ما لدينا من كنوز وتاريخ وذاكرة يكفي عشرات من الأمم، ولكن هذه الكثرة الضاربة عمقا وتنوعا باب ملكي للإهمال. وعلى سبيل المثال تكفي الآثار المصرية القديمة (المسماة "الفرعونية" خطأ واستسهالًا) في محافظة واحدة لكي تكون مصدرًا للسياحة يكفي بلدًا بأكمله، ولكن محافظات كاملة مثل سوهاج ليست على خريطة السياحة، أما السينما بتاريخها وتراثها المتجاوز مائة عام، وأربعة آلاف فيلم روائي طويل. ومثل هذا العدد من الأعمال الوثائقية والروائية القصيرة لا يحظى بأرشيف "سينماتيك"، لحفظ النسخ السالبة الأفلام، وهي في الدول المحترمة تعامل باعتبارها "آثارا"، ولكننا في مصر فرطنا في هذه الآثار، فبيعت وهربت خارج البلاد، وأصبحت في حوزة محطات فضائية محافظة، تملك أن "تتصرف" فيها حذفا وحجبا ومنعا وبيعا، رغم أنف المالك قليل الحيلة. من المبادرات المهمة لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، تنظيم معرض من تراث مصور الفوتوغرافيا محمد بكر لتوثيق تراث السينما المصرية، من إعداد وتنسيق الدكتور حسين بكر. وقد افتتح المعرض في قصر ثقافة الأقصر بحضور وزير الثقافة في ساحل العاج موريس باندرمان وسيد فؤد رئيس مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية وعزة الحسيني مديرة المهرجان. ويملك حسين بكر ومحمد حسين بكر، تراثا فوتوغرافيا يسجل مسيرة السينما المصرية، منذ عام 1936، ويعيدك إلى زمن الأبيض والأسود، إلى شباب نجوم تابعهم الجيل التالي شيوخا. هنا توثق الكاميرا أشواق فريد الأطرش وأسمهان إلى المستقبل في فيلم "انتصار الشباب"، وهما فوق المسرح، وأمامها زوجان من الراقصين والراقصات، وعماد حمدي في "السوق السوداء"، وحسين صدقي وفاطمة رشدي في "العزيمة" وكادر يتميز بدقة تنسيق المنظر المشغول على مهل، لليلى مراد في "قلبي دليلي"، وحيث فيلم "غرام وانتقام" الذى يضم اغلب أرشيف السينما المصرية. وتحية كاريوكا وسامية جمال في لقطة نادرة، وكاريوكا في دور "سمارة" الذي ارتبط باسمها.. شخصية وفيلما، وإسماعيل ياسين، ويوسف شاهين في باب الحديد، وصلاح منصور الحائر بين سعاد حسني وسناء جميل في "الزوجة الثانية". بعد أي مهرجان تبقى منه في الذاكرة بضعة أشياء.. أفلام تركت بصمة وتدعو المشاهد إلى إعادة مشاهدتها والبحث عنها، الدليل والإصدارات. وكان يمكن للمهرجان أن يصدر كتابا يضم صور المعرض، يصبح سفيرا لمصر مع ضيوف عشرات من الدول الإفريقية، وبعض المشاركين في مسابقة "الشهيد الحسيني أبو ضيف للحريات" وهي مسابقة مفتوحة للأفارقة وغيرهم. شيء مثل هذا فعلته السينما المصرية مرة واحدة، في دليل طبع بالعربية والفرنسية ووزع قبل عشرة أعوام، حين احتفلت السينما بمئويتها.. السينما العالمية والمصرية معا، وأمام مهرجان الأقصر الذي بدأ طموحا قبل خمس سنوات ولا يزال يحمل طموح الدورة الأولى أن يفعل هذا في دورته القادمة.