أعاد التفجير الذي استهدف بلدة الريحانيةالتركية الواقعة على الحدود مع سوريا في 11 مايو الجاري، الحديث مرة أخرى عن حجم التأثير الذي يمكن أن تمارسه تركيا في الصراع الدائر في سوريا منذ مارس 2011، خاصة وأنه جاء بعد أيام من تصريح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بأن نظام الأسد تجاوز الخط الأحمر الخاص باستخدام الأسلحة الكيميائية "منذ فترة طويلة مضت". رسائل دمشق: لايعد تفجير بلدة الريحانية الذي أدى الى مقتل 46 شخصا وجرح 100 شخص هو الأول من نوعه، حيث شهدت الحدود بين سوريا وتركيا عدة مناوشات ومواجهات بين مسلحي المعارضة السورية والجيش السوري، والقوات التركية، فعلى سبيل المثال، حدثت مناوشات بين جنود اتراك ومسلحين سوريين في 2 مايو الجاري، وأدت الى مقتل شرطي تركي وجرح ستة عناصر عسكرية، كما انفجرت سيارة مفخخة على نقطة عبور حدودية في إدلب السورية، في شهر فبراير الماضي، وأدت إلى مقتل 14 شخصا، واتهم وزير الداخلية التركي حينها المخابرات السورية والجيش السوري بالضلوع في التفجير. كما وقعت مدينة اكشاكالي القريبة من الحدود السورية، ضحية المعارك في سوريا، بعد سقوط قذيفة سورية في أكتوبر 2012 أسفرت عن مقتل خمسة مدنيين أتراك. وتأتي أهمية تفجير هذه البلدة مرتبطة بكونها من المناطق التي يتركز فيها اللاجئين السوريين في تركيا، وهي مناطق شهدت طوال الفترة الماضية اضطرابات نتيجة وجود عناصر "مندسة" كما تشير إلى ذلك بيانات وزارة الداخلية التركية، سواء كانت عناصر سورية دخلت الى مناطق تركز اللاجئين السوريين على الحدود مع تركيا، او جماعات معارضة تركية نجحت المخابرات السورية في اختراقها، كما في حالة جماعة ميرهاك أورال الماركسية، المسئولة عن التفجيرات الأخيرة. وبالتالي، تحمل هذه التفجيرات رسالة واضحة من دمشق، مفادها أن بامكانها نقل المعركة مع المعارضة إلى داخل تركيا، على نحو يهدد الأمن القومي التركي، طالما لم تغير تركيا موقفها من الصراع في سوريا. كما تأتي هذه التفجيرات في الوقت الذي استقرت فيه قناعة خلال الفترة الماضية، بأن حل الصراع في سوريا أصبح يتطلب توافقا دوليا بين روسيا والولايات المتحدة تحديدا، وليس إقليميا من خلال الرباعية الإقليمة التي طرحتها مصر، أو عن طريق تركيا, حيث تعيد هذه التفجيرات للواجهة أهمية القوى الإقليمية في تسوية الصراع في سوريا، ولعل هذا يفسر اتجاه مساعد الرئيس المصري للشئون الخارجية عصام الحداد الى تركيا بعد يومين من التفجيرات للبحث في إحياء مبادرة الرباعية الإقليمية، التي تضم مصر والسعودية وإيران وتركيا. تركيا رأس الحربة؟ توافرت قناعة لدى المحللين منذ اندلاع الثورة السورية أن تركيا هي رأس الحربة التي تستطيع أن تنهي الصراع في سوريا، وسعت تركيا لدعم هذه القناعة من خلال عدد من الاستراتيجيات، تمثلت الاستراتيجية الأولى في فتح أراضيها للمعارضة السورية، على الرغم من تحذيرات دمشق، وعلى رأسها جماعة "الإخوان المسلمين"، فعلى سبيل المثال، سمحت أنقرة لرموز المعارضة السورية المنفيين بالاجتماع في تركيا، كما أعلن تشكيل المجلس الوطني السوري رسمياً في اسطنبول في أغسطس 2011. كذلك أعلن عن تشكل الجيش السوري الحر من تركيا. كما تستضيف تركيا الآن جماعات المعارضة السورية الرئيسية، وتؤوي قيادات الجيش السوري الحر المعارض. كما دأبت تركيا على استضافت اجتماعات أصدقاء سوريا، وسعت لحث الدول على تقديم الدعم للمعارضة السورية، وكان قد عقد آخر اجتماع في أسطنبول في 20 أبريل 2013، والذي أقر تقديم دعم مالي للمعارضة السورية. وتمثلت الاستراتيجية الثانية في طرحها المستمر لقضية اللاجئين باعتبارها المستضيف لأكبر عدد منهم، وأن هناك بعد انساني للصراع في سوريا يتطلب تدخلا دوليا، ولكن لم تحظ هذه الاستراتيجية بدعم دولي حتى الآن، حيث بلغ العدد الرسمي للاجئين وفق احصائيات منظمة الأممالمتحدة لشئون اللاجئين حتى مايو الجاري 329.466 ألف لاجيء. وتتمثل الاستراتيجية الثالثة في محاولاتها جعل الناتو طرف في الصراع ، وتكرر ذلك بعد استهداف القوات السورية للطائرة التركية في يونيو 2012، وقد نجحت تركيا في اقناع الناتو في نشر ست بطاريات صواريخ باترويت و400 جندي على الحدود مع سوريا، منذ يناير 2013، بهدف حماية الحدود مع سوريا التي يبلغ طولها 900 كلم. إلى جانب ذلك، اتجهت تركيا مؤخرا، لتوفير شبكة أمان للحل السياسي للصراع في سوريا، استنادا لاتفاق جنيف، من خلال تحييدها موقف الأكراد، حيث كان لإعلان تركيا التوصل لهدنة مع الأكراد دوره في تحسين صورة تركيا لدى أكراد سوريا، الذين نجحوا في السيطرة على عدة مناطق في شمال سوريا. رغم أهمية الدور التركي في تسوية الصراع في سوريا، حيث لا يمكن أن تنجح القوى الدولية في تسوية هذا الصراع سياسيا أو عسكريا بدون تنسيق ما مع تركيا، وبدون استراتيجية إقليمية تضمن تنسيق ما مع الأردن والعراق وإسرائيل، إلا أن هناك "حدودًا" لقدرة تركيا على إحداث اختراق في هذا الصراع منفردة، ولعل هذا يفسر حرص تركيا على عدم التدخل بصورة منفردة في سوريا، وحاجتها الى غطاء دولي، سواء من قبل مجلس الأمن أو من قبل حلف الناتو.