سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
قطار الأهلي عاد إلي القضبان.. وقطار الزمالك أوقفته الأعطال گتاب القمة سطوره »حمراء«.. بينها فراغات بيضاء! شخصية الفريق أهم من الكفاءة.. و»هيبة« النجوم رأس حربة التفوق
»قمة الكأس«.. أعادت قطار الأهلي إلي القضبان التي كان يسير عليها كالرصاصة في زمن الاكتساح.. وبينما أخذه الحنين إلي أيام العنفوان في الملعب وهو يدوس علي كل المحطات.. آخذ الحنين الزمالك إلي أن يتوقف قطاره العائد إلي القضبان منذ أن تولي حسام حسن القيادة بفعل اعطال في »الكابينة« والموتور ونفاذ الوقود.. كانت القمة حالة خاصة لم تكن في الحسبان بتأثير ما رآه الناس في قمة الدوري من فارسين شديدي البأس يتبادلان الانقضاض ويستقبلان الطعنات والاصابات دون ان يسقطا من علي ظهر الجواد.. ليأتي نزال الكأس وفي الحسبان أن تستمر الفروسية، فإذا بالجمهور المتلهف تصيبه الدهشة وهو يري الفارس الأحمر يهجم ويضرب ويستعرض فروسيته بينما الفارس الأبيض مشغول وهو يتحسس أماكن الاصابات حتي خارت قواه وسقط علي الأرض.. والقمم بين الأهلي والزمالك »كُتْب« مثيرة تقرأ فيها عن الصراع الدرامي في الملعب والمدرجات والشوارع والمنازل بسطور حمراء وبيضاء- إلا ما ندر من كتابة بلون واحد فقط- حيث عودتنا كل قمة علي أنها حالة تاريخية خاصة لا علاقة لها بموازين القوي.. وكانت قمة الكأس مرشحة لأن يسجلها كتاب »شيق« وممتع باللونين الأحمر والابيض فتشجع الجمهور العريض وذهب إلي استاد القاهرة ليغطي كل المدرجات باللونين.. لكن عندما بدأ الجمهور يقرأ.. وقعت عينه علي سطر واحد أبيض مدون به واحد من أسرع أهداف »القمم«.. وبينما هو يتوقع أن تستمر القراءة بالسطور البيضاء إذا به لا يري إلا سطور حمراء تحكي وتفسر كيف كان الاهلي فريقا غير عادي كامل الأوصاف دفاعا وهجوما ووسطا وأطرافا وديناميكية وذهن متوقد ونجوم خبيرة بشئون القمم والمواقف الصعبة.. وبعد السطر الأول وحتي نهاية الكتاب اقتصر وجود اللون الأبيض علي الفراغات بين السطور فقط.. وحتي مساحات لا فائدة منها سوي إراحة العين وهي تقرأ السطور.. فلا وجود فيها لمعني ولا كلمات ولا حتي حروف متقطعة.. كان الاهلي هو السطور وكان الزمالك هو الفراغ.. وهذا يحمسنا ويثير فضولنا وفضول كل المندهشين من هذه الحالة التي بدت عليها القمة علي غير المتوقع.. وتحرضنا علي السؤال: لماذا أصبح الاهلي سطورا في الكتاب ولماذا كان الزمالك فراغا بين السطور؟ تفوق الاهلي باكتساح لأنه صاحب شخصية في الملعب والشخصية القوية لا تربكها الصدمات وذهنها حاضر لكي تفكر تعيد حساباتها بسرعة وتستدعي ما لديها من طاقة احتياطية لتقاوم الأزمة الطارئة.. وهدف حسين ياسر المحمدي كان أزمة طارئة تطلبت استدعاء للحكمة والتركيز الاضافي والذهن المتوقد.. وكان نجوم كبار مخضرمون قادرين علي هذا الاستدعاء من نوعية محمد ابوتريكة ومحمد بركات واحمد حسن وسيد معوض، بما يثبت ان للنجوم هيبة »وطلة« وربما يكون ذلك هو الدرس الوحيد الذي استفاد منه الزمالك وسط ركام الخسائر حتي يعرف قبل بدء الموسم الجديد أن نظرية بناء الفريق من خامات جيدة أو حتي متميزة لا يؤدي إلي بطولة إلا إذا اشتمل البناء علي أساس متين من النجوم الخبراء بالمواقف العصيبة.. اختار الاهلي للمواجهة اسلحة مناسبة وفعالة تعتمد علي السرعة والضرب في العمق والتحليق في الاجناب.. كان الأهلي في الملعب يدير مباراة في الشطرنج وخطط قبل ان يلعب كيف يصل إلي الملك ويقول له »كش« بلعبة نابليون الشهيرة المأخوذة من الفكر العسكري للامبراطور الفرنسي نابليون الذي كان ينتصر في كل معاركه بالضرب في العمق وشق صفوف الجيوش من الوسط.. ولم