في نظرية رأس المال الاجتماعي يتكون المجتمع العام من شبكة اجتماعية كبيرة تضم داخلها مجموعات من الشبكات الصغري, هذه الشبكات الاجتماعية جميعها وروابطها ومعابرها تتحرك في سياق نسق ثقافي وأخلاقي يتشكل عبر التجربة التاريخية للمجتمع, ويحدد آليات التعارف والترابط بين الأفراد والجماعات, من نعرف وكيف نعرفه. ومنذ أن ظهر مفهوم رأس المال الاجتماعي, في مجال العلوم الاجتماعية, بدأ الجدل حول دور الدين وعلاقته بالمفهوم الجديد فالسؤال إذن, ليس فيما إذا كانت الأديان تحمل رسالة الخير والتعاون والترابط الاجتماعي, لأن إجابة هذا السؤال بالتأكيد بالإيجاب فالمجتمعات الغربية كان سياقها الحداثة وما بعدها وما أنتجته من الفردانية الناتجة عن تراثها الثقافي الفلسفي وجذورها الثقافية الدينية, بينما مجتمعاتنا التي خاضت بعض تجربة من الحداثة, فإن تراثها الثقافي التقليدي, وهو بالأساس تراث ديني انقطع اجتهادنا فيه منذ أمد أو توقف خاصة في بعض القضايا الاجتماعية التي يطرحها مفهوم رأس المال مثل مفهوم' الخير العام' و'الشبكة الاجتماعية' وأيضا مفهوم' الثقة'. ومنذ أن ظهر مفهوم رأس المال الاجتماعي, في مجال العلوم الاجتماعية, بدأ الجدل حول دور الدين وعلاقته بالمفهوم الجديد, فمن ناحية يشير أصحاب كل الديانات المتعاملون مع موضوع رأس المال الاجتماعي إلي البعد الإيجابي للدين علي رأس المال الاجتماعي وهم يسوقون أمثلة واقعية عن دور المؤسسات الدينية باعتبارها من أكبر الكيانات التي تضم شبكات اجتماعية تطوعية تسهم في الخير العام, فالمعتقد الديني يلعب دورا أساسيا في تأصيل قيم الجماعة والجماعية ويرسخ فضيلة فعل الخير بغض النظر عن المنفعة المترتبة عليه. ويمكن لكل أصحاب الأديان, وعن حق, أن يوردوا من النصوص الدينية التي توجب فعل الخير وتقدره, بل إن الأديان تطرح تصورا يوتوبيا للعلاقات الاجتماعية بين الأفراد والمجتمعات حال التزام الناس لرسالتها بشكل كلي ونقي. فعلي الجانب الإسلامي علي سبيل المثال يكتب الباحث عمر راشد' فإن الدين الإسلامي- الذي هو وعاء رئيسي للقيم والأخلاق في المنطقتين العربية والإسلامية- يلعب دورا كبيرا في تشكيل رأس المال الاجتماعي, فالإسلام كقوة اجتماعية وسياسية استطاع أن يمد الشباب العربي المتعلم, المحبط في نفس الوقت, بالحماية الاجتماعية والأمل' ولا يمكن لأحد أن يشك فيما كتبه بل ربما يمكننا الإضافة عليه. أما علي الجانب المسيحي فالمسيحية ديانة المحبة التي تتحدث عن فعل الخير للجميع حتي الأعداء. ويدلنا علي ذلك حجم و كم المشروعات الخيرية المسيحية التي تتنوع بين المشروعات التعليمية والصحية والاجتماعية التي تنتشر في كل مكان علي أرض مصر. بل حتي علي مستوي العالم فإن الدراسات تؤكد أن ثلثي النشاط الاجتماعي في الولاياتالمتحدةالأمريكية تقوم به الكنائس أو المؤسسات الاجتماعية ذات المرجعية الأخلاقية المسيحية. والسؤال: هل هناك علاقة بين المثل الدينية وواقع الحياة الاجتماعية ؟ وهل يمكن لهذه المثل الدينية في حال تطبيقها بشكل مثالي أن تنتج رأس مال اجتماعيا كما تتصوره النظرية بحيث ينعكس في المجتمع خيرا عاما وثقة بين أفراده؟. فالسؤال إذن, ليس فيما إذا كانت الأديان تحمل رسالة الخير والتعاون والترابط الاجتماعي, لأن إجابة هذا السؤال بالتأكيد بالإيجاب وإنما السؤال هو: هل كل مجتمع ذي مرجعية دينية يحمل بالضرورة إمكانات انتاج واستخدام رأس مال اجتماعي ؟ ففي مصر علي سبيل المثال حيث الثقافة الدينية متجذرة والالتزام الطقسي لدي مسلميها ومسيحييها يشكل أعلي مستوي في العالم, يصبح السؤال إذا كان هذا هو حجم التدين وإلي هذا الحد تنتشر الأخلاق الدينية فلماذا لا نري لها مردودا علي مستوي الخير العام؟ أو بمعني آخر لماذا لم ينعكس هذا علي رأس المال الاجتماعي في المجتمع المصري؟ وكيف يمكن أن نربط بين ارتفاع مستوي التدين ليشمل مائة بالمائة من الشعب المصري في الوقت الذي تتراجع القيم الأخلاقية العليا؟وكيف نفسر تدهور عنصر الثقة بين الأفراد؟ وأخيرا كيف نفسر هذه الحدة والقسوة التي يتعامل بها البعض مع الآخرين باسم النص الديني, وكيف تحول التدين الكثيف إلي عنف اجتماعي؟