اتفق دبلوماسيون وخبراء مصريون وفرنسيون علي أن خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما للعالم الإسلامي الذي مر عليه عام تعلقت به الآمال, إلا أنها سريعا ما تحطمت علي أرض الواقع المعقد في منطقة الشرق الأوسط, إلي جانب اصطدامه باللوبي اليهودي والمؤسسات الأمريكية, مؤكدين أن الإدارة الأمريكية كثيرا ما تترنح أمام التعنت الإسرائيلي, وهو الأمر الذي أفقد العالمين العربي والإسلامي الثقة في وعود أوباما, وأشارا إلي أن القضية الفلسطينية تعد مفتاح الاستقرار في الشرق الأوسط, بل إنها نقطة الانطلاق للكثير من جاء ذلك خلال اللقاء المصري الفرنسي الثاني حول الشرق الأوسط.. عام بعد خطاب أوباما الذي عقد بالقاهرة أمس بالتعاون بين مركز تاريخ الأهرام, ومركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والقانونية والاجتماعية السيداج ومعهد العلاقات الدولية والاستراتيجية بباريس الذي شاركت فيه نخبة من الدبلوماسيين والأساتذة والخبراء من الجانبين المصري والفرنسي. من جانبه قال السفير علي ماهر مستشار رئيس مكتبة الإسكندرية, وسفير مصر السابق في فرنسا إن هذا اللقاء المصري الفرنسي يأتي في إطار التعاون الوثيق بين البلدين, وهو يحدد خطط العمل المستقبلية حول قضايا الشرق الأوسط. وأشار ماهر إلي أن خطاب أوباما كان علامة فارقة في السياسة الأمريكية إزاء العالم الإسلامي, خاصة أنه أكد أنه جاء من أجل المزيد من السلام مع العالم الإسلامي, إلا أنه بعد عام من الخطاب تراجعت الآمال واتضح أن الخطاب لا يمكنه أن يمحو سنوات من الصراع وانتفاء الثقة بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامي, خاصة أنه يتزامن مع تصاعد التعنت الإسرائيلي, واستمرار الحصار علي الفلسطينيين, والاستمرار في الاستيطان بالضفة الغربيةوالقدس المحتلين. ومن جانبه أعرب السفير جون فيليكس سفير فرنسا في مصر عن أمله في أن تؤتي جهود السيداج الفرنسي ثمارها فيما يتعلق باللقاء المثمر مع المفكرين والباحثين المصريين. وأشار السفير الفرنسي إلي أن خطاب أوباما أوجد مناخا من الارتياح في العالمين العربي والإسلامي, حيث ذكر اسمه باراك حسين أوباما في إشارة إلي ارتباطه بهذا العالم, كما تعلقت به آمال حل الصراع العربي الإسرائيلي, إلي جانب تفرقة الرئيس أوباما بين السلام والعنف, وهو أمر بالغ الأهمية لدعم أواصر الثقة مع العالم الإسلامي. وأضاف أن الأمور للأسف لم تتسم بالإيجابية, وهو ما أثار العديد من التساؤلات حول ما يخفيه الخطاب, وما لم يحققه من نتائج حتي الآن, خاصة علي صعيد السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ومن جانبه قال نبيل عبدالفتاح مدير مركز الأهرام للدراسات الاجتماعية( مركز تاريخ الأهرام) إن العلاقات المصرية الفرنسية فيها من المصالح المشتركة الكثير. وأشار إلي أن خطاب أوباما تجاه العالم الإسلامي لاقي ترحيبا كبيرا لاعتبارات عديدة من بينها اللغة الناعمة التي تحدث بها والتي تضمنت لسعي لإيجاد تهدئة وحلول لمشكلات اتسمت بالاستمرارية التاريخية, وعلي رأسها الصراع العربي الإسرائيلي. وقال عبدالفتاح: إنه بعد عام من خطاب أوباما تراجع الأمل بسبب السياسة الأوبامية التي تتركز علي القضايا الداخلية مثل الرعاية الصحية والهجرة, ومحاولة الحفاظ علي الأغلبية في الكونجرس قبل انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر المقبل, إلي جانب محاولة إعادة الاعتبار للقوة الأمريكية. ويتمثل التعثر