الديمقراطية, كما نراها اليوم, تقف وراء حالة الفزع, التي تنتاب الأقليات النشطة, هذه الأقليات تفاجأ, كل يوم, بأن الدولة تتصرف بهدوء شديد, لا تنزلق إلي ردود الأفعال, لا تتراجع عن فتح كل النوافذ, في وقت واحد. * نافذة التظاهر مفتوحة, وحق الإضراب متاح, والتعبير عنهما بكل الوسائل يمشي في طريقه, ويبدو أن الدولة علي استعداد كامل, لاحتمال كل هذه المظاهرات, علي أساس أنها حق للشعب يمارسه, وواجب علي الدولة تؤديه, وهي في كل الأحوال, المسئول النهائي عن تمكين كل مواطن من ممارسة هذا الحق, مع التعهد بحفظ الأمن والاستقرار كما يقضي الدستور, وكما تقتضي وظيفة الدولة. * نافذة النقد, والتعبير عن الرأي, مفتوحة, من خلال شبكة من الإعلام المتنوع غير مسبوقة, صحف, فضائيات, إنترنت, حرية القول مباحة ومتاحة, للنافع من الكلام, مثلما هي مسموح بها لمن يعجنون ويطجنون. * نافذة الحراك السياسي مفتوحة, حالمون بالزعامة, وساعون إلي القيادة, وتائقون إلي الإصلاح, وداعون إلي التغيير, النافذة لا تغلق أبدا, الطامحون والطامعون يمرون منها دخولا وخروجا, دون عوائق. الأقليات النشطة تروح وتجيء, وتدخل وتخرج, تنتج من الجلبة والضوضاء, ما تزعج به نفسها, ويزج بها في حالة أقرب ما تكون إلي الفوضي, وكلما قطعوا المسافات, وكلما تأكد لهم أن طريق الديمقراطية مفتوح إلي مالا نهاية, كلما أدركتهم المخاوف, وانتابهم الهلع. الأقليات النشطة معذورة بقدر ماهي مذعورة, لأن التجربة جديدة عليها وعلينا, والأفق أوسع من رؤيتها, والسقوف أعلي من قامتها, والجرعة أكبر من طاقتها, والتحدي أكبر من قوتها. كل هذه الديمقراطية, ورغم ذلك, فإن الأقليات النشطة, يسيطر عليها الذعر.. يبشرون بالانهيار, ويلعنون الظلام, ويدورون حول أنفسهم, رغم صوتهم العالي.. الديمقراطية المفتوحة, تحولت عند الأقليات النشطة, إلي ديمقراطية مخيفة, لأنها كشفت حجمهم ووزنهم ومقدارهم, مجرد أقليات تتناثر فوق أعمدة الصحف, وعلي شاشات الفضائيات, ومواقع الإنترنت. أقليات زئبقية غازية سريعة التبخر, ليست لها جذور في الأرض, ولا فروع في السماء, إنها شجرات نخيل صناعي, معلقة علي أغصانها أضواء تتلألأ ثم تخفت ثم تخبو......