عندما صمم برنامج إصلاح القطاع الصحي المصري، في تسعينات القرم الماضي (1997، كان يهدف إلي مواجهة التحديات الصحية التي تحتل مقدمة الاهتمامات لحرجة، التي تمس صحة المواطنين وسلامتهم وحقهم في الحياة، بإنصاف ومساواة وعلي قائمة هذه الاهتمامات: الأعباء المرضية الخطيرة للفيروسات الكبدية (س،ب،أ) التي أكدت الدراسات أن مضاعفاتها تسبب 13.7% من أسباب الوفيات في البلاد (تشمع وتليف وسرطانات وفشل كبدي) تذكرت حينئذ قصة قصيرة للكتاب الروسي "أنطون تشيكوف" بعنوان: (عنبر رقم 6) عن المستشفيات في روسيا، في القرن التاس والأهم من كل ذلك ضعف النظام الصحي وهشاشة زدائه، ما جعله المرض الأول في مصر، وعالمياً في نسب العدوي الصريحة والكامنة منه (10% عدوي صريحة ،12% عدوي كامنة) كما أنه مرض صامت قد يمتد لسنوات طوال دون أن ينبه صاحبه أنه يحمله! شعرت بالحزن لهذا العبء المرضي الخطير الذي يجب أن يكون دور الدولة فيه أساسياً وحاسماً، في الوقاية والعلاج وفي توفير المعلومات، وقاعدة البيانات الدقيقة عن مدي وحجم انتشاره وتأثيره الاقتصادي والصحي وفي تفعيل برامج قوية لمكافحة العدوي ضده في المجتمع، وفي المستشفيات، في إطار الخطة القومية لإصلاح المنظومة الصحية ككل، وفي إطار البرنامج القومي لمكافحة الفيروسات الكبدية من خلال آليات، ورسالة صحية واقعية يتم فيها مشاركة المجتمع المدني ومنظمات ،توزع فيه الأدوار حسب الوزن النسبي للأطراف المختلفة في المجتمع. إن المعدلات لكارثية لهذا المرض الصامت هي حوالي 15 مليون مصاب (7 % من العبء العالمي له في مصر)، وهذا مايجب أن يدفعنا لوضعه علي قمة الاهتمامات من الدولة صحيا في محاور الوقاية لمنع الإصابة، ومحاور العلاج كحق شامل ومعياري بتوفير الدواء وإتاحته في كل منطقة من الوطن بلا تمييز، وبنفس الجودة، وفي محاور المشاركة المجتمعية بتفعيل دور منظمات المجتمع في وضع السياسات ومراقبة تنفيذها والتخلص من تبني النظرة البالية في الأجهزة البيروقراطية التي تحمل المواطن دائماً مسئولية العدوي به وتتجاهل تماماً دورها الأهم في مقاومة العدوي، بتوفير الدواء ووضع السياسات الفعالة، وفي مقاومة دور الاحتكار الدوائية عالمياً والتكنولوجيا المتمثلة في صناع وتجار الأجهزة وفي مثل الاحتكار التي تلعب دوراً سلبياً في الاستفادة والربح من انتشر المرض. إن العلاج السليم في مواجهة الفيروسات الكبدية هو جزء محوري في خطة وسياسات الوقاية الشاملة، والعلاج حق لكل مواطن في الدواء اللازم ما يحتم توفيره وتوفير الموارد والخبرات الكافية لصناعته محلياً وعدم الخضوع لإرادة الاحتكارات الدوائية العالمية، استلهاماً لما صنعته الدول الأخري التي تعاني من وبائيات مماثلة كالهند وجنوب إفريقيا! بصناعة دوائها ذاتيا بإرادة سياسية وخطط واعية ومبدعة. إن هذه الفيروسات إذا كانت تسمي مرض الفقراء في بعض الأحيان، فإنه يجب وضع سياسات اقتصادية واجتمعية وصحية تنحاز إلي الفقراء والفئات الأكثر عرضة للعدوي بها، كما أن غياب الأطر التشريعية والقانونية التي تدعم حقوق المرضي، والمساءلة الطبية، والحماية الصحية للمواطنين عبر تغطية صحية شاملة لكل مواطن، دون تمييز، وبغض النظر عن قدرته علي دفع تكاليف الخدمة، تحتم علي الدولة السعي كحق لوضع هذه التشريعات المهمة وجعلها موضع تنفيذ تدريجياً، والنص عليها صراحة في دستور البلاد الجديد، هذا إذا أردنا التحرك في الاتحاه السليم نحو القضاء والتخلص من كارثة صحية تسمي الفيروسات الكبدية وتجفيف منابعها. د.علاء غنام - مسؤل برنامج الحق في الصحة رابط دائم :