«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوسف القعيد يكتب :الخامس من يونيو أصبح عمره 43 عاما
نشر في الدستور الأصلي يوم 04 - 06 - 2010

مساء 18 مايو 1967 ناقشنا نبوءة الكارثة في ميرامار في مقهى ريش قال لي محفوظ إنه ينتقد نظام يوليو من تحت مظلته ويطالب ببقائه مع تخليصه من سلبياته لم يحلم محفوظ سنة 1967 بعودة الملك للحكم ولكن حلمه كان بالديمقراطية جابر عصفور: لم أحصل على جائزة القذافي عن كتابي عن نجيب محفوظ ولكن عن مجمل أعمالي جابر عصفور: ارتبكت مشاعري تجاه عبد الناصر بعد يونيو 1967
جابر عصفور
من يذكر تلك الأيام:
كان ذلك مساء الثالث عشر من يونيو 1967.
كنت مجنداً بالقوات المسلحة. وكنت علي «وش تسريح». أقضي أيامي الأخيرة بالجندية. بعد أداء الواجب الوطني حيث كان أداؤه في ذلك الوقت جزءاً من الشرف الشخصي. كنت أستعد للعودة إلي المدينة. حيث كنت أنوي أن أرمي بنفسي في بحار الواقع الثقافي المصري.
وحدتي كانت مستشفي غمرة العسكري للعائلات. ولأنني لم يكن لي بيت في القاهرة - في ذلك الوقت - كنت أعود في المساء لكي أقضي الليل في المعسكر.
عدت في ذلك اليوم لأجد المستشفي الذي تركته بعد الظهر. يخيم عليه الصمت والهدوء، قد تحول لخلية نحل. رأيت الأنوار من بعيد تطل من مكاتب الإدارة التي لا بد وأن تكون مطفأة في ذلك الوقت. مكتب القائد. مكتب رئيس الأركان. مكتب قائد السرية. كلها تسبح في الأضواء.
وفي مكان الحملة، وقفت جميع السيارات العسكرية والملاكي. ساعتها تنبهت إلي أنني عندما كنت أمشي في الشوارع سمعت أغنية «وطني وصباي وأحلامي» لعبد الوهاب. وهي من الأغنيات التي لم تعتد الأذن علي سماعها سوي في المناسبات الوطنية.
نبوءة ميرامار:
في المستشفي عرفت أن حالة الطوارئ قد أعلنت. وأن الشدَّة مائة في المائة. ولا يعرف سوي الله ما يمكن أن يحدث بعد هذا. جلست. عشت من جديد. الأمسية التي كنت عائداً منها لتوي من مقهي ريش في منتصف المدينة. حيث كنا نتكلم عن رواية: ثرثرة علي النيل لنجيب محفوظ. وخاصة تلك النبوءة الموجودة فيها عن كارثة كبري في الطريق إلي مصر.
شاركت في النقاش. ولكنني خلال العودة. رحت أتساءل عن حكاية موقف نجيب محفوظ المعادي لتجربة يوليو. مع أنه قال لي أكثر من مرة أنه ينتقد النظام من تحت مظلته ويطالب ببقائه مع تخلصه من سلبياته. فهو مثلاً لا يحلم بعودة الملك إلي الحكم. ولكنه يحلم فقط بالديمقراطية.
الباقي كلنا نعرفه. وصلنا إلي السماء السابعة مع صوت أحمد سعيد الهادر في الأجواء ونزلنا مع بيان التنحي إلي سابع أرض. ولم تستعد الشخصية المصرية توازنها سوي مع مظاهرات 9، 10 يونيو. تسلل إلي الوجدان تعبير: الهزيمة. ثم تعدل إلي النكسة. ومشيت في شوارع القاهرة التي تعوم في الظلام ليلاً والصمت نهاراً. ورأيت السيارات التي طليت أنوارها باللون الأزرق. ونوافذ البيوت التي يطل منها ضوء أزرق. وما أن تشتعل سيجارة حتي تسمع من ينادي: طفوا النور. طفوا النور.
وهكذا وجدنا أنفسنا في قلب الحدث الذي سمي: الخامس من يونيو. وفي الشام سمي: الخامس من حزيران.
