يثور الجميع في كل موسم على العائلة السبكية التي تتربع على الساحة السينمائية، وتنتشر الصفحات الداعية لمقاطعة أعمالها ومع ذلك تثبت تلك القوة الإنتاجية رسوخها على أرض الواقع "فشئنا أم أبينا" تبقى العائلة الشهيرة الأهم إنتاجياً في السنوات الأخيرة. بل لنكون أكثر صدقاً لولا دفعهم بالعجلة الإنتاجية لكنا في حالة ظلام سينمائي دامس حتى وإن كنّا نتفق جميعاً على رفضنا لكثير من السفه الذي يطول عددًا كبيرًا من أفلامهم التي قدموها خلال السنوات الأخيرة، فأغلب المنتجين تراجعوا ووقفوا في مشهد المتفرج واكتفوا بدورهم في مجال التوزيع السينمائي. وخير دليل على ذلك ما حدث في موسم عيد الأضحى ومواجهة عائلة السبكية بعضها البعض، بأفلام أهواك وعيال حريفة مع وجود فيلمين آخرين، وهما الجيل الرابع و4 ورقات كوتشينه، وكان من المفترض أيضاً أن ينافس المنتج أحمد السبكي بفيلمين آخرين خلال هذا الموسم وهما الليلة الكبيرة، من ضهر راجل لكنهما خرجا من المنافسة بسبب عدم جاهزيتهما للعرض. المنافسة السينمائية بين عائلة السبكي، كانت مختلفة هذه المرة، فابنة الأخ المنتجة رنا السبكي وهي نجلة المنتج محمد السبكي، تنافس العم أحمد بفيلمها "أهواك" أولى مشروعاتها الإنتاجية في مقابل فيلم "عيال حريفة" للأخير. وبعيداً عن مضمون الفيلمين وماورد بهما من أحداث درامية، فإننا بالتأكيد نقف أمام مدارس إنتاجية مختلفة تعكس رؤية فارقة بين جيلين أحدهما بتيار شبابي يفكر بعيداً عن الصندوق المغلق الذي طال أعمال العائلة، ففي فيلم "أهواك" تبتعد رنا السبكي عن فكر والدها وتقدم فيلم بدا عليه الإنفاق إنتاجياً بسخاء وأريحية، فهناك ديكورات فارهة استخدمت في العمل، إضافة إلى كثير من المشاهد الخارجية التي خرجت بها بعيداً عن أجواء اللوكيشن الداخلي تعكس صورًا للطبيعة الحية، إضافة إلى حرصها على تقديم بطل فيلمها تامر حسني بطريقة تبتعد عن الشكل التقليدي الذي حرص والدها أن يقدم به النجم سابقاً، فهو هنا ليس الفتى العاطفي المطحون والمغلوب على أمره، أو من يفتعل إيفاهات ساذجة ومكررة من أجل إضحاك الجمهور الذي سئم منها. وصحيح أن المحتوى الدرامي لفيلم "أهواك" ضعيف ولا يحمل أية إبهار على صعيد الأحداث وشخصيات الأبطال وأيضاًعلى مستوى الكوميديا، لكنه يبقى تجربة مختلفة لبطله الذي يراه المشاهد أخيراً في أدوار بدا عليه إرادته في تغيير نمط تجاربه التمثيلية التقليدية، إضافة إلى الشكل الإنتاجي الذي ظهر عليه الفيلم. ويبدو أن المنتجة رنا السبكي لم تفرض سطوتها على العمل اللهم في مشهد واحد مجاملة للأب يظهر فيه كعادته في أحد مشاهد العمل دون أي مبرر درامي، في حين أنها تركت القيادة للمخرج ومؤلف العمل محمد سامي الذي تعامل مع فيلمه وكأنه كليب غنائي، يقدم فيه صورة بديعة دون أي ترابط في الأحداث التي صاغها رغم أن القصة كان من الممكن استثمارها بشكل أفضل على الشاشة، ولعل ما يشغل بال محمد سامي طوال الوقت هو استخدام الألفاظ الدارجة والعامية في أعماله مع صورة تخطف النظر، وقد ظهر هذا من قبل في أعماله التي قدمها منها حكاية حياة، وكلام على ورق والذي أثار استياء الكثيرين بسبب الصورة المقلوبة التي ظهر بها حتى إنه اضطر لتعديل العمل في نسخة عرضه الثانية. أما فيلم "عيال حريفة" للمنتج أحمد السبكي فقد استخدم توليفته المعتادة بشكل أكثر سطحية واستخفاف بعقول المشاهدين، وبنفس المقومات الإنتاجية الباهتة من التركيز على التصوير في الديكور الداخلي للمنازل مع إقحام راقصات في العمل، فالفيلم هنا لم يكتف بوجود الراقصة الأكثر شهرة حالياً صافينار كممثلة في العمل رغم أن ليس لديها أي مقومات لذلك، بل أقحم رقصة كاملة لنظيرتها اللبنانية إليسار كنوع من الحشو داخل الأحداث، ولجذب قطاع أكبر من الجمهور الذي كان بالتأكيد سيذهب إلى محبوبه الأكبر تامر حسني. هذا بالإضافة للاعتماد على مطربي الغناء الشعبي مثل بوسي، ومحمود الليثي ليكونوا هما الآخرين وسيلة صائدة للإيرادات فيجمع بذلك المنتج بين "الطرب والرقص والوجه الحسن"، مما أفرز عنه أيضاً اختلاف الجمهور القادم إلى دور العرض، فجمهور "عيال حريفة" أكثرهم من جيل الأطفال والمراهقين بسبب التوليفة المعتادة أما في "أهواك" فالأغلبية من جمهور الأسر والشباب. تظل الفجوات في أعمال العائلة السبكية مستمرة ربما لأن الهدف هو تقديم سينما بهدف إثبات التواجد واكتساح الإيرادات والسيطرة على السوق وإن كانت الأزمات الإنتاجية وتراجع المنتجين أفرد لهم الساحة بصورة أكبر، وهذا لا يعني أن جميع إنتاجات العائلة في الحقل السينمائي غير جديرة بالذكر والاهتمام، ففي البدايات قدم الشريكان محمد وأحمد السبكي قبل انفصالهما كثيرًا من الأعمال التي لاقت حظها من المتابعة والشهرة منها "عيون الصقر" للراحل نور الشريف، ومستر كارتيه، وسواق الهانم لأحمد زكي، في حين تدرجت الأعمال بعد ذلك بمرور السنوات إلى مخاطبة الطبقات الشعبية منذ بداية سلسلة أفلام اللمبي وما خلفها بعضها اعتمد على التوليفة المعتادة "رقص وغناء وكوميديا مفتعلة" وآخر قدم دراما جذابة تمثلت في سلسلة أفلام الكاتب أحمد عبد الله بداية من فيلمه "كباريه". وربما تعكس التجربة الأولى للمنتجة رنا السبكي اتجاه العائلة إلى تغيير المسار وصناعة أفلام حتى وإن لم تكن شديدة الجدية أو تعاني من ارتباك في صياغة الفكرة الدرامية كما في "أهواك"، لكنها ربما تَنتج مع مرور الوقت تيارًا إنتاجيًا مختلفًا، بالطبع سيفكر خارج الصندوق بإنتاج أفكار أكثر جذباً وترابطاً مع الأحداث، وربما أيضاً تحمس كتابًا ومخرجين للعمل فيها.