووصل الي تزايد معدل الإصابة بأورام الكبد بشكل كبير نظرا لتركز الإصابة بالفيروسات الكبديةC وB بالإضافة إلي الملوثات البيئية إلي جانب العادات والسلوكيات الخاطئة للمواطنين والخلفية التاريخية لمرض البلهارسيا الذي وصل في وقت من الأوقات إلي إصابة نحو40% من السكان به وبخاصة نمط البلهارسيا المعوية أو الكبدية المنتشرة في الوجه البحري بشكل أكبر. وأضاف أبو العزم أن الأوضاع أكثر سوءا في الريف حيث حزمة من الأسباب الإضافية تتعلق بممارسات خاطئة كانتشار حلاق القرية والداية وعادات الختان إلي جانب مشاركة بعض أبناء المهن الطبية بعيادات غير مجهزة أو معقمة بشكل جيد, الامر الذي انعكس عليهم أيضا حيث تم تسجيل نسبة عالية من الإصابات الكبدية بين الأطباء وهيئات التمريض خاصة ممن شاركوا في علاج البلهارسيا بالحقن قبل اكتشاف العلاج بالأقراص حيث نمط العلاج الخاطئ لمجموعات المصابين دون مراعاة العدوي( الإصابة) قبل اكتشاف فيروسC نهاية الثمانينيات. وشدد أبو العزم علي الارتباط بين أمراض الكبد والبيئة المحيطة بالمريض حيث الملوثات للطعام والشراب والسلوكيات الصحية الخاطئة, الأمر الذي يستلزم إستراتيجية متكاملة للسيطرة علي أمراض الكبد في منطقة الدلتا سواء بحماية الكبد السليم أوالحفاظ علي الكبد المصاب وتحسين وظائفه ليظل متكافئا أطول فترة ممكنة مع التركيز علي برامج التوعية والحث علي الاكتشاف المبكر للمرض وعلاجه مذكرا بالاستراتيجية الناجحة التي تم وضعها للقضاء علي البلهارسيا, الأمر الذي أدي في النهاية لتخفيض الإصابة من أكثر من40% من المواطنين لأقل من3% في الوقت الحالي. ودعا أبو العزم وزارة الصحة الي إحكام السيطرة علي بنوك الدم وعمليات نقله والاهتمام بإنشاء مراكز الكبد في مناطق متفرقة من مصر وتفعيل دورها وإنفاق المزيد من الأموال علي البحث العلمي المتعلق بها مع إعادة النظر في قرارات العلاج علي نفقة الدولة فيما يتعلق بمرض الكبد قائلا: مريض الكبد فقير من البداية والفقر والمرض والعلاج المتأخر تؤدي إلي نتائج سيئة وعواقب وخيمة في النهاية. تركنا الدكتور عبد الرءوف أبو العزم وقابلنا عددا من المرضي الموجودين فكانت البداية مع عصام عبد الجواد الذي كان يعمل قبل المرض صياد بقرية شباس عمير مركز قلين بمحافظة كفر الشيخ ويحكي عن معاناته مع المرض الذي اكتشف وجوده منذ ثلاث سنوات قائلا: عمري40 عاما وأصبحت غير قادر علي العمل والكسب منذ اكتشاف المرض الذي بدأ بإعياء عادي تكرر كثيرا فذهبت للطبيب لأكتشف أنه تليف كبد نتيجة الإصابة بالبلهارسيا وعلي فكرة الكثيرون في كفر الشيخ مصابون بأمراض الكبد بسبب البلهارسيا: سألناه عن تكلفة العلاج فقال: يتكلف الكثير وأنا طلعت قرار علاج علي نفقة الدولة بمبلغ450 جنيها كل شهرين لكن أحيانا أحتاج أدوية أكثر فما أستطيع احضاره اشتريه ومالا أستطيع..ربنا يستر كله علي الله. وبإبتسامة لم نملك أمامها سوي الدعاء له ولجميع المرضي بالشفاء, قابلنا عم إسماعيل عبد الغفار وبالمصادفة فهو أيضا من كفر الشيخ التي اكتشفنا فيما بعد أنها من أعلي المحافظات إصابة ويكفي ان نعرف أن بها700 ألف مواطن أن22% من عدد السكان مصابون بفيروس(C) وذلك طبقا احصاءات مؤتمر طبي حضره المحافظ. وبدأ عم إسماعيل كلامه قبل أن نسأله فقال: كنت أعمل طباخا قبل اكتشاف المرض منذ8 سنوات لتبدأ الحالة في البداية وبعد الاكتشاف المتأخر حسب تأكيدات الأطباء تليف في الكبد ومن يومها والعلاج مستمر لكن التحسن مؤقت قبل ان يتحول الأمر في النهاية إلي ورم في الكبد. يصمت قليلا ولم نحاول قطع صمته ليعود للحديث بضحكة صافية ويقول: منها لله البلهارسيا بقي واحنا صغيرين لم أدر لماذا خطر لي مشهد الطفل عبد الحليم حافظ في المسلسل الذي يحكي قصة حياة العندليب وبالفعل وجدت تشابها حيث روي عم إسماعيل: كنا في المرحلة الابتدائية أوائل السبعينيات وكان أسبوعيا وتحديدا يومي السبت والأربعاء مخصصين لحقن البلهارسيا وكنا نذهب بعدها الي المنزل لنشرب مياها بالسكر لكننا كنا أحيانا نهرب ولانأخذ الحقنة التي كان منظرها وحده مخيفا بشكل كبير. ويعود عم إسماعيل لمرضه وآلامه الحالية قائلا: منذ4 سنوات أصبت في حادث علي طريق مصر إسكندرية الصحراوي وبطريق الخطأ أعطوني مسكنات وأدوية أثرت علي حالة الكبد بشكل سلبي واكتشفت ذلك فيما بعد. وبسؤاله عن وجوده في طنطا وعدم ذهابه لمعهد الكبد في كفر الشيخ أوضح أن ذلك بسبب قلة الإمكانات هناك بالإضافة إلي ان تكلفة الليلة الواحدة85 جنيه للسرير فقط! ويؤكد إسماعيل عبد الغفار ان تكلفة العلاج كبيرة موضحا انه أحيانا مايحتاج أكثر من ثلاث حقن في اليوم الواحد حسب حالة الكبد والحقنة يبلغ سعرها235 جنيها وان كيس البلازما سعره40 جنيه رغم ان دخله الثابت شهريا110 جنيهات من وزارة التضامن الاجتماعي. وأضاف عم إسماعيل: أوصوا علينا الدكتور حاتم الجبلي وأبلغوه ان مستشفيات وزارة الصحة مفيهاش خير البعض يتعامل معنا بطرق الموظفين المعتادة ولايراعوا حقوق المرضي...نحن نقدر أن الضغوط عليهم كثيرة ولكن المرضي يجب ان يكون لهم معاملة خاصة فهم أيضا يعانون. وطالب عم إسماعيل بإعادة النظر في قرارات العلاج علي نفقة الدولة لتكون شاملة لأمراض المريض ولايقتصر علي مرض واحد وان تتم مراعاة السرعة في تجديد القرار الذي يتطلب أحيانا شهرين يقضيهما المريض في المعاناة.