بالحروب تؤرخ لهذه المنطقة من العالم. وفي أماكن أخري يؤرخون بالثورات والتطورات الاجتماعية والاكتشافات العلمية. يؤرخون عندنا بحرب 48 و67 وغزو العراق للكويت. وغزو أمريكا للعراق. حروب تلد حروباً. حروب امتد تأثيرها إلي ما هو أبعد منها. حروب أسالت من الحبر علي الورق أكثر من الدماء التي سالت في ميادين القتال. ولكن في ميدان الكتابة الإبداعية الأدبية. فإن الحرب الوسطي. حرب 67 وحدها هي التي حفرت أخدوداً عميقاً وأنتجت أدباً كاملاً يمكن القول عنه أنه أدب الهزيمة.
بعد الخامس من يونيو رأيت انهيار الأحلام. حلمي وأحلام الآخرين.
بدأت أشعر أنني كنت أسكن بيتاً آيلاً للسقوط. قبل 67 كنت أنظر إلي أهل يوليو كما لو كانوا أبطال الملاحم الشعبية. كان عبد الناصر مثل أبو زيد الهلالي سلامة والزناتي خليفة. وحوله مساعدو البطل. فيهم مس من بطولته.
بعد يونيو:
بعد يونيو أصبحوا بشراً. يُخطئون ويصيبون. ثم بدأ عبد الناصر يخوض معارك الجزر الأخيرة. التي لا بد وأن تأتي بعد المد العالي الذي قام به. وتسجل الذاكرة أضواء هذه المعارك. حرب الاستنزاف التي تعد حرباً عربية إسرائيلية لها جميع مقومات الحروب. والتي ظلمت بعد ذلك بدون حدود. وضع خطة العبور كاملة «جرانيت 200». وهي الخطة التي نفذت في 1973 إعادة بناء القوات المسلحة. بيان 30 مارس. الذي أرسي بالكامل أسس التحول الديمقراطي. وكان ظهوره العلني مرتين في جنازة الشهيد عبد المنعم رياض. مرة في ميدان التحرير وسط الملايين وأخري في مقدمة سرادق العزاء في ميدان عمر مكرم. كان هذا الظهور هو رؤية الوداع الأخير لمصر.
أنظر دائماً إلي يوم الخامس من يونيو باعتباره اليوم الذي بدأ منذ 43 عاماً ومازال مستمراً حتي هذه اللحظة لأن النبت الذي غرس ما زال ينمو حتي الآن. كان هذا اليوم هو المنبع. ونحن نقف عند المصب. من هذا اليوم بدأ تراجع دور الدولة. أصابها الوهن وتراخت قبضتها. وكان من المتوقع أن تزحف الجماهير. أن تحتل كل مساحة يتم إخلاؤها من قبل السلطة التي كانت هنا. هذا ما تقوله كتب الأقدمين وتفرضه نظريات التطور الاجتماعي. إلا عندنا. لأن السلفيين هم الذين احتلوا تلك المسافة التي تتسع يوماً بعد يوم. بين تراجع الدولة. ووقوف الجماهير محلك سر.
قالوا في البداية إن ما جري قد وقع لأننا ابتعدنا عن الله. ولا بد من العودة إلي رحابه مرة أخري. كانت موسكو عاصمة الحلم الاشتراكي. الذي ترجم عندنا إلي كلمة شيوعية. وفي وجداننا فإن الكلمة تعني: الإلحاد وشباب مصر العائد من سيناء كانت بيده أسلحة سوفييتية.
بدأ الأمر يومها بالثقافة. كانت هناك حالة من العودة إلي التراث شعر عربي قديم في كل مكان. يتحدث عن العزة الغابرة. لكن الطابور الذي جاء بعد الشعر كان طويلاً. أدب الأخرويات. عذاب القبر ونعيمه. إلي آخر هذه القائمة الطويلة. وهكذا تم وضع اللبنة الأولي لقوي السلف. الذين أصبحوا بعد ذلك وكأنهم طلقات خرجت من العصور الوسطي لكي تستقر في أعماق أيامنا. الغريب أنهم الاتجاه الوحيد في ساحة العمل العام. الذين يفعلون في حين تركوا مهمة العوم في بحار الكلمات للآخرين.
العبور من يوم ليوم :
أتوقف أمام تجربتي الخاصة إزاء هذا الحدث الضخم. في مايو 67. كنت في الخنادق وفي الطريق إلي رمضان كنت هناك. وفي السادس من أكتوبر كنت واحداً من أبناء القوات المسلحة. ومع ذلك فعندما أفتش بداخلي عن الإحسان فأكتشف أن إحساس الهزيمة ما زال في أعماقي بل وتحول إلي مساحة من الهوان المباح.
