إياك إياك أن تصدق ما تسمعه عن حقوق المواطنة وتساوي الجميع أمام القانون. كلها ترهات, كن قويا عنيفا يحترمك الناس. أكدنا مرارا وتكرارا أن' العدو' تعبير مطاط ومرحلي ونسبي. قلنا أن ما أخذ بالقوة يمكن أيضا أن يسترد بالقانون أو بالتفاوض. في طريقي إلي منزلي يوم العاشر من يونيو الحالي, رأيت تجمهرا أمام واحدة من المحاكم, والشرطة تحيط بالمتظاهرين الذين تتصاعد هتافاتهم, وكانت المفاجأة أن هؤلاء المتظاهرين محامون وأنهم يهتفون' يا عدالة فينك فينك القضاة بيننا وبينك'. وعرفت أنهم يحتجون علي حكم أصدرته احدي المحاكم بحق زميلين لهم اتهما بالاعتداء علي بعض أعضاء النيابة, في حين أنهم يؤكدون أن أعضاء النيابة هم المعتدون, وأن الحكم ظالم. وحين وصلت إلي بيتي و شاهدت التليفزيون اكتشفت أن الأطراف جميعا من الشباب. محام شاب يريد مقابلة وكيل النيابة وهو شاب أيضا لشأن يتعلق بممارسته مهنته. الحراس الشباب علي باب وكيل النيابة يمنعون المحامي من الدخول ويطالبونه بالانتظار. ربما لمح المحامي في عيونهم أو طريقة تعبيرهم ما تصوره تقليلا من شأنه وقد يكون ما تصوره صحيحا. وهنا أصبحت المسألة مسألة كرامة. اقتحم المحامي الشاب الباب وفوجئ به وكيل النيابة الشاب يقف أمامه. إنها إهانة مزدوجة: لقد أهين الحرس الخاص بي وهاأنذا أتعرض للإهانة أمام أعين الحرس. ليس مهما ما إذا كان وكيل النيابة هو الذي بدأ بصفع المحامي أو العكس. وسرعان ما تضامنت نقابة المحامين للذود عن كرامة أعضائها, كما تضامن نادي القضاة مع من ينتسبون إليه. و للحقيقة لم يفاجئني شيء من ذلك. ما فوجئت به حقا هو أن البعض قد أبدي اندهاشه واستياءه مما حدث. تري ماذا كنتم تتوقعون أيها السادة من شباب ربيناهم علي عيوننا علي عقيدة أن لا تجعل أحدا يهينك, فإذا ما حدث ذلك اسحقه لو استطعت.. فإذا ما أعوزتك القوة, فاستعن عليه بذي سلطان, فإذا لم تجد فاستعن عليه بجماعتك. أما إذا كنت فردا وحيدا مجرد مواطن عادي لا عصبة لك فعليك بنفاق المعتدي والاستسلام له. إياك إياك الاحتكام للقانون, فالقانون لا يلجأ له إلا الضعفاء بدءا من القانون الدولي إلي القوانين الوطنية. إياك إياك أن تصدق ما تسمعه عن حقوق المواطنة وتساوي الجميع أمام القانون. كلها ترهات, كن قويا عنيفا يحترمك الناس. لقد ربيناهم علي شعار' إن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة' ولم نقصره علي صدام الجيوش, بل جعلناه أسلوبنا المفضل في حل كافة الخلافات, ساخرين من فكرة التفاوض, أو اللجوء إلي القانون, أو الاعتماد علي الرأي العام وأساليب الاحتجاج المدني, مؤكدين أن القوة وحدها هي الحل وكل ما عداها ضعف وهوان واستسلام, ودأبنا علي تعميق ذلك بالكلمة والصوت والصورة ومن خلال ممارساتنا اليومية في مدارسنا ومجالسنا النيابية وأحزابنا ومساجدنا ونقاباتنا وكنائسنا وملاعبنا إلي آخره, وتصرف هؤلاء الشباب كما تعلموا منا علي وجه الدقة. و للحقيقة فمنذ ما يزيد علي36 عاما أي منذ عام1974 تحديدا, بدأ رصدي لتبلور ظاهرة العنف في مجتمعنا المصري, ومنذ ذلك التاريخ لم أكف عن التحذير من مغبة حرصنا علي تنشئة أجيالنا الجديدة علي العنف. لم أكن وحدي بطبيعة الحال ولكنا كنا وما زلنا قلة قليلة من المهتمين بالشأن العام ندين العنف دون أن نلحق الإدانة بكلمة' و لكن'. نبهنا منذ وقت مبكر إلي أن تنشئة الصغار علي العنف لا يمكن بأي حال ضمان أن يوجه ذلك العنف إلي' العدو'. أكدنا مرارا وتكرارا أن' العدو' تعبير مطاط ومرحلي ونسبي. قلنا أن ما أخذ بالقوة يمكن أيضا أن يسترد بالقانون أو بالتفاوض. استشرفنا المستقبل فهالتنا مخاطره فاندفعنا نحذر بالبحوث العلمية والكتابة في الصحف واستغلال أي فجوة إعلامية نستطيع النفاذ منها. ولكن فيما يبدو لم يصدقنا أحد, ونالنا في سبيل ذلك بعض ما نكره, ومضي الجميع في تقديس العنف واحتقار التفاوض والقانون وكافة مفردات قاموس السلام, حتي أصبح النطق بكلمة' السلام' تهمة ينبغي علي من ينطق بها أن يطأطئ الرأس وأن يعتذر عنها. وفي سبيل ذلك تحالف الأمهات والآباء, والمربون والتربويون, والإعلاميون. أصبحنا في بيوتنا, ومدارسنا, ومساجدنا, وكنائسنا ونوادينا ومكاتبنا وصحافتنا واذاعتنا وتليفزيوننا نروج للعنف ونتفنن في تغلفته بأغلفة جذابة. ختاما لم يعد لدي نصائح, فظني أن الخرق قد اتسع علي الراتق, ولم يعد أمام المتضرر سوي أن يلجأ إلي القوة أو إلي الله فهو حسبه. ولولا قيود السن للجأت إلي من يدربني علي ممارسة العنف مستعيدا ما قاله الشاعر القديم حين قرر أن ويتبع قومه رغم عدم اتفاقه معهم نصحتكم أمري بمنعرج اللوي فلم تستبينوا النصح إلا ضحي الغد و ما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد. [email protected]