بدأت في المغرب بطولة كأس الأمم الإفريقية على ملعب الأمير مولاي عبد الله في العاصمة الرباط، وسيفاجأ المشاهدون في الأيام التالية، باستاد يحمل اسم "ابن بطوطة" في مدينة طنجة، والذي يستضيف مجموعة من منتخبات الفرق المشاركة، بعد تجديدات وتحديث شامل. وقد ارتبطت الرحلة في ذهن المصريين والعرب بابن بطوطة، أكثر من أي رحالة آخر، على كثرتهم اللافتة، وأطلق عليه المؤرخون لقب "جوالة العرب". وكانت القاهرة المحطة الرئيسة في الرحلة من الشرق إلى الغرب، والتي أفرزت عشرات الأسماء في هذا الفن؛ لأن الجغرافيا منحت العاصمة المصرية الدور المحوري في طرق المواصلات في العالم القديم. وتميز في هذا الإطار الرحالة المغاربة الذين يسيرون في قوافل بمحاذاة شاطئ المتوسط وصولًا إلى الإسكندرية، وقد يعرجون على القاهرة أولًا، تبعًا لمواعيد قوافل السفر إلى الحجاز، أو يذهبون مباشرة، وتكون القاهرة ومدن مصرية عدة المحط والملاذ في طريق العودة. وكانت الرحلة إلى مكة والمدينة أهم دافع لاتجاه العلماء المغاربة شرقًا، ولم تنتج رحلة الحج العظيمة رحالة فحسب، مثل "ابن بطوطة"، الذي وصف الروائي المغربي بنسالم حميش رحلته بأنها "رحلة المتعة والتقوى"، إنما قدمت لنا شيوخًا ومتصوفة وأولياء الله الصالحين، ومشاهيرهم في الإسكندرية. مثل سيدي المرسي أبوالعباس قادمًا من الأندلس مرورًا بالجزائر ثم تونس فمصر، وسيدي جابر من الأندلس وسافر عبر المغرب إلى ليبيا فمصر، إلى سيدي بشر القادم من المغرب، فسيدي عبد الرحمن من المغرب، كل الأسياد المنتشرون في الإسكندرية قدموا من الأندلس والمغرب واستطاب لهم المقام. وكذلك أبوالحسن الشاذلي في مرسى علم جنوبالبحر الأحمر. أفرزت الرحلة المغاربية إلى مصر، للهدف الأسمى وهو الحج، علماء مثل ابن خلدون، وجغرافيين مثل الحسن بن الوزان، أو كما يعرفونه في أوروبا ب"ليون الإفريقي" صاحب كتاب "وصف إفريقيا"... والقصد هنا أن أضرب أمثلة وليس الحصر. أعلام الرحلة العربية كثيرون ولكن "ابن بطوطة" له مذاق خاص، وقد وضع خلاصة رحلته في كتابه "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار".. ولقد انبهر بالقاهرة، التي زارها سنة 1326 ميلادية، ما يعني أننا واعتبارًا من يناير المقبل، أمام مناسبة مرور 700 سنة على حضوره اللافت لمصر، مناسبة جديرة للاحتفال بالرحالة الكبير، من قبل وزارة الثقافة، وبالعلاقات الثقافية مع المغرب، وبمشاركة من منظمة اليونسكو ومديرها د. خالد عناني، بكتابات فن الرحلة العربية المميز. ويمكن أن يمتد الاحتفال حتى شهر يونيو المقبل، وهو الشهر الذي حل فيه في مصر قادمًا من طنجة ومتجهًا إلى مكة والمدينة. وقد استمرت الرحلة نحو ثلاثين عامًا، وعلى وجه الدقة 29 عامًا، زار خلالها أيضًا دمشق ومدنًا عدة من دول آسيا الوسطى والقسطنطينية والهند والصين، وتحمَّل الأجواء المختلفة والمصاعب الجمة التي يشرحها في كتابه، والمصائب التي تعرض لها، والأحوال المواتية التي لاقى الكثير منها. وفي كتابه النادر رأى "ابن بطوطة" سكان القاهرة، أنهم "يميدون في شوارعها الضيقة كأمواج البحر، فيهم 12 ألف سقاء و30 ألف حمال و36 ألف مركب في عرض النيل، ومستشفى مجاني". وإذ يصف القاهرة بأنها "أم البلاد" و"أنها قهرت الأمم"، فإنه زار مدن الإسكندرية، ودمنهور، ودمياط، وفارسكور، وسمنود، وبلاد الصعيد، وجال بين الآثار. وعن زيارة مصر: "ذات الأقاليم العريضة والبلاد المتناهية في كثرة العمارة، المتباهية بالحسن والنضارة، مجمع الوارد والصادر، ومحط رحل الضعيف والقادر، وبها ما شئت من عالم وجاهل، وجاد وهازل، وحليم وسفيه، ووضيع ونبيه، وشريف ومشروف، ومنكر ومعروف". وهي "تموج موج البحر بسكانها، وتكاد تضيق بهم على سعة مكانها وإمكانها، شبابها يجد على طول العهد، وكوكب تعديلها لا يبرح عن منزلها السعد". أما نهر النيل فهو "يفضل أنهار الأرض عذوبة ومذاقًا، واتساع قطر، وعظم منفعة، والمدن والقرى بضفتيه منتظمة ليس في المعمور مثلها، ولا يعلم نهر يزرع عليه ما يزرع على النيل وليس في الأرض نهر يسمى بحرًا غيره". أما أهل مصر في ذلك الزمان، فقد لاحظ أنهم "محبون للفرح والسرور، ويقيمون الاحتفالات، وارتبطوا بسلطانهم الناصر" وكان الحاكم وقتذاك الناصر محمد بن قلاوون، وهو أبرز سلاطين المماليك حكمًا، وشهدت مصر على يديه نهضة معمارية وزراعية، ويصف المؤرخون حكمه بأنه أزهى عصور الدولة المملوكية. وتقف مدرسته في شارع المعز لدين الله الفاطمي شامخة بمئذنتها الجميلة، كما يحفظ الزمان جامعه ومدرسته بقلعة صلاح الدين الأيوبي. وعندما نزل "ابن بطوطة" مصر وأعجب بحركة العمران بها، وبما تتناقله الألسن عن الناصر محمد بن قلاوون، طلب مقابلته، وطال اللقاء، ليسجل في كتابه أن الناصر يقوم بإعانة الحجاج، وتزويدهم بالجمال والماء والزاد اللازم، واهتمامه ببناء المساجد والمدارس. لنعود من بلاد ابن بطوطة، المنتخب الوطني لكرة القدم، بكأس الأمم، أو بمركز متقدم في فرسان البطولة.