يقظة أكتوبر دفعت إلي القلب بهواء عذب طري وبكر وغير عادي. ولكن الهم القديم باق هناك. أسأل نفسي لِمَ؟! هل لأننا حضارة. أعظم أمجادها - وهي الأهرامات - عبارة عن قبور؟ هل لأننا نحتفل بالعظماء عندما تحل ذكري رحيلهم عن عالمنا. وليس بذكري ميلادهم. مع أن الميلاد مشروع للحياة والرحيل نهاية. هل لأننا خاصمنا الفرح. وعندما يضحك الواحد منا يتوقف في منتصف الضحكة ليقول: اللهم اجعله خيراً. هل السبب أننا الجيل الذي خرج من معطف الهزيمة. كان يونيو هو الحدث الكبير الذي كتبنا أولي كتاباتنا في ظله. ولولا يونيو ما كتب هذا الأدب أصلاً.
أتابع - من خلال الإذاعة - احتفالات العدو الذي لا يزال عدواً بذكري انتصاره. يسمي هذا الانتصار تحرير وتوحيد القدس. القدس فقط. طبعاً مفهوم لا يريد الاقتراب من الضفة وغزة. لأن الانتفاضة البطلة تثبت كل يوم وهم الاحتلال وعثية البقاء هناك. ربع قرن من الاحتلال. ومازال الرفض أقوي ما هنالك. لذلك فالحديث فقط عن توحيد القدس.
في يوم الاحتفال نفسه. غارات عسكرية علي جنوب لبنان. من قال: إن هذا الأمر بعيد عن ذاك. عشر سنوات علي الاحتلال. لولا يونيو ما كان كل ما يجري حولنا في كل مكان من أمتنا العربية. وهذا يؤكد معني ودلالة المؤامرة والهدف من ورائها.
التفت حولي. أتابع ما يكتب عن يونيو الذي كان منذ 43 عاماً مضت. كثير من الكلام يقال. ولكنه كلام ناقص. من يتابعه من الذين لم يعيشوا هذه الأيام لن يعرف من كان العدو. كل حرب في العالم فيها معتدي ومعتدي عليه. وفي هذه الحالة لن يعرف أحد من الذي أطلق الطلقة الأولي. من الذي جاء بالعدوان إلينا.
كما أن هناك حروب عدوان. هناك حروب دفاع. وكما أن هناك حروباً ظالمة فهناك حروباً عادلة. ليست كل الحروب سواء وأي كلام عن يونيو 67 لا يمكن أن يبدأ سوي من المؤامرة. سواء أكانت خطة دفع الديك الرومي إلي الفخ واصطياده. كانت هناك مؤامرة.
اقترن في هذا التجاهل للدور الإسرائيلي. كأن هناك قراراً صادراً بذلك إلي جميع الأطراف. حتي إن كان العدو الإسرائيلي قد أصبح حليف الجميع الآن. ما المانع من الحديث عن عدوان الأمس.
معظم الكتبة في زماننا العجيب. بحثوا عن كبش فداء. لا أقول أنه كبش جديد. ولكنه قديم. المشكلة أنهم لم يشبعوا بعد من شرب دمائه. منذ 43 عاماً. والعرض مستمر والستار مرفوع بدون لحظة ملل واحدة.
كبش الفداء هو عبد الناصر. والذين يحملونه مسئولية ما جري. وهو نفسه اعترف بشجاعة بهذه المسئولية. ولا جديد في النباح الجماعي سوي في الشماتة الجديدة. وهذه الشماتة تعود إلي أن كل ما كافح عبد الناصف من أجله يضيع ويتلاشي هذه الأيام.
بالمناسبة نحن :
العالم الآخر المعادي هو الأساس الآن. وتعالوا نلقي نظرة علي ما هو لدينا.
داخلياً كان حلم التنمية الشاملة له اليد العليا. كنا نغني ونقول: إن من لا يصنع سلاحه ويزرع غذاءه لا يستحق أن يعيش. وكانت القاهرة هي القابلة التي ولدت علي يديها جميع حركات التحرير الوطني في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. كنا نقول: إن الاعتماد علي النفس هو خير معلن عن معانيها. وكنا ننتظر بعداء إلي جميع منظمات الغرب التي كنا نعرف أن الهدف من ورائها هو إعادة صياغة الدنيا بكل ما فيها. وذلك ابتداء من صندوق النقد الدولي. وانتهاء عند جميع المنظمات الأخري.
