يحلو لكثير من الناس إبداء الأسف علي فقر مصر الحالي في مجالات الآداب والفنون والعلوم بالمقاونة بحقبتي الستينيات والسبعينيات ويستدعون الي ذاكرتهم من تلك الحقبة نجوما ذهبية لم يكن لها مثيل بحق اثرت تأثيرا كبيرا في العقلية المصرية والوجدان العربي آنذاك, وشكلت مع غيرها قوة مصر الناعمة التي جعلت منها مصدر الإشعاع الوحيد في المنطقة التي امتدت من باكستان شرقا حتي المغرب غربا.والواقع اننا مازلنا حتي الآن مبهورين وفخورين بقمم مصرية نادرة عاشت في تلك الحقبة من تاريخ مصر يصعب تكرارها بالفعل مثل أم كلثوم وطه حسين واحمد لطفي السيد ويوسف إدريس ومحمد عبدالوهاب وعباس محمود العقاد ومصطفي محمود ومصطفي مشرفة ومختار التتش وعبدالحليم حافظ والشيخ عبدالباسط عبدالصمد ونجيب الريحاني وعمر الشريف وعلي ابراهيم ومحمد النادي ونجيب محفوظ ويوسف السباعي وبيكار وحسن فتحي ومدحت عاصم ومحمد فوزي وباباشارو والشيخ عبدالحليم محمود والشيخ متولي الشعراوي وصاحب الكتاب الأشهر جمال حمدان. مصر في تلك الفترة كانت الرائدة في مجالات الطب والهندسة والعلوم والفنون والثقافة والموسيقي والسينما والمسرح.. أما مصر الآن فلا يري المغرضون فيها إلا كل قصور ونقصان وغياب للريادة حتي باتت تلك الكلمات مكررة ومعادة تلوكها الألسن بدون وعي يحققون من خلالها باطلا يريده الحاقدون والطامحون في مكانتها بدون حق علي اعتبار ان البترول والغاز هو المؤهل الحديث الذي يسبغ علي الدول المكانة وعلي شعوبها الاعجاب والتقدير. ويبدو أن الفضائيات سامحها الله غيرت المفاهيم والديمقراطية الحديثة أفرزت بدورها صحفا صفراء هي بالقطع مستأجرة ومسموم ورحجت لما سموم العقم المصري وعدم قدرة هذا الوطن علي انتاج أشخاص لديهم هذه القدرة الفذة علي الخلق والابداع والعلم والفكر كآبائهم السابقين.. وبني المرجين المغرضين علي ذلك نظريتهم بان هؤلاء كانوا هم عماد وزن مصر الاقليمي آنذاك وان غياب أمثالهم أضاع هذا الوزن وضيع قوتها. ولكن واقع الأمر أننا نمتلك الآن ثروة ذهبية من المبدعين والعلماء والفنانين ولكن لا نراهم وان كان غيرنا يراها.. نحن أغنياء جدا ولكن لا ندرك ذلك وربما كان فقد أحد المبدعين والفنانين والأدباء والعلماء هو الشئ الوحيد الذي ينبهنا الي تلك الحقيقة ولكن عندها يكون الأوان قد فات ويصبح الحاضر في تلك اللحظة ماضيا نتغني به ونعيش عليه.. يا الله دلوني علي دولة في منطقتنا كبرت أو صغرت لديها شاعرا في حجم عبدالرحمن الابنودي او في قامة عبدالمعطي حجازي أو في قيمة محمد ابراهيم سنة أو ادبيا عالميا كجمال الغيطاني تترجم اعماله الي عشرات اللغات او مثل يوسف القعيد المبدع الفذ أو صاحب عزازيل يوسف زيدان.. دلوني علي بلد قريب او بعيد فيه افذاذ في العلوم والطب معاصرين يعيشون معنا الآن مثل عملاق المنصورة الدكتور محمد غنيم وعميد جراحي مصر الدكتور ابراهيم بدران وجراح القلوب العالمي المعاصر مجدي يعقوب وعالم مصر النادر الدكتور فاروق الباز والأثري الذي لا مثيل له زاهي حواس, وصاحب نوبل احمد زويل وفانون عباقرة بمقاييس الحاضر مثل عادل امام وفاروق حسني ومصطفي حسين وكتاب عظام كمحمد حسنين هيكل وعبدالمنعم سعيد ومصطفي الفقي صاحب جائزة مبارك, ومنهم سياسيون أفذاذ كبطرس بطرس غالي وعمرو موسي وأسامة الباز وعلي الدين هلال, ومفكرون يعيشون علي القمة منذ سنين مثل السيد يسين وعملاق الجامعة الأمريكية الدكتور الشبراوي, بل ولاعبو كرة لهم مواهب يتحدث العالم عنها كأبوتريكة ومن قبله الخطيب ومعهم المدرب حسن شحاتة ومن قبله محمود الجوهري وأصوات وقورة في قراءة القرآن مثل الطبلاوي ونعينع وعلماء دين مثل الدكتور الطيب وزميله المفتي الدكتور علي جمعة. هؤلاء المبدعون الذين يتلألأون في المنطقة يعيشون بيننا ولا نراهم ولكن نشعر بهم فقط لما نفقدهم لا قدر الله.. والسبب نحن والعيب عندما ومحسوب علينا, لأننا انشغلنا أو شغلونا سامحهم الله بصراعات شكلية هي في الواقع مباريات في الظلام.. تركنا نجومنا وذخيرتنا وثروتنا الحقيقية وانشغلنا بحركات ابريل ومايو وسبتمبر والتغيير والصراع المصطنع بين الآديان وأيضا بين الطوائف المهنية وأصبح جل اهتمامنا موجها للتقاتل الدائر والمفتعل بين فئات يتطلب عملها التعاون الرصين مثل المحامين والقضاة وبات المشهور فينا هو من ينجح في تشويه مصر ويقلل من شأنها علي الفضائيات نظير بضع دولارات ملوثة بالغاز والبترول. ولكن هؤلاء مكشوفون وأقل قيمة من أصغر مواطن مصري أصيل يحمد الله ليل نهار بالرغم من الصعوبات الاقتصادية التي قد يقابلها ويعرف انها مؤقتة لأنها ضريبة التقدم الاقتصادي الذي سيعيد لمصر مكانتها وعندها ستخرس الألسنة التي باتت تسبب لنا صداعا يوميا عن ضعف الدور المصري في مقابل ظهور دور متنام لدول مثل تركيا وايران وقطر..! نحن نقطع شرايننا وأوردتنا ثم نتألم..! نتألق في تشويه صورة الوطن ثم نبكي.. نتقاتل بعضنا مع البعض ثم نندم ولكن مصر عظيمة ورائدة في المنطقة وتعج بالنجوم المتلالأة ولكننا نغمض عيوننا وندعي إننا لا نراهم وان كنت لا تصدق اقرأ المقال مرة ثانية. مصر في تلك الفترة كانت الرائدة في مجالات الطب والهندسة والعلوم والفنون والثقافة والموسيقي والسينما والمسرح.. واقع الأمر أننا نمتلك الآن ثروة ذهبية من المبدعين والعلماء والفنانين ولكن لا نراهم وان كان غيرنا يراها.. [email protected]