تحاصرنا من كل الاتجاهات، وتخدش عيوننا أينما ولينا وجوهنا. فوضي الإعلانات العشوائية غير المدفوعة التي تلطخ الأسوار والحوائط وأعمدة الكباري وأتوبيسات النقل العام من الداخل والخارج، ولا تجد قانوناً يمنعها، ولا أجهزة تنفيذية تعاقب من يفرضوها علينا بالإكراه. يزيد من حجم التشويه الإجباري محاولات فاشلة لانتزاع هذه الملصقات من دون جدوى بسبب كمية الغراء السخية المستخدمة في لصقها علي زجاج السيارات والاتوبيسات، مما يعوق الرؤية ويضاعف من قذارة المنظر، ويثبت القبح لفترات طويلة قد تستمر لسنوات. فبين من يلصقون صوراً لمتغيبين، ومن يعلنون عن شقق مفروشة للإيجار، ومن يبيعون الوهم، ومن يؤهلك للالتحاق بالكليات العسكرية، ومدارس تعليم السباحة، ومراكز صيانة الغسالات والثلاجات وأجهزة الكمبيوتر وغيرها، يحتار المواطن أين يوجه ناظريه! ماذنب المواطن في تنغيص عيشته، وإيذائه بهذه الصورة؟ إنهم مواطنون آخرون لا يكترثون لأحد ولا يعرفون معني الجمال، ولا يحبون الوطن. تفاقمت المشكلة بالتعليقات والشعارات السياسية التي جدت علينا لتملأ الفراغات بين الملصقات أو تطمسها بعبوات الاسبراي الملونة، وتضيف لمنظومة القبح قبحاً أخلاقياً بعبارات خادشة للحياء العام، ودعوات للقتل، وتحريض علي الاشتباك، والسخرية من الفصيل الآخر. القبح أصبح سمة غالبة، اعتدناه ولم نعد ننتبه لوجوده، وانعكس علي سلوكياتنا فبات المارة في الشوارع يتبادلون السباب بأحط الألفاظ وأبشع الأصوات، ومقاومته فترت تماماً لدي أغلب المصريين، وانتقلت العدوي للفن السابع حيث لم يعد ينتج إلا أفلاماً تشيع ثقافة العنف، وتنشر قيم الرذيلة، بمشاهد إباحية وحوارات شديدة الإسفاف. لا ندري من أين نبدأ العلاج، من المدارس؟ أم من وسائل الإعلام التي تحولت إلي جامعة منزلية لتلقين المشاهدين مبادئ قلة الذوق والحياء؟ أم من المساجد والكنائس؟ التشويه طال النفوس من داخلها فدفعها إلي تشويه ما حولها، ومنحها القدرة علي التعايش مع الفوضى والعشوائية والفساد حتى طفحت علي سطح المجتمع في صورة بشعة. علينا أن نبدأ رحلة الإصلاح من الآن وبسرعة قبل أن ننسي قيم الحق والخير والجمال إلي الأبد، وحتى لا يأتي علينا يوم ندمن فيه القبح، ووقتها سنصمت أمام أي شخص يضع هذه الملصقات فوق عقولنا وعلي أقفيتنا ويسد بها أفواهنا ويمنعنا من الرؤية نهائياً. مازال هناك أمل. متي توفرت لنا الرغبة الحقيقية في المقاومة. رابط دائم :