الآن: فإن الصندوق أصبح له اسم آخر. صندوق كن فيكون. كنا نتحدث عن الحياد الإيجابي وعدم الانحياز والعالم الثالث والشمال الغني والجنوب الفقير والعلاقة بينهما. والآن أصبحت جميع هذه المتغيرات وتلك التعبيرات لا مكان لها سوي في كتب التاريخ تلك التي نقرأها في أوقات الفراغ.
كنا نكافح من أجل وحدة العرب. لم نكن نقول سوي كلمة: الوطن العربي وأي دولة أخري يقال عنها القطر الفلاني. وكان حلم الوحدة حلماً مشروعاً. فلا توجد وحدة في التاريخ توافرت لها عناصر الوحدة العربية التي لم تتحقق. وها نحن الآن أبعد ما نكون عن هذه الوحدة الممكنة. والتي حولناها إلي وحدة مستحيلة.
كانت فلسطين قضية كل العرب. وكانت الثورة الفلسطينية أنبل ظاهرة في القرن العشرين كله. 43 عاماً بعد العدوان الرئيسي وها هم العرب يجرون وراء كامب ديفيد العربية. لم يحصلوا علي شيء في الثنائية. ولكنهم قفزوا علي الواقع جرياً وراء المتعددة. والجميع يقف علي أبواب القبول بالحد الأدني.
أمر واحد اختفي من الكتابات عن يونيو. وهو الدور السوفييتي والسلاح السوفييتي في هذه الحرب. وسبب غياب هذه الكتابات أن الاتحاد السوفييتي لم يعد له وجود. وبالتالي فقد شطب الهجوم عليه. من الذين يخططون للحملات الإعلانية.
أتعجب. أن عبد الناصر قد مات قبل الاتحاد السوفييتي بسنوات طويلة. ومع هذا ما زال عبد الناصر طرفاً أصيلاً في جميع معارك الواقع. الهجوم عليه يتم بمناسبة وبدون مناسبة. وها هو يونيو بعد 43 عاماً. يتحول إلي سرادقات ليست للعزاء ولكن للتشفي.
جابر عصفور:
اتصل بي الدكتور جابر عصفور صباح الأربعاء الماضي، كنت في طريقي إلي إحدي دور سينما مدينة نصر لمشاهدة فيلم: موعد غرامي. وطلع الفيلم مقلباً. وخرجت من السينما وأنا سعيد لأن الخواجات يقومون أيضاً بعمل أفلام مقاولات مثلنا تماماً. «وما حدش أحسن من حد». قال لي الدكتور جابر عصفور أن ما نشرته الأسبوع الماضي عن جائزة القذافي غير صحيح. فالجائزة لا تمنح لكتاب. لكنها تمنح لمجمل أعمال الكاتب. ثم تشترط علي الكاتب الفائز أن يقدم لها كتاباً لم يسبق نشره لكي تنشره أمانة الجائزة باللغة العربية لأول مرة ثم تترجمه إلي لغات العالم. أما بالنسبة لطلبي نشر الكتاب في سلسلة مكتبة نجيب محفوظ التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. قال لي جابر عصفور علي الرحب والسعة بشرط أن تنشر هذا التصحيح. لأنني سبق أن قلته في أكثر من حديث صحفي ولم ينشر بشكل دقيق.
