في بطن أحد الجبال الشاهقة التي تحيط بالقاهرة من ناحية الجنوب تقع مدينة كرداسة التي تضم أربع وحدات محلية ويسكنها نحو نصف مليون نسمة, حيث تعد كرادسة من أشهر المدن المصرية في صناعة النسيج بكل أشكاله لتتحول المدينة من قرية صغيرة أغلب سكانها من الفقراء إلي موقع بارز علي الخريطة السياحية بجانب الأهرامات وأبوالهولاستيقظ الأهالي صباح يوم الأربعاء الدامي علي حادث بشع لم يقع من قبل في أية مدينة مصرية حيث جري قتل وسحل وتمثيل بجثث ضباط قسم الشرطة في واقعة أدمت القلوب واستنكرها أهالي المدنية بكل طوائفها وانتماءاتها السياسية, إلا أن وجود أعداد كبيرة من الإخوان المسلمين بالمدينة جعل البعض يشير بأصابع الاتهام إلي هذه الجماعة المحظورة بأنها وراء الحادث البشع الذي ارتكبه ملثمون يحملون أسلحة متطورة, في الوقت ذاته روج البعض عن وجود جماعات إرهابية منظمة من جماعة التكفير كانت وراء المذبحة التي استخدموا فيها إحدي المدارس الابتدائية للاختباء بها قبل تنفيذ جريمتهم التي نشرت الخوف والرعب. تحولت كرادسة إلي مدينة مستقلة أو جمهورية منفصلة يتولي تأمينها وحمايتها أعداد كبيرة من الأخوان منعوا دخول أو اقتراب وسائل الإعلام إليها, وكذلك منع قوات الأمن من مداهمة منازل المتورطين في الحادث. ولكن الأهرام المسائي استطاع اختراق هذه السياج وقام بجولة محفوفة بالمخاطر من أجل عرض الحقائق التي يغفلها الكثير. السكون يخيم علي كرداسة ومعظم شوارعها تبدو شبه خالية من المارة, حتي المقاهي التي تعد الملاذ الأول لأهل الريف للترويح عن أنفسهم تشكو ضعف المترددين عليها, في الوقت الذي تظهر فيه مجموعات متفرقة عند مدخل المدينة وكأنها عيون ترصد وتتابع كل ما يحدث لنقله إلي الأشخاص الذين يتحكمون في المدينة حاليا. أول ما يشاهده الوافد إلي كرداسة عند دخوله المدينة قسم الشرطة المحترق المجاور لموقف الميكروباص الرئيسي, ثم مبني رئاسة مجلس المدينة والوحدة الصحية والإدارية التعليمية ومركز الشباب, وفور محاولة التجول في شوارعها تشعر أن الوجوه شاحبة يرتسم عليها علامات الحزن والأسي مما حدث, فضلا عن سيطرة حالة من الاحتقان علي الاهالي و جميع وسائل الإعلام بعد أن اتهمت إحدي القنوات الفضائية بعض رموز المدينة بتورطهم في المذبحة. / الجناة حطموا أقفال مدرسة خالد بن الوليد مستغلين إجازة العاملين والمدرسين أكد محمد زينهم مدير الإدارة التعليمية بكرداسة أنه منح العاملين والمدرسين التابعين للإدارة التعليمية إجازة يومي الأربعاء والخميس الماضيين حرصا علي أوراحهم من تفاقم الأحداث, مشيرا إلي أنه علم أن مدرسة خالد بن الوليد الابتدائية الملاصقة لمبني الإدارة التعليمية من جهة ولمركز الشباب من الجهة الأخري استخدمها الجناة في الاختباء بها قبل تنفيذ جريمتهم البشعة, موضحا انه قام علي الفور بإبلاغ علي الألفي وكيل الوزارة ومدير مديرية التربية والتعليم بمحافظة الجيزة بأن المدرسة أغلقت في تمام الساعة العاشرة صباح يوم الأربعاء ولكننا فوجئنا بكسر في الأقفال الموضعة علي البوابة الخلفية للمدرسة. وقال: إنه من الصعب أن يستخدم الجناة المدرسة لوضع أو تخزين الأسلحة لأنها تقع في حي سكني مكتظ بالسكان ومحصور بين مبني الإدارة ومركز الشباب, مؤكدا انه يمر يوميا