وصفت صحيفة التلجراف البريطانية العالم الأمريكي لغوم تشومسكي ب الدجل الذي يحب أن يكرهه رجال اليمين الأمريكي وتابعت الصحيفة الوصف لم يولع اليسار به كثيرا, فهو مثقف تنويري ليبرالي وفوضوي, يجمع الأعداء كأنه كقطعة لاصق تجمع الذباب. والمعروف أن إسرائيل منعت شومسكي أخيرا من دخول الضفة الغربية, حيث كان من المفترض أن يلقي محاضرة في جامعة بير زيت الفلسطينية, وفسر موقف الحكومة الإسرائيلية بالقول: الحكومة لا تحب الأمور التي أقولها, ولم يرق لها أن أتحدث فقط في بير زيت, وليس في جامعة إسرائيلية, سألتهم إذا كانوا يعرفون حكومة واحدة في العالم تحب الأمور التي أقولها. يحظي شومسكي علي كل حال بدعم كبير من القراء إذ باع كتابه في معني9/11 نحو نصف مليون نسخة, وفي أعقاب حرب العراق ظهرا رسوم جرافيتي في الجامعات حول العالم مكتوب فيها اقرأ شومسكي وهو حسبما أكدت التيليجراف بطل يعبد لدي الكثير من الحركات المناهضة للعولمة, ومن أتباعه البارزين الرئيس هوجوشافيز وجون ببلجير ومايكل مور والراحل هارولد بنتر. واعتادت المؤسسات الإعلامية التي يحتقرها تمجيده, إذ لقبته جريدة النيويوركر الأمريكية ب واحد من أروع عقول القرن ال21 وقالت عنه صحيفة النيو يورك تايمز أهم المثقفين علي قيد الحياة. بعد أحداث سبتمبر2001, إذ أصبح شومسكي مرة أخري نقطة الانطلاق للمعارضة في الجامعات الأمريكية للحرب علي العراق, إذ تزعم حركة راديكالية مناهضة لإدارة بوش, وقال إن الضربات سببتها السياسات الأمريكية, ويضيف: لابد أن ندرك أن معظم بلدان العالم تعتبر الولاياتالمتحدةالأمريكية أكبر دولة إرهابية, وذلك لأسباب منطقية ويؤكد أن كل رئيس أمريكي حكم في أعقاب الحرب, لابد أن يشنق لارتكابه جرائم حرب وفق قوانين نورمبيرج التي صدرت في أعقاب هزيمة الحركة النازية. لكن هل مرت هذه الآراء بسلام؟ لم ينعم شومسكي بذلك ففي نقاشات ما بعد الحادي عشر من سبتمبر اتهمه كريستوفر هيتشينز ب افتعال الاعذار للفاشية الإسلامية قائلا: بطريقة بشعة تحول احترام شومسكي للمضطهدين إلي دعم لكلاب مجنونة وحين سئل شومسكي عن رده علي تهمة هيتشينز له بدعم الفاشية الإسلامية, تظاهر بمكر أنه لم يسمع هذا الكلام من زميله, وقال: أقال ذلك حقا؟ أنا لم أقرأ له منذ15 عاما. البعض يعتبر شومسكي منشقا, والبعض يحسبه خائنا, لكنه لا يهادن أبدا, ورغم أنه يعتبر اسقاط قنبلة نووية واحدة من الجرائم التي لا توصف في تاريخ البشرية فإنه يري أن دور الويات المتحدةالأمريكية في الحرب العالمية الثانية كان مستساغا, لأسباب ليس أكبرها أنه يهودي, فقد واجه معادي السامية حين كان طفلا, ولم يخبر والده والذي كان باحثا في اللغة العبرية وقواعد اللغة في القرون الوسطي وكان شومسكي في عمر العاشرة حين نشر أول مقالاته عن الحرب الأهلية الاسبانية وصعود الفاشية في أوروبا. ويروي: نشأت وسط ثقافة سياسية, بين الطبقة العاملة في فلادليفيا, بين الاضطرابات والمسيرات, وما إلي ذلك وأذكر في عمر الخامسة أني سافرت في سيارة ترولي مع أمي ومجموعة من النساء معتصمات في مصنع غزل ونسيج, ورأيتهم يضربون بشراسة علي يد أفراد الأمن, وقد ظلت هذه المشاهد في ذاكرتي. ويتابع هذه الأيام بأني معاد للسامية, في ضوء انتقاداتي لإسرائيل, وإذا بحثت في جوجل ستجد الكثير من الكتابات حول أني شخص يريد قتل كل اليهود ويكره الولاياتالمتحدةالأمريكية, وقد خفض الانترنت من مستوي النقاش, فلا أحد يفكر بما يكتب. كتاب شومسكي الجديد بعنوان الامال والتوقعات ويناقش الانسحاب من العراق وأفغانستان كذلك يتناول الانقاذ المالي لاثار الحربين, ويخلص فيه إلي أنه: لا شيء حدث للمتسببين في الأزمة, فقد أصبحوا أكثر قوة وثروة واستعدادا للازمات المقبلة, والتي يخلقونها, ويناقشونها علنا. ويعلق شومسكي علي رسالة الأمل والتغيير في خطاب أوباما قائلا: الانتخابات الأمريكية عبارة عن مهازل خرافية التكلفة تديرها صناعة العلاقات العامة, فموظفو العلاقات العامة يراقبون استطلاعات الرأي ويختارون الشعارات وفقا لها, وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن أوباما فاز بجائزة أفضل حملة دعائية عام2008, نجدنا أمام سياسي يسوق نفسه كسلعة, كأنه معجون أسنان, ما الذي يمكن أن يقدمه ذلك للديمقراطية؟ وحين تقرأ تصريحاته تجد نفسك تسأل: فيما كان الأمل؟ وإلي ما كان التغيير؟ كانت تلك كلمات فارغة. ويعتبر شومسكي بلير مجرم حرب ويقول: هل قرأ أحدكم نص محاكمات نورمبرج؟ فهي تعرف العدوان كجريمة دولية عظمي, وتفرقها عن الجرائم الاخري, وتضمنها كل ما يليها من شرور, وفي المحاكمة يقول كبير مدعي العدل: نحن نسلم المتهمين كأسا من السم, وإذا كنا قد رشفنا منه بأنفسنا, فإننا نقبل بنفس النتائج, فكونك أعدمت وكونك اعتبرت الرئيس المقبل للاتحاد الأوروبي كتوني بلير ليسا نفس النتائج. تلقي شومسكي كثير من التهديدات بالقتل علي مدار السنين, لكن هل تبدو الاشياء أقبح بالنسبة له بعد أحداث سبتمبر؟ يقول: كانت الأمور أسوأ بكثير من الستينيات, وكنت اتلقي تهديدات منتظمة بالقتل, وأتذكر مرة أن البوليس اتصل بي وقالوا انهم أكتشفوا قنبلة كانت موجهة لبيتي, والأمور الآن أكثر انفتاحا وسهولة, فالناس أكثر تسامحا تجاه الناشطين السياسيين هذه الأيام.