ما هو موضوع المحاضرة التي ستلقيها كان هذا هو السؤال الذي وجهه الضابط الإسرائيلي لناعوم تشومسكي المفكر اليهودي الأمريكي عقب وصوله إلي الضفة الغربية. قادما من الأردن لإلقاء محاضرة في جامعة بير زيت القريبة من رام الله. وأجاب تشومسكي الضابط أن المحاضرة عن أمريكا والعالم فعاد الضابط ليسأله عما إذا كان سيتحدث عن إسرائيل فقال له مادمت سأتحدث عن السياسة الأمريكية فمن الممكن أن أعلق علي إسرائيل وسياساتها. وعقب إستجواب إستمر أكثر من ثلاث ساعات أبلغه الضابط أن وزارة الداخلية الإسرائيلية ترفض السماح له بالدخول. ومازالت أصداء هذا الموقف الذي تعرض له تشومسكي في النصف الثاني من شهر مايو الماضي تتجدد كل لحظة. كان تشومسكي الذي عاش بضع سنوات في الخمسينات من القرن الماضي في إسرائيل ثم عاد إلي الولاياتالمتحدة حيث يعمل أستاذا للفلسفة واللغات بجامعة ماستشوستس قد جاهر كثيرا بأرائه التي تندد بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وأبدي تعاطفه مع نضال الفلسطينيين ضد الإحتلال. وفي السنوات الأخيرة تردد علي لسانه وصف إسرائيل بأنها دولة عنصرية وهو يتمتع بسمعة طيبة في المجال الأكاديمي في الولاياتالمتحدة وله مقالات كثيرة ومؤلفات عن الشرق الأوسط تنتقد سلوكيات وسياسات إسرائيل. وعندما سألت صحيفة هاارتس تشومسكي بعد الزيارة عن أسباب منعه من دخول إسرائيل وإذا كان المنع بسبب إلقاء محاضرات في الأراضي الفلسطينية وليس في تل أبيب أجاب أن النظام الذي يفعل ذلك لابد أن يكون نظاما إستالينيا وقال إن سلوك إسرائيل اليوم يذكرني بجنوب أفريقيا في الستينات عندما كانت تمارس العنصرية وأضافت أن تشومسكي أبلغها أنه يؤيد حل الدولتين وليس الحل الذي تقترحه إسرائيل وهو إعطاء الفلسطينيين قطعة صغيرة من الأرض تقيم عليها دولتها. وتضيف الصحيفة أنه بالرغم من هذا الموقف الذي يتخذه تشومسكي إلا أنه يرفض فرض مقاطعه دولية علي إسرائيل ويقول أن المستوطنات هي التي يجب مقاطعتها. ومن المعروف أن هناك دولا خاصة في أوروبا وفي مناطق أخري من العالم تتعامل مع المستوطنات وتشتري إنتاجها الزراعي بالرغم من أنها تقوم بهذا الإنتاج في أرض محتلة وكانت هناك دعوات مشابهة لما ينادي به تشومسكي بفرض مقاطعة علي كل إنتاج المستوطنات وعدم التعامل معها. ومن الجدير بالذكر أن أي شخص في أي دولة بالعالم حتي ولو كان مسئولا كبيرا في بلاده كان يتهم بمعاداة السامية لو أنه نطق بنفس الكلام الذي يقوله تشومسكي, لكن ما منعهم من إطلاق هذا الإتهام عليه هو كونه يهوديا متمسكا بيهوديته, وكل ما إستطاعوا أن يفعلوه معه هو منعه من الدخول عندما جاء في زيارة لإلقاء محاضرة. وإن كان هذا لم يمنع عناصر من اليمين الإسرائيلي إطلاق أوصاف أخري علي تشومسكي مثل قولهم بأنه خائن ومنشق وعدو للشعب الإسرائيلي. وقد بدأت أصداء موقف الحكومة الإسرائيلية من تشومسكي تثير إستياء في الدوائر الأكاديمية في إسرائيل بسبب هذا التصرف حيث كتب بواز أكون في صحيفة يديعوت أحرنوت معلقا علي قرار الحكومة الإسرائيلية بأن قرار إغلاق الباب في وجه تشومسكي يعد قرارا بإغلاق باب الحرية في دولة إسرائيل, كما طالبت صحيفة هاأرتس رئيس الوزراء نيتانياهو ووزير الداخلية إيجال إيشال بالإعتذار لتشومسكي وإبلاغه بأنه مسموح له بالتجول بحرية في إسرائيل وفي الضفة الغربية بما في ذلك جامعة بير زيت, وأن الوقت مازال متاحا لإصلاح بعض الضرر الذي سببه هذا التصرف الأحمق. وجاء أيضا في الموقع الإلكتروني لصحيفة هاارتس في مقال كتبه كارلو سترينجر كيف يمكن لأي شخص لديه عقل سليم أن يري أن تشومسكي الذي يبلغ من العمر81 عاما يمكنه أن يمثل تهديدا لأمن إسرائيل فهو لم يسبق له أن دعا إلي ممارسة العنف ضد إسرائيل. ومع ذلك فإن الضجة التي أثيرت حول قرار منع تشومسكي لم تغير شيئا من موقف حكومة نيتانياهو التي لم تهتم بالإنتقادات التي وجهت إليها والتي ينطبق علي تصرفها الوصف الذي سبق أن أطلقه عليها تشومسكي عندما قال أن إسرائيل فقدت أخر مظاهر التسامح ضد أي شخص لا ينضم إلي الكورس الذي يصرخ مؤيدا له.