علي معظم المدارس بنفسه ومنها مدرسة خالد بن الوليد الابتدائية, لافتا إلي أن الحالة الأمنية في كرداسة مستقرة ولا يوجد ما يعكر صفو الحياة فيها ولكن السموم التي تبثها بعض القنوات الفضائية المغرضة علي غير الحقيقة جعلت بعض المواطنين يعيشون في حالة من الرعب لدرجة أن بعضهم لا يعرف النوم طريقا إلي جفونه, وصوروا ان الإرهاب يعشعش في أرجاء المدينة علي الرغم من ان كرداسة لم تعرف شيئا عن الإرهاب لأنها مدينة ما زالت تتمتع بالطابع الريفي. الدراسة في موعدها وأضاف أن مذبحة قسم الشرطة لا يمكنها أن تؤثر علي بدء السنة الدراسية في21 سبتمبر المقبل كما حددها المجلس الأعلي للتعليم ولذلك تستعد الإدارة بكل طاقتها للانتهاء من جميع الأعمال التي تجري في بعض المدارس مع نهاية الشهر الحالي, مؤكدا أن كرداسة بها نحو213 مدرسة منها30 مدرسة ابتدائية و17 إعدادية وسبعة مدارس ثانوي عام وباقي العدد مدارس خاصة منها مدارس أمريكية وفرنسية علي أعلي مستوي, لافتا إلي أن كثافة الفصول في المرحلة الابتدائية تصل من90 إلي100 تلميذ في الفصل الواحد وفي الإعدادية تصل الكثافة في الفصل الواحد ما بين60 إلي70 طالبا, أما الكثافة في المرحلة الثانوية فتصل من50 إلي60 طالبا في الفصل الواحد. وأوضح انه قام بافتتاح أربع مدارس جديدة لتدخل الخدمة مع بداية السنة الدراسة وهي الهدي للتعليم الأساسي وصفية زغلول وبني مجدول الاعداديتين ودولت موسي الابتدائية. صرخة مواطن المذبحة نفذها بلطجية بتحريض مع الجماعة الإسلامية هكذا بدأ حديثه صابر أنور همام مستنكرا مدرب كرة قدم بمركز شباب كرداسة الحادث الذي استهدف قتل ضباط قسم الشرطة وسحلهم والتمثيل بجثثهم, حيث قال إن الجريمة خطط لها ونفذها مجموعة من الإرهابين من خارج كرداسة بعد أن تمكنوا من دخول مدرسة خالد بن الوليد الابتدائية من الباب الرئيسيي وخرجوا من الباب الخلفي المواجه لقسم الشرطة حاملين الأسلحة وصواريخ آر.بي.جي واندفعوا نحو القسم وقتلوا كل من فيه ثم مثلوا بجثثهم وقاموا بسحلهم لمسافة تزيد علي400 متر علي الطريق العمومي. اضاف ان الجريمة لايمكن ان يقوم بها اي فرد من مدينة وقري كرداسة لأن أهلها أقل ما يصفون به أنهم إرهابيون وبلطجية كما صورت ذلك بعض القنوات الفضائية التي شوهت صورة أهل الريف اصحاب العادات والتقاليد الأصيلة, لافتا إلي أن مدينة كرداسة لم يحدث بها حوادث قتل أو ترويع من قبل وأي مشكلة تنشأ بين أي مجموعات يسارع كبار البلد بحلها في جلسات مصالحة عرفية, مشددا علي ان الإخوان المسلمين خاضوا الانتخابات البرلمانية علي مدار30 عاما ولم ينجح منهم أحد علي الرغم من وجود نسبة لا بأس بها من الإخوان والسلفيين, موضحا أن جميع التيارات السياسية موجودة في المدينة وداخل الأسرة الواحدة, ولذلك لايمكن أن يفرق أحد بين إخواني وسلفي وحزب وطني لأن الجميع أخوة ويعيشون في أمن وسلام. / تورط جماعة الجهاد وأوضح عبد الرحمن السيد تاجر أن أصابع الاتهام تشير إلي تورط جماعة الجهاد الإسلامي التابعة للإخوان المسلمين في ارتكاب الحادث انتقاما من جهاز الشرطة الذي يؤدي دوره لتأمين الأوضاع الداخلية علي أكمل وجه بعد فض اعتصام رابعة العدوية الذي مثل خطرا داهما علي الدولة بعد كمية الأسلحة التي كانت مع من يقال عنهم