قد تكون السنوات الماضية قتلت الأمل في وجود عنصر طفولي في الأعمال السينمائية المقدمة، بل إن ذاكرة المشاهد توقفت عند حدود أطفال بعينهم كأحمد فرحات، وإيناس ودينا عبد الله، حتى أن مشاركتهم كانت متوقفة على ظهورهم في مشاهد بعينها، ليعود إلينا المخرج عمرو سلامة ويحيي الأمل من جديد في تقديم سينما موجهة عن الطفل المصري بخفة ظله، وذكائه وهمومه ومشاكله، كل ذلك في إطار قصة خفيفة ممتعة تجبرك على التركيز معها من الوهلة الأولى. فيلم "لا مؤاخذة" الذى طرح منذ أيام بدور العرض السينمائية، مغامرة سينمائية خاضها مؤلفه ومخرجه عمرو سلامة منذ عام 2010، عندما اعترضت الرقابة على سيناريو العمل رغم أنه لا يحوى بداخله أي مشاهد تحث على الفتنة الطائفية بل على العكس فالفيلم عرض أزمة حقيقية لا يمكن إنكارها في المجتمع، وأنهى القصة بشكل يحمل قدرا كبيرا من التفاؤل. قصة طفل من الطبقة الأرستقراطية، يعيش حياة مرهفة حيث يتلقى تعليمه بمدرسة إنترناشونال، ويعشق العلوم والاختراعات من خلال التجارب التى يقوم بها في مدرسته، يتوفى الأب فجأة وتبدأ المشاكل تحاصر والدته لينتقل بعدها إلى إحدى المدارس الحكومية لاستكمال دراسته. من هنا تبدأ قصة نجاح الفيلم ورسائله التى تحمل بين طياتها الكثير والكثير، بداية من نجاح المخرج عمرو سلامة في العمل في توظيفه قدرا كبيرا من مجاميع الأطفال الذين لا يقل عددهم عن ما يقرب من 300 طفل، وهو أمر في غاية الصعوبة وصولاً إلى خلق نجوم من هؤلاء الأطفال، حيث تلقائيتهم في العمل بشكل يوضح للجميع أنه يشاهدون أطفالا على أرض الواقع. أحمد داش أو "هانى عبد الله" الطفل "ابن الذوات" الذى تضطره الظروف إلى إنكار ديانته المسيحية نظراً لأن جميع زملائه بالفصل مسلمون، يؤكد على مشروع نجم في المستقبل، فتعبيرات وجهه، وخفة ظله، وقبوله على الشاشة تمنحه هذا اللقب بجدارة، كل ذلك جاء في ملامحه بداية من صدمته في اليوم الأول لوجوده في مدرسة حكومية ورؤيته لمشاهد زملائه وهم يضربون بعضهم البعض قبل طابور الصباح، وخطفهم للسندويتش المدرسي منه وغيرها وصولاً إلى تحوله ومحاولة وصوله ليكون واحدا منهم حيث يتعلم الكونغ فو ليتمكن من الرد على عنف زملائه، ويحاول حفظ بعض الأغانى الشعبية وحركات الرقص عليها أملاً في خلق صداقة بينه وبين زملائه. داش ليس البطل الأوحد في هذا الفيلم، لكن الطفل أبو بكر الذى قدم دور "على" لا يقل نجومية عنه، حيث نجح في تقديم نموذج واقعي لأحد أبناء المدارس الحكومية بطريقة حديثهم وأفعالهم، وبلطجتهم في التعامل مع من هم أقل قوة منهم، وكان النجاح الأكبر لأبو بكر استخدامه لإيفيهات كوميدية طوال الوقت ارتفعت معها أصوات ضحكات الجمهور بشكل مستمر. وبالإضافة إلى داش وأبو بكر، قدم الفيلم نماذج كثيرة لمواهب متعددة من الأطفال الذين ظهروا كأصحاب ل"هانى"، من بينهم "مؤمن" الذى كان الحصن الآمن له بعد انتقاله في هذه المدرسة ليشاركه في كل خطواته ومواجهته لكثير من المشاكل، ورغم فرقتهم لفترة فإنهم يعودون أصدقاء ثانية، وهي رسالة أخرى ضمن رسائل كثيرة يحملها الفيلم. أكثر من مشهد مؤثر يستحق التقدير من صناع الفيلم، من بينها وجود المصحف بداخل كتاب الإنجيل أثناء قراءة "هانى" له، وآخر تبتعد فيه والدته عن أية مظاهر إيمانية حتى أن كاهن الكنيسة كان دائم السؤال عنها إلا أنها تستيقظ وتعود لصوابها، والأهم مشهد نهاية الفيلم الذى يؤكد بشكل غير مباشر تغلب "هانى" و"على" على مشكلة ديانة الأول التى أخفاها عن زملائه في شكل غير مباشر وبسيط. لا يمكن إغفال عناصر الديكور، والموسيقى، والتصوير في هذا العمل، والتى جاءت جميعها تحمل رقيا وبساطة، تعبر عن أحداث الفيلم بدون "أفورة"، والأميز تقديم هانى عادل بطل الفيلم الذى قدم دور الأب، لأغنية ضمن أحداث الفيلم بمشاركة عدد من كورال الأطفال معه. صوت الراوى الذى قدمه الفنان أحمد حلمى كان له دور في إضفاء عنصر تشويقي، للتعريف بالقصة في بداية الأحداث تحديداً. أما كندة علوش التى قدمت دور والدة الطفل "هانى" فكانت ملامح وجهها هى الأكثر تعبيراً في دورها، وظهر هذا جلياً في أحد المشاهد التى سئمت فيها من الحديث مع مدير المدرسة الذى تميز في تقديم دوره الفنان بيومي فؤاد، حيث صرخت في وجهه بقوة وقالت له "احنا مش هنسمح لحد يضطهدنا". من يشاهد فيلم "لا مؤاخذة" يتأكد أن مسألة تحفيزه على افتعال فتنة طائفية كما يدعي البعض حتى الوقت الحالى، أمر غير واقعي بالمرة، ومن الأولى أن ينظر الجميع للرسائل التى يحملها الفيلم، وكيف أن وضع يده على التناقض الذي يعيش فيه الأطفال بين مستويات اجتماعية مختلفة، وكيف يمكن للطفل أن يتحمل المسئولية ويواجه مشاكله بذاته منذ الصغر حتى وإن كان أخطأ في بعض الأفكار. يُذكر أن مؤلف ومخرج الفيلم عمرو سلامة، وجه الشكر لعدد من الشخصيات الفنية في تتر الفيلم، منهم المخرج خالد يوسف، والمنتج الدكتور محمد العدل وآخرون، وذلك بعد أن قدموا دعمهم للمشروع.