حرصت وزارة الصحة كعادتها علي شن حملات تحذيرية ضد تناول"الفسيخ"، تزامنا مع توقيت شم النسيم اليوم، فلا تنفك الوزارة أن تذكر المواطنين بمدي الأضرار الجسيمة الناتجة عنه، والتي قد تصل أحياناً إلي الوفاة، وعلي الرغم من دعوات المقاطعة إلا أن هناك شريحة كبيرة من المصريين يرفعون شعار "التحدي" اعتماداً علي مقولة " معدة المصري تهضم الزلط "، ضاربين بعرض الحائط لافتات و تحذيرات الأطباء ضد تناول أكلات "الفسيخ"، وكانت ل "بوابة الأهرام" جولة في الشارع المصري رصدت خلالها ردود أفعال المصريين ومدي التزامهم بتحذيرات الوزارة. وبرغم ارتفاع أسعار الرنجة والفسيخ والملوحة إلا أن ذلك لم يمنع المصريين من شراءها وإدخال بعض البهجة على أسرهم. قالت فاطمة السيد - 28 سنة - إنها لم تحبذ تناول الفسيخ يوماً منذ الصغر، خاصة أنه يتميز برائحة مثيرة للاختناق، تكاد تجعلها تشعر بضيق في التنفس لمجرد اقترابها من الرائحة، لذا لن تتناول الفسيخ هذا الموسم أو خلال الأعوام القادمة. بينما قالت نرمين الكاشف - 25 سنة و أم لطفل - إنها لن تقترب من تناول الفسيخ في شم النسيم القادم، بل ستكتفي بتناول الأسماك المملحة الأخرى كالسردين و الرنجة و الملوحة، مؤكدة أنها انتهزت فرصة قدومها من المنوفية لزيارة شقيقتها المقيمة في القاهرة، وتناولت الرنجة أثناء التنزه بحديقة الحيوان في الجيزة يوم الجمعة الماضي قبل حلول موسم شم النسيم بعدة أيام، لذا ستكتفي بالمكوث في المنزل و تناول أطعمة أخري بعيداً عن الأسماك المملحة. أما هبة ناصر 22 سنة طالبة في كلية حقوق جامعة القاهرة فقالت:" لن أقدم علي تناول الفسيج مجدداً مهما حدث، خاصة أنني أصبت بالتسمم خلال العام الماضي بسبب تناول "فسيخة" فاسدة، إذا شعرت فجأة بالإسهال الشديد و الغثيان و تقلصات بالمعدة و صعوبة في التنفس تصحبه ارتفاع في درجة الحرارة،عندئذ قررت الاكتفاء بتناول "الرنجة" احتفالاً بشم النسيم، موضحة أنها كانت تعد المرة الأولي التي تتناول فيها "الفسيخ" بالنسبة لها، ويبدو أنها كانت الأخيرة أيضاً". وفي السياق ذاته، أكد أحمد موسي -35 سنة - أنه تعرض فيما مضي لحالة تسمم بسبب الإفراط في تناول الأسماك المملحة من "الفسيخ و الرنجة و الملوحة. ألخ"، وتم نقله علي الفور بقسم الطوارئ في مستشفي الدمرادش بالعباسية، حيث أجري له الدكتور عملية "غسيل معدة"، إلا أنه يستكمل ضاحكاً:" لن أتوقف يوماً عن تناول الفسيخ و الرنجة فهما عشقي منذ الطفولة، فلا يمكنني الامتناع عن تناولهما مهما حدث ليِ". وكان لأميمة محمود – 33 سنة و أم لطفلين – وجهة نظر آخري، حيث قالت:" أؤيد بشدة الحملات المضادة التي تشنها وزارة الصحة لمنع المواطنين من تناول الفسيخ بالتزامن مع موسم شم النسيم، خاصة أن هناك شريحة عريضة من المواطنين لا يمكنهم أن يدركوا مدي الأضرار الجسيمة التي يمكن أن تلحق بالإنسان عقب تناوله "الفسيخ"، والتي قد تؤدي في كثير من الأحيان للوفاة بسرعة هائلة، كلها أسباب جعلتني أتحفظ بشدة علي دخول "الفسيخ" لمنزلي في أي وقت، لأنني علي دراية كاملة بطرق تصنيعه وتعليبه، لذا لن أقبل أبداً علي شراءه خوفاً علي صحة عائلتي، لكنني ستناول "الفسيخ" هذا الموسم، خاصة أن صديقتي المقربة قد قامت بتصنيع "الفسيخ" بمنزلها، متبعة طرق و أساليب صحيحة و صحية، بعيداً عن تلك الطرق التي يتخذها البائعين، لذا سأتناوله بكل اطمئنان". وقد حذر الدكتور أحمد عبد الغني، رئيس قسم الطوارئ بمعهد سموم القصر العيني، من التسمم الناتج عن تناول الأسماك المملحة و المدخنة بمختلف أنواعها تحديداً السمك البوري، مؤكداً أنه قد صادف عدة حالات تسمم من محلات مشهورة في السويس و الإسماعيلية و القاهرة، مشدداً علي أن المخاطر الناتجة من تناول "الفسيخ" لا يمكن التهاون بها علي الإطلاق، فهي ليست بالبساطة التي تظهرها وسائل الإعلام، فقد يؤدي تناوله للوفاة بشكل تدريجي، حيث تبدأ بظهور أعراض الإسهال و الغثيان وتقلصات شديدة أسفل البطن، وأحياناً قد لا تظهر هذه العلامات علي المريض، فمن الممكن أن يكون "سقوط جفن العين والإصابة بشلل في عضلات التنفس" هي الأعراض الأولي التي تلحق بالمريض، ثم يصاحبها إنسداد في الجيوب الأنفية وصعوبة في البلع وجفاف شديد بالحلق، وضعف بالعضلات تبدأ بالأطراف العليا ثم تنتقل إلي باقي أجزاء الجسم، وأخيراً فشل في وظائف التنفس ثم الوفاة. وتابع قائلاً:" إذا صادف المريض أياً من هذه الأعراض عليه أن يتوجه فوراً إلي مركز سموم طب القصر العيني قبل انتشار الشلل في جميع أنحاء الجسم، لأن كل ساعة تمر علي المريض تصبح حياته في خطر داهم، مشيراً إلي أن حقة علاج حالات التسمم الواحدة الناتجة عن تناول الأسماك المملحة تبلغ نحو 26 ألف جنيه، ويحتاج المريض لثلاث حقن بمبلغ يصل إلي 100 ألف جنيه، وهي متوافرة بالمركز، لافتاً أن هذه الحقن توقف انتشار الشلل في الجسم فحسب، لكنها لا تعالج الإصابة، بمعني أنه في حالة سقوط الجفن لابد أن يلجأ المريض لعملية في عينيه،أما بالنسبة للصعوبة في البلع و الجفاف في الحلق بيلجأ المريض لعملية تثبيت أنبوبة في البلعوم مدي الحياة حتي يتمكن من التنفس وتناول الطعام". و أوضح "عبد الغني"، أن المنبع الرئيسي لإنتاج هذه السموم،هي الطريقة ذاتها التي يلجأ إليها البائعين في تصنيع "الفسيخ"، فهو يعتمد أساساً علي عملية التعفن، بمعني منع دخول أي عامل خارجي سواء هواء أو رطوبة أو أشعة الشمس، مما ينتج عنها نمو بكتيريا تعرف ب "بكتيريا البوتيليزم"، والتي تفرز 8 أنواع من السموم في الأسماك المملحة. في سياق متصل، نفي الدكتور مجدي نزيه، أستاذ ورئيس وحدة التثقيف الغذائي بالمعهد القومي للتغذية، وجود أي إجراءات صحية يمكن اتخاذها عند تناول "الفسيخ" تجنباً للإصابة بالشلل أو الوفاة، مؤكداً أن الطرق المنتشرة علي المواقع الإخبارية حول يمكن تفادي الإصابة بالتسمم عن طريق تسخين "الفسيخ" عند 100 درجة مئوية و استخدام الليمون و الخل ما هي إلا مهطرات ليس لها أسس علمية أو صحية، فلا يمكن التخلص من هذه السموم بطريقة أو بآخري، لأنها سموم في أنسجة حيوانية وليست في غذاء نباتي، كالتي تتسبب في الإصابة ب"نزلة معوية" ليس أكثر. واستطرد قائلاً:"إن أفضل طرق الوقاية من التسمم تتلخص في توجيه الاستهلاك نحو الأسماك الطازجة بدلاً من الأسماك المملحة، خاصة أنه من الصعب علمياً التعرف علي خلوها من السموم أو مدي صلاحيتها بمجرد النظر إليها، وإنما الطريقة الوحيدة للكشف عن ذلك باللجوء لمعامل مختصة بتحليل السموم بما يعرف ب"تحليل السمية".