يكتف الاهلي بذلك وتحسب لمناعة العمق فاهتم ايضا بالاطراف وحلق فيها و»قص« أجنحة الزمالك فجعلها حائرة لا تستطيع الهجوم ولا تستطيع الدفاع.. وعلاوة علي ذلك انتشرت قطع الاهلي علي لوحة الشطرنج بامتياز لم يسبق له مثيل بعد حقبة التفوق الكاسح.. وبالخبرة عرف الاهلي ان الفريق البطل لا يمكن ان يحقق الانتصارات والألقاب بدون دفاعات حصينة.. والمدربون المصريون عرفوا ذلك متأخرا بعد ان ادركوا ان مدربي المنتخبات العالمية الكبيرة يبدأون تشكيل قوائمهم للبطولات الكبري بالبحث أولا عن المدافعين المؤهلين لأن بناء الدفاع هو الاساس في بناء الفريق، فإذا لم تتح لك فرصة الفوز فعليك ألا تخسر.. ولأول مرة هذا الموسم لا يقع دفاع الاهلي في خطأ واحد ولأول مرة يكون الدور الدفاعي لخط الوسط مكتملا ومضافا إليه حالة خاصة كان يستخدمها قديما أيام »شطة« الذي كان متخصصا في عزل فاروق جعفر.. فأعادها بعد سنوات طويلة ليعزل شيكابالا ونجح بامتياز. وقبل كل ذلك.. لا يكفي ان تفكر في نفسك فقط وانت تواجه طرفا آخر.. والمؤكد ان الجهاز الفني للاهلي فكر في الآخر وهو الزمالك ودرسه دراسة واقعية شاملة وحدث ذلك بمشاهدة مشتركة بين افراد الجهاز واللاعبين لآخر قمة في الدوري وتحديد عناصر القوة والضعف في المنافس والتعامل معها بمثالية.. وكل هذا التحضير الجيد واللعب المتميز لا يعفي حسام البدري من خطأ ارتكبه وهو اجراء تغييرات حرمت فريقه من تكرار الفوز التاريخي 6/1 بل كان من الممكن ان يستثمره الزمالك في الإفاقة لكنه لم يكن مستعدا أن يفيق بعد انهيار نفسي. وعلي الطرف الآخر.. ما تميز به الاهلي هو ما عاب الزمالك.. لم يكن واردا في ذهن احد ان يخسر بهذه السهولة.. وان تتباعد خطوطه بهذا القدر من الخلل، وان يبدو بطيئا إلي درجة النوم. وأن ينقلب عنفوانه في قمة الدوري إلي تفكك وترهل مفتقدا السرعة والربط والضغط علي الخصم والروح القتالية وكأنه تعاطي حبوبا »منومة«.. ولا تفسير لتراجع اللياقة سوي أن احمال التدريب كانت زائدة ولا تفسير لافتقاد الروح سوي أن الشحن النفسي والمعنوي الزائد أدي إلي الخوف.. وإلي جانب ذلك.. لم نعرف ماذا كان يفعل لاعب مثل اديكو ماذا كان دوره بالضبط دفاعي أو هجومي؟.. ولم نعرف لماذا لم يجلس علي دكة البدلاء مهاجم ثان صريح؟.. ولم نعرف لماذا تحولت صلابة خط الدفاع في القسم الثاني للدوري إلي »فروم« وثقوب وارتباك.. ولم نعرف لماذا لم يرسم الجهاز الفني سيناريو جديدا لمباراة جديدة كان من المؤكد اختلافها عن مباراة قمة الدوري عكس ما فعله الاهلي.. ولم نعرف لماذا عاد اللاعبون إلي الاداء الفردي ونسوا الفترة الطويلة التي تعلموا فيها جماعية الاداء.. ولم نعرف لماذا لعب الفريق بدون خط وسط لم نره طوال المباراة في منطقته، فجزء منه منضم إلي كتلة في الأمام وجزء آخر منضم إلي كتة في الخلف والكتلتان تخترقهما الفراغات والمساحات الواسعة الخالية.. لم يكن الزمالك علي الموعد.. لكن في نفس الوقت يصبح خطرا وخطأ كبيرا ان ينسي الزماك المعجزة التي حققها حسام حسن لمجرد ان مباراة افلتت منه، وهو يلعب بفريق يحتاج الكثير من الدعم المباشر بنجوم كبار.. حسام حسن مازال الدواء الذي يبحث عنه فريق الزمالك للاستشفاء ويجب ان يدعمه مجلس الادارة بكل قوة ويمنع عنه خبراء حديقة النادي الذين اطلوا برؤوسهم الآن ويستعدون للهمز واللمز.. أما حسام البدري.. فهو الفارس الذي اصابته الطعنات أكثر من مرة لكنه رفض أن يسقط.. ويستحق ثناء ومديحا أكبر مما يمكن ان تقدمه السطور.. ويكفي أنه بالتأكيد اصاب مانويل جوزيه بالندم واصابه بالدهشة وهو يري فريقه الذي هرب من قيادته خوفا علي نفسه يقدم مثل هذا العرض الرائع الاستثنائي..