للوهلة الأولى، يبدو أن فن "الكومكس" أو القصة المصورة بالعالم العربي بلا تاريخ، وأن ظهور فن الكومكس المصري بشكله الحديث لم يكن إلا مع ازدهار هذا الفن بالغرب ونقل الرسامون الشباب له كأداة للتعبير عن نبرة الاحتجاج المتصاعدة بمصر ما قبل الثورة 25 يناير، لكن ظروفا مشابهة مرت بها مصر قبل ما يزيد على المائة عام أنتجت أولى مجلات الكومكس بالعالم العربي ببدايات القرن التاسع عشر كما أشارت صحيفة الإيكونومست البريطانية في أسطر قليلة من مقالة حول فن الكومكس بالشرق الأوسط. ولم تستفيض صاحبة المقال سارة بريك في الحديث عن علاقة الشكل المعاصر لفن الكومكس بالخلفية التاريخية التي وضعتها لموضوعها عن على فرزات الرسام السورى، لكنها فقط استعانت بالرجوع لمجلة "أبو نضارة زرقاء" للصحفي والمسرحي اليهودي السوري يعقوب صنوع (1839- 1920) الذي أصدر النسخة الأولى من صحيفته الساخرة عام 1877 بمصر. "أبو نضارة زرقاء" هي واحدة من أهم الإصدارات الصحفية العربية على الإطلاق والتى سخر فيها صنّوع من الفساد المالي والاحتلال البريطاني فى عهدي الخديو إسماعيل ومن بعده توفيق. وبيعت إحدى نسخها النادرة فى 2008 لمركز هايدلبرج للبحوث والعمارة بحوالى 13 ألف جنيه إسترليني أي ما يوازى 130 ألف جنيه مصري، ليطلق المركز موقعا يحوى عددا من رسوم صنوع وأغلفة مجلاته لاحقًا. صنّوع لم يكن إلا وجهًا ثقافيًا من وجوه الثورة يمصر ضد الاحتلال وفساد السياسات المالية آواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، والتي بدأت بالموجة العرابية أو ما سمّى "ثورة العدل"، ثم "ثورة التنوير" التي قادها رموز مثل جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده وغيرهم من مفكري وفناني مطلع القرن العشرين، وتبلور الشكل السياسى والاجتماعى الأشمل في ثورة 1919 للمطالبة بالجلاء عن مصر ومن بعدها ثورة الحريات للمرأة والتى قادتها هدى شعرواى وأمينة السعيد وغيرهن من رائدات النسوية في العالم العربي. ورفع صنوع شعار "مصر للمصريين" الذي أشار له جوناثان جاير الباحث الأمريكي في فن الكومكس بالشرق الأوسط بمدونته "أم كارتون Oum cartoon" في موضوع بعنوان (الرجل الذي رسم كثيرًا جدًا) ونشر فيه بعض نماذج لرسوم صنوع ونبذة عن حياته. ويقول جوناثان إن الباحث إليوت كولا رصد عداء صنوع للإمبريالية، وانتقده اللاذع لظلم نظام التمويل العالمي والذى خلق أزمة ديون مصر، بشكل أدى إلى نفيه من مصر بأمر من الخديوي توفيق في 1878 لفرنسا. التقى صنوع في منفاه بقادة التنوير فى العصر الحديث منهم جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده وإبراهيم المويلحي وخليل غانم، وأصدر صنّوع مجلته بأسماء شتى بعد مصادرتها عدة مرات، فتارة يسميها "أبو نضارة" وأخرى يسميها "أبو زمارة" وقد أُحصى منها عشر أسماء، وراسل أحمد عرابى في منفاه بجزيرة سيلان حسب عدد من المصادر التاريخية. ولم يتخل صنّوع في منفاه عن قضية رفض الاحتلال البريطاني والفساد بمصر فأصدر عددا من الصحف بالعريبة والفرنسية فى أنحاء أوروبا كان بعضها يتم تسريبه لمصر التي منعت طباعة أعماله. يذكر أن أرشيف المجلات والنسخ النادرة للإصدار العربي من "أبو نضارة زرقاء" التي أصدرها صنوع بمصر التهمها حريق المجلس الأعلى للصحافة الملاصق لمبنى الحزب الوطني بأحداث الثورة 2011، وأن أرشيفا شبه كاملا موجودا بمكتبة جامعة القاهرة التراثية المهددة بالإغلاق أو التلف أو السرقة بسبب إصرار الجامعة على تحويل المبنى إلى قاعات محاضرات لطلاب كلية الآداب، وتصفية الكتب والمجلدات التراثية بالمكتبة.