يعد «ليف نيكولايافيش تولستوى» أو Лев николаевич толстой (9 من سبتمبر 1828- 20 من نوفمبر 1910)؛ من عمالقة الروائيين الروس ومن أعمدة الأدب الروسى فى القرن التاسع عشر، والبعض يعده من أعظم الروائيين على الإطلاق. أبدى الكاتب الروسى احتراما خاصا للأدب العربى والثقافة العربية، والأدب الشعبى العربى، فعرف الحكايات العربية منذ طفولته مثل «حكاية علاء الدين والمصباح السحرى»، وقرأ «ألف ليلة وليلة»، و«على بابا والأربعين حرامى» وحكاية «قمر الزمان بين الملك شهرمان». يعتبر «تولستوى» كاتبا وروائيا ومفكرا أخلاقيا وفيلسوفا وداعيةَ سلام، يسأل تولستوى ويفكر فى مسألة الموت: لماذا نموت؟ ولماذا نخاف الموت؟ وله قصة باسم «ثلاث موتات» وتعنى بالروسية «три смерти» يقارن فيها بين موت سيدة ثرية وموت فلاح بسيط وموت شجرة، ويخلص منها أنه كلما زاد وعينا انفصلنا عن الطبيعة والمجموعة البشرية ونحن نتألم لهذا الوعى وهذا الانفصال عند الموت. تعمق تولستوى فى القراءات الدينية وقاوم الكنيسة الأرثوذكسية فى روسيا ودعا إلى السلام وعدم الاستغلال وعارض القوة والعنف فى شتى صورهما ولم تقبل الكنيسة آراء تولستوى التى انتشرت فى سرعة كبيرة، فكفّرته وأبعدته عنها، وأعلنت حرمانه من رعايتها، وأعجب بآرائه عدد كبير من الناس وكانوا يزورونه فى مقره بعد أن عاش حياة الفلاحين البسطاء تاركا عائلته الثرية. وكونه فيلسوفا أخلاقيا فقد اعتنق أفكار المقاومة السلمية النابذة للعنف، وتبلور ذلك فى كتاب «Царство Божие внутри вас» وتعنى بالعربية: (مملكة الرب بداخلك)، وهو العمل الذى أثر فى مشاهير القرن العشرين مثل «المهاتما غاندى» و «مارتن لوثر كينج» فى جهادهما الذى اتسم بسياسة المقاومة السلمية النابذة للعنف. آمن تولستوى بالوصايا العشر، لكنه رفض أى تنظيم أو منظمة دينية، وبالتأكيد رفض الكنيسة، وطُرد منها عام 1901، وكان يدعو الجميع إلى عيش حياة الفلاحين من دون عنف وقال: يجب أن نحيا حياتنا بأقصى وأعمق ما نستطيع وأن نجعل الدنيا نعيما لأبناء البشر ونتحمل وحدنا المسئولية بدلا من إلقائها على قوات غيبية. يقول تولستوى «لا أريد أن أكون مسيحيا أو كونفوشيوسيا أو طاويا أو مسلما، نحن جميعا نحاول العثور على عقيدتنا.. العثور على ما هو مشترك للجميع والتخلى عن كل ما هو استثنائى والحفاظ على كل ما هو مشترك. ومن أقواله أيضا: من فضلك انظر إلى وجهى على أننى مؤمنا صالحا، حينها ستجد كل شيئا على ما يرام. تميزت أعماله فى الفترة الأخيرة من حياته بالنزعة الدينية والاجتماعية، ومن أهمها: رواية (البعث) «воскресение» 1899، والتى حاول فيها تولستوى تصوير المجتمع السوفيتى بعد الثورة والتغييرات التى أحدثتها المفاهيم الماركسية فى حياة الأفراد، وذلك من خلال أحداث محورها فتاة تدعى «كاتيوشا ناسلوفا» «катюша Наслова» تعرضت لإغواء أمير يدعى «ديمترى إيفانوفيتش نيخلودوف» «дмитрий нехлюдов» أدى إلى سلوكها طريق البغاء مما قادها إلى السجن، وهنا تبرر شخصية الأمير الذى تغيرت نظرته إلى الفقراء، فكانت محاولاته الحثيثة والمضنية لتبرئة الفتاة والعمل على إخراجها من السجن مقررا الاقتران بها، ولكنها فى النهاية تموت فى السجن، فيزورها فى السجن حيث يتجمع عدد