مساءً كنت أقرأ في العدد الجديد من مجلة العربي. عدد يونيو 2010، وقرأت فيه الباب الذي يحرره جابر عصفور بعنوان: أوراق أدبية. ومقاله: وعي الهزيمة. كتب فيه جابر ما يلي:
- هكذا، انتبهنا إلي الديكتاتورية العسكرية التي أعدمت العاملين خميس والبكري اللذين دعما إضراباً نظمه عمال مصنع كفر الدوار للنسيج، طلباً لتحسين أوضاعهم، فحكمت عليهم محكمة عسكرية بالإعدام الذي تم التصديق عليه وتنفيذه باسم الثورة التي زعمت أنها صوت المظلومين من العمال والفلاحين سنة 1952، وتذكرنا محكمة الثورة التي حاكمت رجال العهد البائد، وخلطت بين الأبرياء والمذنبين، وكذلك ما حدث سنة 1954 عندما قام مجلس قيادة الثورة بالتصديق علي فصل أكثر من خمسين أستاذاً من الجامعات المصرية لأنهم عارضوا الديكتاتورية العسكرية، وطالبوا بجمهورية ديمقراطية. وكان من هؤلاء محمود أمين العالم، وعبد العظيم أنيس، ولويس عوض، وعبد المنعم الشرقاوي، وفوزي منصور، وعشرات غيرهم، ولم ندهش عندما سمعنا أن عبد الناصر نفسه تحدث عن الانحرافات في جهاز المخابرات، حين قال في افتتاح دورة الانعقاد الخامس لمجلس الأمة، إنه كان يري بعض مظاهر الانحرافات قبل يونيو، لكنه لم يكن يتصور مداها، وحاول مواجهتها بكل ما يستطيع، ونجح أحياناً، ولم ير الحقيقة كلها في أحيان أخري. وكنا نقول لأنفسنا هذا الكلام الذي يدعو إلي التعاطف، لكنه لا يعفي قائله من المسئولية، فلو منح الرئيس الحرية للناس لعرف ما لم يكن يعرف، وتجنبنا الوقوع في الكارثة، والحق أن مشاعري إزاء عبد الناصر أخذت في الارتباك بعد هزيمة 1967، فصرت أحبه، موضوعياً لما حققه من إنجازات لم يحققها سواه، ولأنه عمل المستحيل، بالرغم من مرارة النكسة وحقق في أشهر ما لا يمكن إنجازه إلا في سنوات، عسكرياً واقتصادياً وسياسياً. ويكفيني أنه ظل يردد أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وشخصياً لأنه لولاه ما دخت الجامعة، ولا تعلمت وتفوقت وتعينت معيداً فيها.
ورغم محاولات جابر اللجوء للتحليل الموضوعي. فإنني أري في المقال تحاملاً علي عبد الناصر لم أعرفه من قبل في جابر عصفور.
إليها يا أنا حلو كداب:
قالت لي:
- هل تعرف أنكم معظم الرجال - ولا أقول كلكم - تعجبون بالمرأة الكاذبة. وتنفرون من المرأة الصادقة الصريحة.
ثم شرحت فكرتها..
- حتي عندما يعلن الرجل أن ما يقال له كذب قد يفرح به ويتقبله ويعتبره دليل حب. مع أن هذا الكذب قد ينسف وجود الحب من أساسه.
استطردت:
- هذا علي الرغم من كل ما تقولونه - دائماً وأبداً - عن قيمة الصدق. وترديد كل الأمثال التي تتحدث عن الصدق. لكن عندما يجد الرجل نفسه أمام المرأة الكاذبة. خصوصاً لو أن أكاذيبها لاقت هوي في نفسه. فهو قد يقول في هذه الحالة. أنها أكاذيب بيضاء. فهل معني ذلك أن في الصدق أيضاً ألوان؟ هل يبحث الرجل عن الصدق الأبيض؟ وهل يرفض الصدق الأسود؟ وبنفس الطريقة هل يمكن أن يكون هناك كذب أسود؟
قلت لها:
- إن المرأة أيضاً يمكن أن تستريح لأكاذيب الرجال. وتحبها. رغم إدراكها في بعض الأحيان إلي أن ما يقال لها لا يخرج عن كونه سلسلة من الأكاديب.
اعترفت لها أنني عرفت من النساء من كانت تتصور أن الرجل الكاذب يمكن أن يكون خفيف الظل وأن الرجل الصادق. قد لا تستطيع المرأة احتمال ثقل ظله.
أمنت علي كلامي، قلت: ألم يغن مطرب يوليو العظيم عبد الحليم حافظ:
- حلو وكداب.
لم أقرأ علي مسامعها ما هو مدون في كتب التراث:
- نظر عمران ابن حطان إلي امرأته وكانت من أجمل النساء. وكان هو من أقبح الرجال. فقال:
- إني وإياك في الجنة إن شاء الله.
قالت له:
- كيف ذلك؟
قال:
- إني أعطيت مثلك فشكرت.
وأعطيت مثلي فصبرت.
