يكتسب الجدل الدائر حول تدني نسبة مشاركة الشباب في الاستفتاء على دستور 2014، أهمية في ضوء كون ثورة 25 يناير 2011 الثورة التي أطلقها الشباب وساندها الشعب، وفي كون حركة تمرد التي أسقطت محمد مرسي هي حركة شبابية بامتياز، وهو ما يرفع من التوقعات الخاصة بحجم مشاركة الشباب في أي عملية انتخابية، وبتمثيل الشباب في النظام الجديد في مصر. ويلاحظ أنه قد سيطر على مناقشة نسبة مشاركة الشباب في الاستفتاء نظرية "المؤامرة"، على نحو جعل ما يسيطر على النقاش، هو محاولة اثبات مشاركة الشباب من عدمه في الاستفتاء، ويمكن فهم ذلك في إطار تزامن الاستفتاء مع تسريب بعض التسجيلات الخاصة بنشطاء عرفوا محليا ودوليا بأنهم "رموز" لثورة 25 يناير 2011. ويمكن تحديد بعدين لنظرية المؤامرة المسيطرة على هذا النقاش، البعد الأول هو "الاستهداف"، فالتصور السائد لدى قطاع من المؤكدين لتدني نسبة مشاركة الشباب، أن هناك استهدافا لقطاع الشباب، خاصة الشباب النشط سياسيا، والذي يتبنى موقفا معارضا من الدستور، ووفق هذا التصور، تدني مستوى مشاركة الشباب، في حال صحة ذلك، هو أمر مقصود ومفتعل من الجهة القائمة على الاستفتاء. ويقوم البعد الثاني على أن الادعاء بتدني مشاركة الشباب، يهدف إلى غلق أي فرص مستقبلية لمشاركتهم وتمثيلهم في النظام الجديد الذي سيتم انشاؤه وفقا للدستور، على أساس أنهم لم يشاركوا في الاستفتاء، ويؤمن أنصار هذا التوجه بانه تم توظيف الشباب في 30 يونيو حتى يتم تحسين صورة ماجرى في يونيو، والإلهاء عن أنها تمهد لعودة النظام القديم، ولذا لايرى هؤلاء أهمية لتمثيل الشباب في لجنة كتابة الدستور، أو في الحكومة الحالية، أو أهمية للدور السياسي الذي تلعبه تمرد وعدد من الرموز الشبابية في الاجتماعات التي تعقد مع الحكومة الانتقالية. ويثير هذا الجدل قضيتين مهمتين بقدر أهمية الحديث عن نسب المشاركة. تتمثل القضية الأولى في أن الحديث عن تدني نسبة مشاركة الشباب في الاستفتاء، ينبغي أن يوضع في سياقه، فاجمالي المشاركين يمثل 20,613,677 مليون، وهو عدد يتفق ومتوسط المشاركة في الانتخابات والاستفتاءات المصرية طوال الفترة السابقة على ثورة يناير 2011، وقد مثل هذا العدد نسبة 38.6% أي نسبة تفوق نسبه المشاركين في استفتاء دستور 2012، حيث بلغت 32.9%. ورغم عدم صدور بيانات رسمية عن اللجنة العليا للانتخابات، مفصلة بالفئات العمرية، المشاركة في الاستفتاء، فإن بعض الجهات المتابعة للانتخابات، طورت بعض الاحصاءات، فعلى سبيل المثال، أصدر المركز الإقليمي احصاء يفيد بأن مشاركة الشباب من الفئة العمرية 21-30 سنة بلغ 29.4 % من اجمالي المشاركين في الاستفتاء، في حين يشير قرير مؤسسة عالم واحد، أنه بالاستناد إلى نتائج القاريء الإلكتروني في 40 لجنة فقط، بلغت نسبة المشاركين في هذه اللجان لمن هم أقل من 30 سنة 16% من اجمالي المشاركين في اللجان الأربعين، وهي نسبة لايمكن تعميمها على باقي اللجان. وبحسب البيانات المنشورة على موقع اللجنة العليا للانتخابات، والخاصة بأعمار الناخبين، فإن عدد من الناخبين في الفئة العمرية 18-20 سنة 4020376 ناخب من الذكور والاناث، وعدد الناخبين في الفئة العمرية 12-30 سنة 15488279 ناخب من الذكور والاناث، باجمالي 19508655 ناخب، من اجمالي الناخبين، البالغ 53,423,485، أي مانسبته 36.51%. وبافتراض أن هذه النسبة تمثل نسبة هذه الفئة العمرية، من اجمالي المقيدين في جداول الانتخاب، حيث لايذكر موقع اللجنة غير ذلك، فإنه من الممكن ان تكون نسبة مشاركة هذه الفئة العمرية في الاستفتاء، تقترب من نسبة تمثيلها في قاعدة بيانات الناخبين. ويظل النقاش السائد حول نسبة المشاركة، يهتم بدلالات المشاركة دون الاهتمام بدلالات المقاطعة، فمن قاطع فقد اتخذ ايضا قرار سياسي بالمقاطعة، وكلا الخيارين المشاركة والمقاطعة يعبران عن نمط من المشاركة السياسية. وتنصرف القضية الثانية، إلى أن الاستدلال على تدني نسب المشاركة بغياب مشاركة حركة 6 أبريل وغيرها من القوى المنظمة، يعد تجاهلا لحقيقة ان السلوك التصويتي للمصريين بصفة عامة لم تحكمه وفق خبرات تاريخية سابقة، أي قيود تنظيمية، تتعلق بالانتماء لجماعة سياسية معينة، باستثناء جماعة الإخوان المسلمين التي تعرف بارتفاع مستوى الالتزام التنظيمي فيها، كما أن القوة التصويتية لهذه القوى، لم تختبر بصورة منفردة من قبل. ولايعني عدم الانتماء لأي من هذه القوى تدني الرغبة في المشاركة السياسية، وهذا ما تكشف عنه ثورة يناير 2011 وثورة يونيو 2013، فالحشود الكبيرة في الميادين شكلتها الفئات الغير منتمية لاطر سياسية واضحة أو جامدة، وتلك التي تشارك في الحياة السياسية مشاركة "موسمية". يظل تمثيل العناصر المؤهلة من الشباب في النظام السياسي الجديد الذي يؤسس له دستور 2014، تحدي حقيقي تواجهه مصر، وليس الشباب المصري فقط، خاصة في ظل سيطرة بعض التوجهات "الأبوية" على الحياة السياسية المصرية، وهي توجهات ثار ضدها الشعب المصري، كما ثار ضد محاولات تهميش المرأة في الحياة السياسية.