كبير من المسجونين، يستمع لرواياتهم ومعاناتهم داخل السجون فيتعاطف معهم ويحاول مساعدتهم. تعددت الآراء حول اعتناق «تولستوى» الإسلام، والسبب الذى جعل البعض يظن ذلك، هو أن تولستوى قال فى رسالة إلى الشيخ «محمد عبده»: أشعر أننى أعتنق دينكم وأعيش به لكثرة ما أتفق معكم فيه. تحدث بكل إجلال عن الإسلام والذى قد يكون فى قلبه، ولكن لتولستوى آراء دينية خاصة به؛ فهو يرى أن هناك ديانات كثيرة ومختلفة، ولكن هناك عقيدة واحدة حقيقية وهى تتلخص فى الإيمان بالله الواحد وبمحبة الآخرين وبمطالبة الناس بعمل الخير، ويرى أيضا أن جوهر الديانات الثلاث أى: اليهودية والمسيحية والإسلامية واحد، كما يرى ضرورة ابتعاد الديانات عن الطقوس الشكلية لكى يستطيع أتباعها التقرب من بعض، وعندما تبدأ المؤسسات الدينية بالبساطة آنذاك تصل إلى توحيد قلوب المؤمنين. ويعد كتاب «حكم النبى محمد» من أهم الكتب التى أصدرها تولستوى فى هذه المرحلة من حياته، وقد أصدر الكتاب باللغة الروسية عام 1909، أى قبل وفاته بعام واحد، ومترجم هذا الكتاب هو «سليم قبعين»، وهو من أهم الشخصيات الأدبية الفلسطنية فى مجال الترجمة. ويعد السبب الذى دفعه إلى تأليف هذا الكاتب هو أنه رأى تحامل الملحدين والمنصّرين على الدين الإسلامى وعلى رسوله، كما هاله موقف الروس من الدين الإسلامى ومن أعمال معتنقيه، فكان تصويرا يغاير حقيقتهم وواقعهم، فهزته الغيرة على الحق الذى يعرفه وشعر فى أعماقه بأن السكوت عن البيان ليس من سمات الكاتب الحر والمفكر الأصيل. وصف تولستوى فى كتابه رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- قائلا: هو مؤسس دين، ونبى الإسلام الذى يدين به أكثر من مائتى مليون إنسان (الكلام عام 1912)، قام بعمل عظيم بهداية وثنيين قضوا حياتهم فى الحروب والدماء فأنار أبصارهم بنور الإيمان، وأعلن أن جميع الناس متساوون أمام الله. ويقول أيضا: لقد تحمل فى سنوات دعواته الأولى كثيرا من اضطهاد أصحاب الديانة الوثنية القديمة وغيرها، شأن كل نبى قبله نادى أمته إلى الحق، ولكن هذه المحن لم تثن عزمه بل ثابر على دعوة أمته مع أن محمدا لم يقل إنه نبى الله الوحيد بل آمن أيضا بنبوة موسى والمسيح، ودعا قومه إلى الاعتقاد أيضا، وقال إن اليهود والنصارى لا ينبغى أن يكرهوا على ترك دينهم، بل يجب عليهم أن يتبعوا وصايا أنبيائهم. كما اختار تولستوى مجموعة من أحاديث الرسول التى أدهشته بعمق مضامينها وعددها 65 حديثا وضمها إلى كتابه مثل: - لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. - ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء. - إن الله عز وجل يجب أن يرى عبده ساعيا فى طلب الحلال. والجدير بالذكر أن تولستوى فى الفترة الأخيرة من حياته اتخذ قرارا جريئا بتوزيع كل أراضيه وعزبه على الفلاحين الفقراء لتحقيق المساواة بين البشر والعدل الذى كان يحلم به. اتهمته زوجته بالجنون وانقلبت عليه ورفضت أن يضيع كل هذا الثراء منها وأولادها، فقرر السفر للعيش مع أخته ولكنه توفى فى محطة القطار وحيدا، ولم يصدق وقتها أحد أنه الكاتب «ليف تولستوى»، ودفن فى حديقة «ياسنايا بوليانا» «ясная поляна» بعد أن رفض الكهنة دفنه وفقا للطقوس الدينية الأرثوذكسية.