إنهم متظاهرون مع أنهم بعيدون عن ذلك كل البعد,, مشيرا إلي جماعة الإخوان استعدوا لمواجهة الشرطة من جديد في حالة تفكيرها في اقتحام المدينة للقبض علي المتورطين والمحرضين علي ارتكاب الحادث البشع. وقال: إن الإخوان قاموا بوضع أتلال من الأتربة علي مسافة تبلغ نحو20 مترا علي الطريق العمومي بشكل يشبه الزجزاج للحد من سرعة السيارات مع وضع بعض افرادها علي الطريق كعيون لهم لإبلاغهم في حالة اقتراب الشرطة من المدينة لمهاجمتهم علي الطريق قبل وصولهم إلي كرداسة, مشيرا إلي أن المدينة تبدو خالية من السكان وأصبح لايدخلها أحد بعد أن حولها الإخوان إلي مدينة منفصلة تماما عن محافظة الجيزة في الوقت الذي يسعي فيه البعض لتحويلها إلي جمهورية مستقلة تتولي حكمها بنفسها. أكد مدحت صلاح تاجر أقمشة من إمبابة يأتي كل يوم اثنين لعرض تجارته التي يقام لها السوق بالمدينة مرة كل اسبوع انه يحضر إلي المدينة. في هذا التوقيت منذ سبع سنوات ولم يشاهد خلال تلك الفترة حدوث أعمال عنف أو مشاجرات من أي نوع كما تحدث في الأماكن والمناطق الأخري في المحافظات المختلفة, فضلا عن عدم تعرضه لأي حادث سرقة أو اعتداء من أهل المدينة, مبديا حزنه العميق لما حدث في كرداسة وحملة التشويه المضللة التي تقودها بعض القنوات الفضائية المأجورة التي لاتهتمم بالصالح العام وكل ما تسعي إليه جني أرباح مالية ضخمة علي مصر. وأوضح عادل محمد منصور تاجر أقمشة من محافظة سوهاج أنه يأتي إلي كرداسة مرة كل أسبوع علي مدار20 عاما لبيع الأقمشة في السوق التي تقام كل يوم اثنين امام قسم الشرطة ومقر رئاسة مركز ومدينة كرداسة, مؤكدا انه لم يتعرض إلي أي حادث سرقة أو غيره أثناء عرض أو بيع بضاعته نظرا لسماحة أهل المدينة والأخلاق العالية التي يتحلي بها الجميع, مستبعدا قيام أهالي المدينة بتنفيذ مذبحة قسم الشرطة التي راح ضحيتها أبرياء لاذنب لهم إلا أنهم يؤدون عملهم بكل أمانة وتفاني, مشيرا إلي انه يرتبط بعلاقات حميمة مع معظم الأهالي وعندما يواجه مشكلة مع أي زبون بتدخل العقلاء لحلها بالعدل دون انصاف شخص علي الآخر. لاوجود للبلطجة واستطرد قائلا: انه من المتعارف عليه في كل سوق أن بعض الفتوات والبلطجية يحصلون علي إتاوات من كل صاحب فرش يعرض بضاعته في السوق, الا ان الأمر يختلف في كرداسة فعلي مدار الأعوام العديدة التي قضيتها في سوق كرداسة لم أدفع مليما واحدا لأي شخص نظرا لعدم وجود فتوات أو بلطجية لتوافر الطيبة والسماحة في أهل المدينة, معلنا أن حركة البيع والشراء ضعيفة جدا ولم تصل لنسبة10% من حجم المبيعات التي كان يبيعها في الماضي قبل حدوث المذبحة. أما صلاح شعيب موظف فقال إن ما حدث في قسم الشرطة لايمكن ان يتصوره عقل بأن يقتل المسلم أخيه المسلم دون اي ذنب عقل بان يقتل المسلم أخيه المسلم دون اي ذنب, مؤكدا ان ابناء كرداسة وعائلاتها العريقة نبذت اعمال العنف التي شهدتها المدينة يوم الاربعاء الماضي, لافتا إلي ان البلد لاتعرف العنف أو الإرهاب من قبل وقد تعرض قسم الشرطة للحرق يوم28 يناير عام2011, كما حدث في معظم أقسام الشرطة علي مستوي الجمهورية. وقال ان كرداسة تتميز بأنها منطقة يغلب عليها الطابع الريفي ولذلك تضم عائلات كبيرة مترابطة من خلال صلة القرابة او علاقات النسب