أكد كتاب صدرت ترجمته العربية، أن الأدب الذي تناول موضوعات جنسية ظل طوال التاريخ ملاحقًا من الرقابة وللملاحقة القضائية، فقد بدأ حظر أول كتاب من هذا النوع في العصر الحديث عام 1727 عندما اعتبرت المحكمة كتاب "فينيرا في الدير" خرقًا للقوانين. ويرى كتاب "الأيروس والثقافة.. فلسفة الحب والفن الأوروربي"، الذي صدرت ترجمته العربية عن دار المدى مؤخرا أن سوق النشر العالمي تفتقر وجود مؤلفات مخصصة لفلسفة الحب، بينما تزيد المنشورات الموجهة للجنس بالمعنى الرخيص. الكتاب من تأليف فيا تسشيسلاف شستاكوف، وترجمة نزار عيون السود، ويشدد على الفارق بين الحب والجنس، فالجنس بحسب الكتاب مجال غير شخصي في الانسان أنه سلطة عامة، أما الحب فهو فردي دائما مفعم بمعنى روحي لا يمكن مماثلته مع الرغبة الجنسية البسيطة. ويعدد صور الملاحقة القضائية للكتب والمؤلفات التي تناولت الجنس كموضوع للكتابة الفنية، في بلدان أوروربية مختلفة ففي أواخر القرن 17 عانت الأخلاق الفيكتورية في انجلترا أزمة كبيرة في مجال الاعتراف بماهو إباحي وبذيء في الفن والأدب إلى أن وجه أوسكار وايلد ضربات قاسية وخطيرة ضد هذه النزعات المحافظة لكن المجتمع الانجليزي المحافظ انتقم منه بالحكم عليه بالسجن. ويوضح الكتاب أن القرن العشرين أوجد منظومة جديدة من القيم الروحية والأخلاقية بفضل التقدم العلمي الذي جعل القيم المحافظة أقرب ما تكون الى قيم هابطة وقديمة، وخلق فهما جديدا للإيروسية وبفضل مدارس التحليل النفسي وعلى رأسها الفرويدية (دراسات سيجموند فرويد وتلاميذه) التي عالجت موضوع الجنس من منظور واسع برز معه الحب كصيغة ناتجة عن النزعة الجسدية التي تتجلى في مرحلة مبكرة من العمر، ومن هنا بدا عمل فرويد ثوريا لأنه أول من كشف عن إمكانية وجود المبدأ الجنسي في مختلف مجالات السلوك الانساني. ويتابع الكتاب تناول موضوع الحب في أعمال مفكرين وعلماء نفس بوزن إريك فروم و جان بول سارتر وهربرت ماركيوز الذي وجه نقدا حادا لأفكار فرويد مؤكدا إمكانية وجود ثقافة متحررة من مفهوم الكبت يكون معه "الإيروس" وسيلة لتحقيق الشخصية وتأكيد الذات . بينما كان من اللافت كذلك أن فيلسوفا شهيرا مثل ميشيل فوكو استبعد عمدا من كتابه "تاريخ الجنس" أي تحليل للمارسة السلوك الجنسي في العصور التاريخية المختلفة، لكنه يؤكد أن الجنس ظل دائما أداة في يد السلطة تراقب بواسطتها الحياة الشخصية بل المجتمع كله. يلفت الكتاب النظر إلى أن الكثير من الأعمال التي لوحقت كأعمال إباحية باتت اليوم من كلاسيكيات الأدب ضاربا المثل ب"عشيق الليدي تشاترلي"، لد.اتش لورانس و"لوليتا" لنابوكوف لأن النزعة المحافظة في الغرب استهلكت نفسها، لكن هذا لا يعني اختفاء الداعيين لمزيد من الرقابة فلا تزال هناك أصوات تعتقد أن الانتشار الواسع للإباحية في الثقافة المعاصرة قد يؤدي الى تآكل القيم الروحية وتوحش المجتمع. ويدرس الكتاب معنى فلسفة الحب وهي قضية وثيقة الصلة بجانب فلسفي هام وهو الأخلاق كما ان الفلسفة الأوروربية أدركت الصلة الوثيقة التي تربط بين الحب والمعرفة وعلى هذه الخلفية ولدت النظرية الهامة حول "الإيروس الأفلاطوني" حيث ينظر الى الحب كطريق إلى "المعرفة الإيروسية" كطريق للحقيقة واكتشاف قيم الوجود الانساني الشامل وعلى الرغم من ذلك فأن مكانة الحب وأهميته في تاريخ الثقافة الأوروربية موضوع لم يخضع للبحث والدراسة إلى حد كبير. ويظهر الكتاب تأثير فلسفة الحب على الثقافة في جميع مظاهرها وتجلياتها المتنوعة وتحديدا على الأدب الروائي والشعر والفنون التشكيلية، ويفرق الكتاب بين "الإباحية" وبين "الايروسية" بمعنى الحب الجنسي، حيث اتجهت جهود فلاسفة الفن ومؤرخيه الى البحث عن معايير التمييز بين الاثارة الجنسية والاباحية، فالاثارة تفسر في الفن على انها المتعة الحسية بينما ترتبط الاباحية غالبا بتصوير الاحاسيس الشهوانية والرذالة والشذوذ السيكولوجي والجمالي .ويشير الى أن سوق الكتاب يغص بكتب جنسية بدءا بالابحاث الجادة حول سيكولوجية الجنس الى أرخص التوصيات حول قضايا الحياة الجنسية. الكتاب صدر في 320 صفحة من القطع المتوسط اضافة الى ملزمة لونية للوحات تظهر كيفية معالجة موضوع الحب عبر التاريخ.