الأمريكي في الشرق الأوسط, كما يرصده عبدالفتاح, في إخفاق الإدارة الأمريكية في إطلاق مفاوضات جديدة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين, وإحداث تأثير علي الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتشددة, إلي جانب تراجعها عن العديد من الوعود لإنهاء حالة الفوضي في العراق والسودان, والتراجع عن إطلاق سراح معتقلي جوانتانامو, وعدم القدرة علي وقف الاسيتطان في القدس علي وجه التحديد. ومن جانبه قال كريستيان شيسنو الصحفي الفرنسي في إذاعة فرانس إنتر: إن أوباما أخطأ في ملف ثقيل, وهو ملف السلام الفلسطيني الإسرائيلي حيث أمر بإخلاء المستوطنات, ثم تراجع عن هذا الطلب أمام التعنت الإسرائيلي, وهو ما أعطي انطباع أمام الرأي العام العالمي أن الأمريكيين يتعثرون أمام إسرائيل. وأشار إلي أن أمريكا مختلفة في عهد أوباما حيث لم تعد لها القوة السابقة, خاصة مع ظهور قوي أخري سمح بظهورها الأزمة المالية الطاحنة التي تمر بها أمريكا والعالم, مشيرا إلي أن البرازيل تمكنت من إبرام اتفاق مع إيران حول تبادل اليورانيوم, وهو ما جعلها منافسا قويا للدبلوماسية الأمريكية في المنطقة. وأوضح شيسنو أن الإدارة الأمريكية تبدو الآن متعثرة أمام منطقة الشرق الأوسط نظرا للتعقيدات الكثيرة التي طرأت عليها, والدليل علي ذلك أن العالم بدأ الآن يرفض الحصار الإسرائيلي المفروض علي غزة, علي الرغم من أنه مستمر منذ ثلاث سنوات تقريبا, إلي جانب اكتشاف الدبلوماسية الأمريكية التقليدية صعوبة إحلال السلام بين التيارات المختلفة في الشرق الأوسط مثل فتح وحماس وحزب الله وإسرائيل من جانب آخر. ومن جانبه يري د. مصطفي اللباد مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الإقليمية والاستراتيجية والمتخصص في القضايا التركية والإيرانية أن الشرق الأوسط بعد عام من مجيء أوباما لم يتغير, وأن الإرث الكارثي لجورج بوش مازال يفرض نفسه علي المنطقة. وأشار اللباد إلي أن احتلال العراق أنهي النظام الإقليمي العربي, وأظهر نوعا جديدا من الفوضي توافق مع صعود إيراني كبير حيث كانت بغداد الموازن الجيوبلوتيكي لإيران الذي يحجبها عن شرق المتوسط حتي إن الصراع العربي الإسرائيلي تحول إلي صراع إيراني إسرائيلي. وأضاف د. اللباد أن إدارة أوباما أصبحت محكومة الآن بالصراع الإسرائيلي الإيراني, فإسرائيل تضغط لضرب منشآت إيرانية, وإذا لم تستجب واشنطن توسع تل أبيب رقعة المستوطنات, ومن هنا يفسر د. اللباد أسباب عجز إدارة أوباما عن طرح حلول لإرضاء الطرفين. وأشار د. اللباد إلي أن حادث الاعتداء الإسرائيلي علي أسطول الحرية أعاد تشكيل المشهد حيث بدت تركيا عائدة لمعادلة الشرق الأوسط, بينما تتمدد إيران في المنطقة باستخدام ورقة عدم حل المشكلة الفلسطينية لتظل القضية الفلسطينية هي القضية الأساسية للمنطقة, وعنصر جذب للدور الإقليمي للدول. وقال د. اللباد: إنه من مصلحة فرنسا والدول المعتدلة في المنطقة تسوية الصراعات في الشرق الأوسط للحديث عن نظام إقليمي جديد يعالج الفوضي الحالية التي تحتاج إلي تقنين. أما كريستيان لشيفري المدير المساعد بإدارة التحليل والتوقعات بوزارة الشئون الخارجية والأوروبية فقال إن خطاب أوباما لم يتحقق منه أي شيء علي أرض الواقع, حيث لم تتقدم عملية السلام, ومازال هناك بالحرب في أفغانستان دون نتيجة حاسمة, إلي جانب عدم حل مشكلة العراق. وأضاف أنه لا يمكن لأي استراتيجية أن تنتجح في الشرق الأوسط دون إحلال السلام.