ولذلك فالجميع مثل النسيج الواحد لايلجأ أي فرد إلي قسم الشرطة عند تعرضه للظلم من أخرين وإنما يلجأ إليها بعض كبار هذه العائلات الذين يعقدون جلسات صلح عرفية بعد أن يحصل كل ذي حق علي حقه. وقالت عبير محمد موظفة إنها تخشي من استمرار وقف الحال وضعف حركة البيع والشراء وخلو الشوارع من المارة وتفضيل معظم السكان البقاء في منازلهم لفترات طويلة في حدوث مشكلات في المدينة من حركات خارجية تثير الخوف والرعب بين الأهالي من جديد, مشيرة إلي توحش بعض العائلات وقدرتهم علي ارتكاب أفظع الجرائم خاصة من المنتمين للإخوان المسلمين. / الجناه أحرقوا نقطة شرطة ناهيا وكنيسة الملاك قال المهندس خيري مرسي رئيس مجلس ومدينة كرداسة انه لا يستطيع الجزم بأن مرتكبي مذبحة قسم الشرطة من المدينة أو من خارجها لأنه ليس من أهل المدينة إلا ان الحقيقة الواضحة للجميع انه لا يوجد إرهاب في المدينة التي تضم العديد من العائلات الكبيرة التي تستطيع أن تحل اي مشكلة تحدث في المدينة دون الاستعانة بأفراد الأمن من قسم الشرطة, وموضحا أنه تولي مهام منصبه أول شهر رمضان المبارك وخلال تلك الفترة والوجيزة لم يتعرف بعد علي أهالي المدينة, إلا انه أكد ان الحادث عارض بكل المقاييس لأن كرداسة المدينة الوحيدة علي مستوي الجمهورية التي لم يغلق فيها مقر رئاسة المجلس, كما لم يتوقف العمل به أثناء الثورة علي الرغم من ان مقر مجلس المدينة يبعد خطوات قليلة عن قشم الشرطة. / طلب الأهالي أضاف أن أهالي المدينة طلبوا منه نقل سيارات الشرطة المحترقة خارج المدينة مما جعله يخاطب الدكتور علي عبدالرحمن محافظ الجيزة لمعرفة موقف النيابة العامة من هذه السيارات وهل قامت بعمل المعاينة القانونية من عدمه, مشيرا إلي أنه فور ورود رد من المحافظ وانتهاء النيابة من اجراءات المعاينة سيتم رفع السيارات المحترقة علي الفور, مضيفا ان قسم الشرطة أمامه علي الأقل أربعة أشهر حتي يكون جاهزا للعمل. وأوضح ان الجناة قاموا بحرق نقطة شرطة ناهيا وكنيسة الملاك ميخائيل بكرداسة ولم يتمكنوا من إحداث تدمير في المدينة أو وحداتها الأربع وهي المعتمدية وكفر حكيم وأبورواش وناهيا ويبلغ عدد سكان المدينة بوحداتها المحلية حوالي نصف مليون نسمة, موضحا انه اعتاد علي المرور علي كل الوحدات يوميا قبل الدخول إلي مكتبه لمتابعة أعمال النظافة, إلا انه سمعة عن الأحداث التي وقعت في قسم الشرطة والكنيسة ولم يتمكن من الحضور لمقر عمله, وأسرعت بالاتصال التيلفوني ببعض الموظفين للتنبيه علي الأهالي بضرورة المحافظة علي مقر المجلس ومعداته التي تعد ملكا لهم ولابد من الدفاع عن هذه الممتلكات بكل بسالة. العقلاء دافعوا عن المبني وأستطرد: إن أفراد الأمن بالمجلس كان لهم دور في حماية المقر من اي محاولة اعتداء لأنهم من أهل المدينة ويتمتعون بعلاقات حميمة مع أهال كرداسة, فضلا عن قيام بعض العقلاء وكبار العائلات بالوقوف أمام مبني المجلس لحمايته. قال: إن الاهالي والموظفين فور علمهم بفض اعتصام رابعة العدوية في الساعة السادسة والنصف صباحا أسرعوا بتأمين المعدات التابعة لمجلس المدينة, في المقابل خشي بعض الأهالي والموظفين علي أنفسهم وفضلوا البقاء في منازلهم معترفا أن كرداسة من المدن الريفية التي تتمتع بالهدوء في كل شئ.