في ظل مهرجانات الهراء والتدليس والتضليل في رابعة العدوية, والتي تتفشي كوباء لا شفاء منه, يجب علينا نحن أبناء مصر صانعة التاريخ واهبة الحضارة والضمير للانسانية, أن نوقف كل مظاهر الغمز واللمز لهذا الطرف أو ذلك في الحكومة الحالية, ووقف كل وسائل وحملات التلميع أو التجريح من أجل دعم فريق علي آخر, لأن قواتنا المسلحة هي سندنا جميعا في هذا الوقت الحرج, فلا يعقل أن نحلل لأنفسنا آليات التعامل مع من يحاول الخروج علي السلطة القائمة ونحرم علي الآخرين استخدام تلك الآليات ونسخر كل أدواتنا لمحاربته, ثم نظهر وكأننا جزءا من المعركة. والحقيقة أن الطريق أصبح اليوم ممهدا من أجل تحقيق الوحدة والتلاحم بين كل أبناء الوطن, فحكومة الببلاوي محترفة وجاهزة, وخارطة المستقبل محددة وواضحة, والدعوة إلي تنفيذ بنودها موجودة ويرددها الجميع صباحا ومساء. وهذا في ظني, يستند إلي ماكان أثرا مباشرا للموجة الثورية في30 يونيو والذي لم يكن جزءا من حسابات بعض القوي التي تسللت بانتهازية وركبت الثورة, وصنعت تحالفا مشبوها كي تسرقها, لتصنع لها مالم يكن جزءا من دعائم الثورة وأهدافها, ولعل البدايات الثورية في كل الدول التي شهدت الربيع العربي لم تكن تلك القوي جزءا منها, وقد أعلنت في البدايات ذلك بوضوح, بل إن بعضها كان أكثر صراحة في القول بأن الحراك بدأ دون أن تساهم به ولم تلعب دورا قياديا فيه, ولكن الروح الاعترافية تلك انقلبت فجأة إلي حركة ادعاء كاذبة وغير مسبوقة لتبدو وكأنها من صنع الحراك الشعبي العام, حملة كذب سياسي نادر نجحت وسائل اعلام صنعت من أجل تمرير تلك المؤامرة بتسويق قوي بعينها من تيار إسلامي, بعد أن عقد تحالفا علي مجمل القادم السياسي مع الولاياتالمتحدة. فقد جاءت الموجة الثورية ا لثانية, خارج كل حسابات فريق سرقة الثورة التي توقفت فجأة لشق الوحدة الوطنية, وإعادة نشر الفتنة الطائفية والسياسية, كمقدمة لتحقيق المخطط الأساسي الذي أعدته واشنطن لفرض مشهد جديد للمنطقة العربية, تفرض تقسيما ودولا بمقاسات جغرافية لاتسمح لأي منها أن تكون قوة بأظافر, وخلق قوة إقليمية جديدة هي جزء رئيسي من مكونات حلف الناتو, وبالأساس تركيا وإسرائيل, فهما دون غيرهما كانتا بوابة لتمرير المخطط التقسيمي كل بما يملك, ووجدت واشنطن في التيار الظلامي والارهابي أداة عطشي لتمرير أهدافها مقابل تسليمه السلطة بتواطئ وتضليل, ساهم ضعف القوي المدنية والديموقراطية وتشتتها في سرعة تنفيذ المخطط المشبوه, ومع وصول قوي الارهاب الفكري إلي سدة الحكم, أخذت في العمل علي قلب الحقائق رأسا علي عقب. المهم أن تيارات العنف والارهاب الفكري من المتأسلمين تصورت أن طريق الكذب والخداع هو أسرع الطرق لترسيخ أنظمتهم, وبدأت رحلة التراجع عن مشاركة القوي إلي مغالبتها, عبر الترويج بأنها من صنع الثورة وهي القوي التي تستحق أن تكون, ولم تكتف بسرقة الفعل الثوري ولكنها حاولت سرقة تاريخ الأمة العربية وتشويه مسارات الأمة وخاصة الموقف القومي الذي جسده مسار الزعيم الراحل جمال عبدالناصر, لأنها تدرك يقينا أن تزوير التاريخ يبدأ من نقطة ثورة يوليو وزعيمها القائد ناصر, وهي بذلك تمارس الانتقام السياسي من ثورة قطعت الطريق علي جماعة أرادت أن تسرقها, والانتقام الاخواني من ثورة يوليو وزعيمها كان خدمة مضافة للولايات المتحدة ودولة الاحتلال, وربما اعتقدت الجماعة الإرهابية أن مخططها المسنود أمريكيا, وصل إلي ترسيخ أقدامه وبدأت رحلة تمكينها من الملك والحكم دون أن تقيم اعتبارا لصناع الحراك الثوري الحقيقيين, حتي أنها انقلبت عليهم وبدأت في حرب عليهم وكأنهم ثورة مضادة.. وكما التاريخ دوما لاتحسب القوي المضادة لحركة التاريخ حسابا دقيقا لما تختزنه الشعوب من طاقات وقدرات هائلة يمكنها أن تنفجر في أي لحظة, دون حسابات أو مقدمات. ولكن حسابات قادة الرجعية المعاصرة لم تأت بقدر حسابات شباب الأمة وقواها الثورية التي علمت بطبيعة المخطط المراد للمنطقة, فكاد الرد بأسرع مما ظنت القوي المعادية لطموح الأمة وأهدافها, بدأ الحراك في ظل استخفاف من القوة الحاكمة وسندها الرئيسي أمريكا, وبلا أي تأخير انتفض الشعب المصري ليصحح ثورته ويواجه المخطط بكل أركانه, وانتصرت الثورة واسقط الحكم الأخواني المتخلف, وبدأت خيوط المؤامرة تنكسر علي رصيف ثورة الشعب المصري لتعيد اشعال روح الثورة عربيا علي الاستعمار والرجعية, وتفتح الباب أمام عصر جديد, تعيد به روح عصر الثورة العربية في ظل جمال عبدالناصر, مع تصويب كل الأخطاء التي علقت بها والحقت بها ضررا ساعد قوي الثورة المضادة في الانقضاض عليها وكسر شوكتها. وأخيرا يجب أن يعي الجميع بأنه بوابة الوطن وحدها لاغير, أكرر بوابة مصر الوطن وحدها دون سواها, هي القادرة علي تقدير أي حزب أو فصيل أو قوي إلي العالم, لا البوابة الدينية والطائفية أيا كانت شعاراتها, وأن الشراكة الوطنية هي الكفيلة باستمرار الرضا الشعبي عن نظام الحكم, وهي القادرة علي ترويض الجماهير وتهيئتها لكي تتمكن من بناء الديمقراطية بشكل سلس ومنطقي وعقلاني, ولكن لانكون بحاجة إلي هبات وانتفاضات جماهيرية ويخرج البعض, ليجرم هذا أو ذاك, أو نغرق من جديد في مسلسل الدم والفوضي المدمرة.