واجه العالم العربي، والإسلامي بخاصة، في الآونة الأخيرة، اتهامات حادة من الأوساط الإعلامية الغربية، متجسدة في شخص الرسول الكريم، بصفته رمزا للإسلام، وهو منها براء، ونأمل في بداية جديدة نلمس فيها تغييرا في نظرة الغرب للعالم العربي والإسلامي، ولعل التراجم هي أحد جسور التواصل بين الحضارات. إننا نفتقر إلى قنوات تواصل مع الآخر نتكلم فيها عن حقيقة هذا الدين الحنيف، وعن الشخصية العظيمة لرسولنا الكريم بشهادة المستشرقين والفلاسفة المنصفين على امتداد التاريخ. إن كتاب "حكم النبي محمد" للفيلسوف الروسي ليو تولستوي، هذا الكتاب الذي طبع منذ أكثر من تسعين عامًا، هو بمثابة وثيقة تاريخية لصالح الإسلام والمسلمين. ولعلني اخترت تولستوي لأنه عرف على امتداد التاريخ الأدبي بالفيلسوف الباحث عن الحقيقة. يحوي هذا الكتاب خمسة فصول يحمل أولها عنوانا هو "أقوال الكتاب في الإسلام والمسلمين"، وفيه يتحدث الكاتب عن كبت الحريات ومناضلة مسلمي روسيا أمام القيصر لاستصدار قرار منحهم الحرية الدينية، كما أنه تحدث أيضا عن رأي الإسلام في المسيح، عليه السلام، الذي هو موضع التقدير والاحترام في آيات كثيرة بالقرآن، بل إن سورة مريم هي دليل دامغ على توجهات ديننا، الذي يحث تابعيه على الإيمان بالرسل جميعا كشرط وكركن أساسي من أركان الإيمان. وفي الفصل الثاني "النبي محمد" عرض لنا تولستوي النشأة والسيرة العطرة للمختار، عليه الصلاة والسلام. كما أن الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو كتب عن سماته وخلقه عظيم العبارات الصادقة "لم ير العالم حتى اليوم رجلا استطاع أن يحول العقول من عبادة الأصنام إلى عبادة الله الواحد إلا محمد، ولولا أنه قد بدأ حياته صادقا أمينا ما صدقه أقرب الناس إليه، بخاصة بعد أن جاءته السماء بالرسالة لنشرها على بني قومه، متحجري القلوب والعقول، لكن السماءالتي اختارته بعناية كي يحمي الرسالة كانت تؤهله صغيرا فشب متأملًا محبا للطبيعة ميالا للعزلة لينفرد بنفسه". أما في الفصل الثالث "انتشار الإسلام في اليابان" فنجد رحلة بحث تولستوي عن ماهية هذا الدين، الذي كان يدين به أكثر من مائتي مليون إنسان عام 1912م، وما زال أتباعه في تزايد. وفيه يرى أن محمدا، عليه السلام،هو مؤسس لدين عظيم هدى به وثنيين قضوا حياتهم في الحروب وسفك الدماء، فأنار أبصارهم بنور الإيمان، وأعلن أن جميع البشر متساوون أمام الله عز وجل. هذا المعنى نجده أيضا في كتاب "العظماء مائة، وأعظمهم محمد" للكاتب الأمريكي مايكل هارت "محمد هذا الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحا مطلقا على المستويين الديني والدنيوي، وهو الذي دعا للإسلام، ونشره كواحد من أعظم الديانات، وأصبح قائدا سياسيا وعسكريا ودينيا، وبعد 13 قرنا من وفاته فإن أثر محمد مازال قويا ومتجددا". أما أجمل الفصول فهو الفصل الرابع "حكم محمد"، وفيه يدون تولستوي 64 حديثا نبويا شريفا، كان السهروردي قد ترجمها للإنجليزية، ومن ثم ترجمها تولستوي للروسية، نذكر منها "لا يؤمن أحدكم حتى يحب أخيه ما يحبه لنفسه"، و"ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"، و"إن الله عز وجل يحب أن يرى عبده ساعيا في طلب الرزق الحلال". وهذا يوضح لنا أن تولستوي لم يكن مجرد أديب و فيلسوف، بل هو مصلح اجتماعي ومفكر أخلاقي، أوصلته حكمته إلى التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مزيف، بل إننا نستطيع أن نقول بأن الأدب بالنسبة له عبارة عن أداة للتحليل النفسي، وللبحث عن الذات، والتفكر في أسباب الصراع الأزلي للنفس البشرية بين مبادئه الأخلاقية، واستسلامه لعالم الشهوات المادية المضادة للمثل العليا، حول هذا المعنى نجد كلماته الممزوجة بالألم بسبب فقده لأخيه الأكبر"مات دون أن يفهم لماذا كان يعيش ولماذا مات". وأخيرا يأتي الفصل الخامس الذي يدور حول رأيه في الحجاب والزواج وما بينهما، ليحلل المشكلات المجتمعية، وبخاصة في أوروبا ومنها مشكلة الطلاق، كما أنه يشيد بالاحتشام بوصفه تقديرا لشخص المرأة بصفتها ملكة وليست سلعة رخيصة قابلة للعرض. وفي جزء آخر من هذا الفصل أشار إلى أن العلاقة الزوجية يجب أن تبنى على أساس المودة والرحمة كما حث عليها الإسلام. وبدورنا فإننا نسلط الضوء على الدور المحوري الذي يجب أن يقوم به كل فرد في مجاله، بل علينا أن نسعى لبناء جسر من التواصل مع الغرب؛ لنقل صورة حقيقة عن نقاء هذا الدين، فمخاطبة العقل هي الطريقة الأكثر إقناعا. ولنا في سيرته العطرة من الحجج والبراهين مايكفي لتصحيح مفاهيم مغلوطة. كما أننا نوصي بتربية جيل جديد يلتزم بأخلاقيات سمحة ليصبحوا سفراء في كل بقاع الدنيا، ولا يتأتى هذا إلا بخطاب ديني عصري، يتعامل بذكاء مع الوضع الراهن، ويصل لقلوب وعقول الشباب. وإذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي نجحت في إشعال فتيل ثورة، فإننا بالطبع نمتلك من المهارات مانستطيع أن نعبر به إلى الاتجاه الآخر.