أين البداية.. ومتي النهاية.. ؟! مالي حائرة تائهة لا أري برا أرسو عليه بما تحمله يداي..!! الشطآن بعيدة ودائرة المستحيلات تضيق خناقها علي إجابات لتساؤلاتي..! حتما سأبدأ وألقي بما في جعبتي.. ربما تقرأ سطوري فيداهمك السؤال نفسه الذي يحاصرني وماذا بعد.. ؟ وماهي جدوي الكتابة.. ؟! ربما لاتجد إجابة أو ربما تري بصيصا من نور وسط كل هذا الكم من الظلام الحالك الذي حاصرني في رحلتي إلي دولة الكونغو الديمقراطية.. لا أخفي عليك سرا عندما أعترف لك بأن حالة من الحزن الشديد والشجن والصمت والتأمل وربما أيضا الغثيان إنتابتني عندما ختمت سطور حلقتي السابقة أول أمس بطبيعة أدوار بعض من الدول التي وجدت ضالتها المنشودة ووضعت أقدامها وتربعت علي أسواق وموارد وكنوز واستثمارات دولة إفريقية مثل الكونغو.. كشفت لك قارئي ماذا تفعل إسرائيل وكيف تتفنن في مص دماء الماس والذهب وكأنها' دراكولا' الذي يطبق علي عروق فتاة عذراء جميلة تمشي متثنية في جمال آخاذ.. وماذا تريد إيران التي تتربع علي عرش قارة أخري ولا تربطها أي حدود أو علاقات جغرافية وسياسية وتاريخية مع بلد مثل الكونغو.. ولكنه اليورانيوم الي يجعلها تعبر آلاف الأميال لكي تصل إليه.. بل وتعزز علاقاتها هنا وهناك بسفراء وبروتوكولات ومسئولين ورجال أعمال.. وكيف استغلت تركيا عالم الأخشاب لتحتكره وتضع أيديها بكل ثبات وقوة علي دنيا الغابات في هذا البلد..!! بل وأيضا لم يقتصر الأمر علي تلك الدول التي تعد صغيرة بل تنتمي إلي عالم الصعاليك في دنيا الملوك بل امتد ليتحول هذا البلد إلي نقطة صراع مابين الدول الكبري متمثلة في الأسد الأمريكي والفهد الصيني!! بيزنس ومصالح واستثمارات بكل الطرق المشروعة وحتي المحرمة دوليا.. غابة من الحيوانات المفترسة لا ترحم الضعيف.. البقاء فيها للأقوي وأيضا للأصلح..!!! ولكن لنسأل ولتسألوا معي بصوت عال وصريح وواضح ودون مجاملة أو نفاق أو تهليل وأيضا دون صراخ مزعج يصم الآذان.. أين نحن من كل مايدور حولنا.. ؟! هل وجدنا لنا نصيبا في تلك الوليمة ؟ أين دور مصر في بلد ننتمي نحن من قريب إليه.. بل تربطنا به مصالح ترقي إلي أن تخص أمننا القومي والاستراتيجي.. ؟! أسئلة تحتاج لإجابة شافية.. بل أيضا نحن في حاجة ملحة إلي أن نقف أمام المرآة لنري أنفسنا حتي لو عراة دون أي رتوش أو تزويق.. خاصة وأننا أصبحنا شئنا أم أبينا في مفترق طرق يخص حياتنا جميعا ألا وهي نقطة المياه التي لم نعرف قيمتها إلا مؤخرا عندما ثارت الخلافات وبدأت المفاوضات بين دول المنابع التي تتمثل في كينيا, أوغندا, تنزانيا, الكونغو, رواندا, بوروندي, ودول المصب نحن والسودان..!! وقبل أن أبدأ في التعرض لموقعنا ودورنا الحقيقي الذي نلعبه في جولة الكونغو والذي كان من السهل التعرف عليه أثناء رحلتي إلي تلك الأراضي.. علي فقط أن أقول لك قاريء سطوري المقبلة معلومة بسيطة أستهل بها حديثا حول العلاقات التاريخية والمواقف المشهودة بين مصر والكونغو.. تصور أنه في حرب أكتوبر1973 لم تكن فقط الدول العربية هي التي تقف بجانبنا بل أيضا العديد من الدول الإفريقية التي لم تنس مواقفنا أثناء صراعاتها وحروبها للحصول علي استقلالها من الدول الإستعمارية وهذا بالطبع كان في فترة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.. الكونغو تلك الدولة الفقيرة المحملة بأعباء لاتنتهي من الصراعات والحروب السياسية العقيمة قطعت علاقاتها مع إسرائيل وعندما سئل مسئولوها قالوا بالحرف..' نعم قطعنا علاقتنا بإسرائيل.. هم أصدقاؤنا لكن مصر أشقاؤنا والفرق شاسع لذا لم نتردد في الوقوف بجانب الدولة الأم مصر'..!! منذ هذه اللحظة.. ومنذ هذا التاريخ.. ومنذ هذا الموقف لم يسمع أحد عن أي علاقات أو روابط بين مصر والكونغو لم توجد أي شركة مصرية ولا خبير مصري واحد.. أو رجل أعمال أو حتي عمالة مصرية علي أرض هذا البلد..' طيب بذمتك عمرك سمعت إن أي وزير أو حتي مسئول من الدرجة الثالثة ذهب إلي الكونغو في زيارة سياسية أو برلمانية أو حتي سياحة ؟!!' أظن أن الإجابة واضحة وليست في حاجة إلي التفكير