د. عبد الحميد صالح حمدان
كتبت الأسبوع الماضي عن أوراق جمال حمدان الخاصة ونشرها في كتاب. لم يرد علي من العائلة سوي الدكتور عبد الحميد صالح حمدان. كان حريصاً صباح الأربعاء الماضي علي إرسال رد من جينيف التي يعيش فيها. وهذا تقدير منه. أشكره عليه. ولا ألوم الأخوة الآخرين الذين يعيشون في القاهرة.
هذا رده أولاً:
د/ عبد الحميد حمدان
الخبير الاستشاري لدي المنظمات الدولية - سابقاً
جنيف: 27/ مايو/ 2010م
رداً علي مقال أ/ يوسف القعيد عن د/ جمال حمدان ومذكراته الخاصة.
الأستاذ الفاضل
جريدة الدستور الغراء
لقد اطلعت علي مقالكم شديد اللهجة الذي يعتبر بمثابة توجيه اللوم لي علي قيامي بنشر بقية المذكرات الخاصة بشقيقي د/ جمال حمدان، رغم أنها تضم آراء وأفكراً ناضجة ورفيعة المستوي.
وأود في البداية أن أبلغكم أنني لا أشاطر الرأي في هذه المذكرات، فهذه مذكرات عالم جليل توفاه الله منذ سبعة عشر عاماً، وهي قابلة للنقاش والتحليل. كما لا أخفي عليكم أنني كنت ومازلت أكن فائق الإعزاز بل والمحبة للرئيس الراحل السادات، والذي التقيته شخصياً علي مائدة غداء في مدينة (كلكتا) بالهند (حيث كنت أعمل بالقنصلية المصرية هناك). وذلك في أوائل الخمسينيات عن القرن الماضي (وكان نائباً للرئيس، وفي طريقة للتحضير لمؤتمر دول عدم الانحياز في جاكرتا).
وأنت تعلم أكثر من الآخرين آراء وأفكار د/ جمال حمدان، (فقد كنت من المقربين إلي د/ جمال، ومن المترددين عليه)، وهو ما ذكرته في كتابي عن المرحوم د/ جمال (صاحب شخصية مصر، وملامح من عبقرية الزمان) (ص99).
وعلي كل حال، فإنني لا أكسب أو أتكسب لا مادياً ولا أدبياً من وراء نشر هذه الكتب، ولكنني أقوم بواجبي فقط حيال هذا العالم الجليل الذي أمضي حياته في خِضَمّ العلم والعمل!
وإنني لسعيد بنشر هذه المذكرات التي أثارت ردود أفعال متباينة في جميع الأوساط، وهو ما نحتاج إليه من وقت لآخر لإيقاظ الهمم وتنشيطها.
وأخيرا، أود أن أقول لكم: (إن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية).
رحم الله شقيقي جمال رحمة واسعة، وأمد الله في عمركم لمواصلة مسيرتكم الأدبية.
د/ عبد الحميد صالح حمدان
وتعليقي علي رده:
(1) أنني لم أكن غاضباً ولا متحاملاً. ومفروض علي عبد الحميد وباقي الأشقاء وخاصة اللواء عبد العظيم أن يشكرني علي ما كتبته لأن هدفي - الوحيد - هو الغيرة علي اسم جمال حمدان وتراث جمال حمدان.
(2) أن الدكتور عبد الحميد لم يرد علي ما كتبته بخصوص ملابسات مقتل أو وفاة جمال حمدان. خاصة أن جريدة الرأي الكويتية نشرت تصريحاً منسوباً لأمين هويدي رئيس المخابرات المصرية الأسبق ووزير الدفاع الأسبق. يتهم الموساد باغتيال حمدان.
(3) لم يرد علي ما كتبته بخصوص مؤلفات جمال حمدان وإعادة طبعها. وكذلك جمع مقالاته المتناثرة في الصحف والمجلات.
(4) لم يرد علي ما جاء في مقالي حول الفصول المحذوفة من كتبه. خصوصاً كتاب شخصية مصر.
(5) تجاهل ما جاء حول شقة جمال حمدان ومصيرها.
(6) استغربت ما كتبه عبد الحميد حول حبه للرئيس أنور السادات وأنا لم أتعرض للسادات من قريب أو بعيد. وكل إنسان حر في أن يحب من يشاء وألا يحب من يريد.
(7) متي يخرج عبد العظيم حمدان عن صمته؟ ومتي تتكلم فوزية حمدان. التي كانت بمثابة الخندق العاطفي لجمال حمدان؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.