الآن فقط..' حليت إفريقيا.. وتجملت.. وأصبحت فرخة بكشك وكمان أرز بالمكسرات بل وديك رومي ساخن الآن فقط.. نسمع يوما يتلو الأخر عن زيارات لوزراء التعاون الدولي والزراعة ورؤساء بنوك وإستثمارات رجال أعمال يفيقون أخيرا إلي القارة السوداء تاركين أبناءهم وملياراتهم في بنوك أمريكا وسويسرا وأوروبا ليتجهوا إلي إفريقيا.. الآن فقط.. نفكر في إرسال مساعدات وقوافل طبية وسكر وزيت وسمن إلي الكونغو..!! عفوا قارئي إن كنت قد أثقلت عليك.. ولكن صدقني أؤمن بالمثل المصري الشهير القائل..' يابخت من بكاني وبكي علي ولا ضحكني وضحك الناس علي' وصدقني عندما أقول لك بأن هذا الكلام الذي كتبته أنا وقرأته أنت منذ لحظات ليس كلامي أنا بل هذا ما سمعته من المواطنين الكونغوليين أنفسهم وأيضا بعض المسئولين الذين رفضوا ذكر أسمائهم.. هم يفهموننا وينظرون إلينا بإنبهار كما ننظر نحن للأوروبيين.. يقدرون مصر وحضارتها وجمالها وثقافتها وناسها ويتمنون أن يهرولوا إليها لولا قصر ذات اليد..! ولكنهم أيضا يدركون أن التحرك الأخير لمصر مع القارة الإفريقية عامة والكونغو خاصة لم يتم من أجل سواد عيونهم.. بل من أجل نقطة المياه. ومع ذلك وكما قال لي توماس أحد المواطنين الكونغوليين' نحن نحب مصر ونقدرها ولا نرضي أبدا أن يتم أي اتفاق بين دول حوض النيل دون موافقة مصر لذا كان موقف المسئولين والرئيس كابيلا من عدم التوقيع علي اتفاقية عنتيبي التي تقر بإستغلال دول المنابع لمياه النيل وإقامة مشروعات دون استئذان مصر والسودان'. لم يكن هذا رأي توماس فقط بل كانت وجهة نظر كم كبير من الكونغوليين ولا أبالغ عندما أقول أن الشارع الكونغولي قالها لي صراحة نحن دولة ذات سيادة ونبحث عن مصالحنا ويهمنا جدا ألا يحدث انقسام بين دول حوض النيل وقيادتنا السياسية حريصة علي مصر. إذا كان هذا مايراه الشارع الكونغولي وإذا كان موقف الكونغو من موضوع أزمة مياه النيل واضحا شفافا مؤيدا لمصر بدءا بالشارع وحتي القيادة السياسية التي يتزعمها الرئيس كابيلا. فماذا تنتظر الكونغو من مصر.. ؟وما الذي قدمته مصر بالفعل إلي الكونغو. ؟ أسئلة ربما انشغلت بها كثيرا وحاولت الإجابة عنها من خلال بعض المسئولين الكونغوليين الذين إحتراما لرغبتهم لن أفصح عن أسمائهم. بداية تكلم المسئول الأول وهو في منصب حساس في الدولة قائلا.. نحن لدينا موارد طبيعية هائلة علي رأسها نهر الكونغو وبحيرات تنجانيقا وألبرت وإدوارد هذا غير كم الأمطار الذي يسقط علينا سنويا ورغم كل هذه الإمكانات إلا أننا نعاني من مشكلتين الأولي قلة الكهرباء والثانية إنعدام المياه.. لذا نحن في حاجة إلي خبرة تساعدنا في استغلال مواردنا في المياه وأظن أن مصر لن تبخل علينا بخبرائها وعلمائها.. كلام الرجل أصابني في مقتل خاصة وأنني رأيت ذلك بنفسي بل وعانيت منه أيضا فعندما تغيب الشمس تسقط الكونغو في ظلام حالك اللهم إلا بعض الإضاءات الخفيفة في الشوارع و الكافيتيريات والملاهي الليلية.. شيء حتما يصيبك بالإختناق أما المياه فحدث ولا حرج' الفندق أبو مائتي دولار في الليلة لا توجد به نقطة مياه' بل وأعترف أنني عانيت معاناة شديدة لكي أستطيع أن' أخذ شاور زي البني أدمين' علي أن أستيقظ في الخامسة صباحا لأن المياه تقطع في تمام السادسة' يعني ساعة واحدة فقط'..!! تصور دولة لديها نهر الكونغو الذي يضيع منه ألف متر مكعب كل سنة في المحيط الأطلنطي وتمتلك بحيرة تنجانيقا ثاني أعمق بحيرة في العالم والعديد من الروافد والأنهار تعاني من مشكلة المياه..! هنا مربط الفرس.. هنا مايريدونه منا.. هنا دورنا الذي تأخر كثيرا..! مصر لديها القدرة علي الدخول بجرأة وحرية وإرادة في مشروعات الطاقة وإقامة محطات كهرباء وربطها بمشاريع إستراتيجية بدلا من أن يقوم بتوصيل الطاقة الكهربائية إلي تركيا وسوريا.. ولكن المسألة هنا يجب أن يكون لديها اولويات.. الأمر المهم والثاني والمتعلق أيضا بالمياه هو خاص أيضا بإدارة الموارد المائية.. نحن لدينا خبراء ومتخصصون وأصحاب عقول واعية ودراسة في هذا المجال فلماذا لا ندخل بقوة ونرسل