بعد أن أودعت دائرة طلبات رجال القضاء بمحكمة استئناف القاهرة حيثيات حكمها بإلغاء القرار الجمهوري الصادر بتعيين المستشار طلعت عبد الله في منصب النائب العام، واعتباره كأن لم يكن، وإلغاء جميع الأثار المترتبة عليه.. وبعد أن بينت تلك الحيثيات من أن الحكم يعني عودة المستشار عبد المجيد محمود إلى منصب النائب العام..انتقل الجدل حاليا إلى وقت تنفيذ الحكم، وهل الحكم نافذ فورا فيكون النائب العام الحالي هو عبد المجيد محمود، أم أنه لا ينفذ إلا بعد الطعن عليه وصدور حكم نهائي من محكمة النقض بتأييده؟، لأن محكمة النقض قد ترفض الحكم وتقضي بعكسه، ومن ثم يكون النائب العام الحالي هو طلعت عبد الله؟. هناك تساؤلات أخرى، منها: هل عدم نص على الحكم على وجوب نفاذه فورا يعني أنه غير نافذ أم أن عدم نص الحكم على ذلك بسبب أن أحكام الاستئناف واجبة النفاذ فور صدروها ولا تحتاج للنص على ذلك في أحكامها؟، وفي حالة أن الحكم واجب النفاذ فورا فهل الطعن عليه أمام محكمة النقض يوقف تنفيذه أم لابد أن تأمر النقض بذلك؟. "بوابة الأهرام" بحثت عن المواد القانونية والأحكام القضائية والمباديء المستقرة بشأن أحكام دائرة رجال القضاء بمحكمة استئناف القاهرة، لتتضح الصورة أكثر، وفي محاولة للوصول إلى حسم الجدل عن تلك الجزئية. ويجب الإشارة هنا إلى أن دائرة رجال القضاء كانت تتبع محكمة النقض، حتى تم نقلها إلى محكمة استئناف القاهرة، حين تم تعديل قانون السلطة القضائية في عام 2006، وهي دائرة اختصها المشرع استثناء بنظر الدعاوى الإدارية، التي تتعلق بشئون رجال القضاء، بحيث لا يتم نظر تلك الدعاوى أمام القضاء الإداري وتكون لتلك الدائرة نفس اختصاصات القضاء الإداري، فيما يتعلق بدعاوى رجال القضاء. وحسب المادة 83 من قانون السلطة القضائية المعدل بقانون 146 لسنة 2006 فإنها تنص على أن: "تختص الدوائر المدنية بمحكمة استئناف القاهرة دون غيرها، بالفصل في الدعاوى التي يرفعها رجال القضاء والنيابة العامة بإلغاء القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بأي شأن من شئونهم.. ويكون الطعن في الأحكام التي تصدر في الدعاوى المنصوص عليها في الفقرات السابقة، أمام دوائر المواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض، دون غيرها، خلال ستين يوما من تاريخ صدور الحكم". يذكر أن النص هنا لم يُشر إلى أن محكمة النقض في تلك الحالة هى محكمة موضوع أو ثانى درجة بالنسبة للطعون المرفوعه أمامها ضد الأحكام الصادرة عن تلك الدائرة بمحكمة الاستئناف، ومن ثم تظل خاضعة للقواعد التى تنظم عملها كطريق طعن غير عادى، والطعن أمامها لا يوقف التنفيذ طبقا للقاعدة العامة فى م 251 مرافعات، التى تنص على: "لا يترتب على الطعن بطريق النقض وقف تنفيذ الحكم، وأنه لا يمكن وقف تنفيذ الحكم إلا إذا أمرت محكمة النقض بوقفه مؤقتا إذا طُلب ذلك في صحيفة الطعن وكان يُخشى من التنفيذ وقوع ضرر جسيم يتعذر تداركه". وجهة النظر هذه يؤيدها المستشار الدكتور أحمد قناوي، رئيس محكمة بمحكمة الإسماعيلة الابتدائية، ويدعم وجهة نظره بأنَّ محكمة النقض تكون محكمة موضوع فى حالات محددة بنص القانون، وهى التى حددتها الفقرة الأخيرة من المادة 269 من قانون المرافعات المعدلة بقانون 76 لسنة 2007، التى تنص على أنه: "ومع ذلك إذا حكمت المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه وكان الموضوع صالحا للفصل فيه، أو كان الطعن للمرة الثانية، ورأت المحكمة نقض الحكم المطعون فيه وجب عليها أياً كان سبب النقض أن تحكم في الموضوع". وأضاف أن ذلك أيضا ينسحب على الطعون، التى ترفع ضد الأحكام الصادرة ابتداء من الدوائر الاستئنافية بالمحاكم الاقتصادية، إذ تنص المادة 12 من قانون 120 لسنة 2008 الخاص بالمحاكم الاقتصادية على: "أن تُشكل بمحكمة النقض دائرة أو أكثر تختص، دون غيرها، بالفصل في الطعون بالنقض في الأحكام المنصوص عليها في المادة (11) من هذا القانون، واستثناءً من أحكام المادة (39) من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، وأحكام الفقرة الثانية من المادة (269) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، إذا قضت محكمة النقض بنقض الحكم المطعون فيه حكمت في موضوع الدعوى ولو كان الطعن لأول مرة". ويؤكد أنه من مجموع ما تقدم فإنه يرى أن الأحكام التى تصدر من دائرة طلبات رجال القضاء تكون نافذة بطبيعتها، وأن الطعن عليها بالنقض لا يوقف تنفيذها إلا إذا أمرت محكمة النقض بوقف التنفيذ. وقد رصدت "بوابة الأهرام" حكما مهما صدر بتاريخ 22/5/2012 في منازعة خاصة برجال القضاء عن الدائرة المدنية بمحكمة النقض جاء فيه: "أن المستقر عليه في قضاء محكمة النقض أن دعاوى رجال القضاء والنيابة العامة هى منازعة إدارية أسند المشرع استثناءً سلطة الفصل فيها لدوائر المواد المدنية بمحكمة استئناف القاهرة دون غيرها لاعتبارات قدرها وبإجراءات بينها وحددها تحديد حصر، وتتفق هذه الدعوى مع سائر الدعاوى الإدارية من حيث أطراف الخصومة والحق المراد حمايته في كل منها، وتخضع دعاوى رجال القضاء في تسييرها والفصل فيها أمام محكمة استئناف القاهرة لأحكام قانون السلطة القضائية والقانون الإدارى باعتباره القانون العام في هذا الشأن". ويؤكد قناوي أن هذا الحكم يقطع الشك بالقين، ويؤكد أن الدعاوي أمام دائرة رجال القضاء بمحكمة استئناف القاهرة تخضع للقانون المعمول به في القضاء الإداري وبالطبع فإن أحكام القضاء الإداري نافذه فورا، والطعن عليها أمام المحكمة الإدارية العليا لا يوقف تنفيذها، والدليل هو الحكم الأخير الصادر بوقف انتخابات مجلس النواب، الذي لم يوقف تنفيذه الطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا. ولكن المستشار هشام رؤوف، مساعد وزير العدل لشئون ديوان الوزارة، أكد أن المقصود بحكم محكمة النقض هنا بأن دعاوى دائرة رجال القضاء بمحكمة استئناف القاهرة تخضع للقانون الإداري هو فيما يخص إجراءات إقامة الدعاوي وصحتها، أمام المعمول به في تنفيذ أحكامها هو أنها لا تسرى إلا بعد أن تصبح نهائية من محكمة النقض، مشيرا إلى أنه تم نقل تبعية دائرة رجال القضاء من النقض إلى الاستئناف في عام 2006، بناء على مطالبات القضاة وشكواهم من أن التقاضي لجميع أفراد المجتمع على درجتين إلا القضاة يكون على درجة واحدة أمام تلك الدائرة، حينما كانت تتبع النقض، ومن ثم فوفقا لتعديل قانون السلطة القضائية تم إنشاء تلك الدائرة بمحكمة استئناف القاهرة كمحكمة أول درجة للقضاة، ويكون الطعن عليها كثانى درجة أمام النقض. وشدد على أنه طالما أن قانون السلطة القضائية لم ينص على أن أحكام تلك الدائرة نافذة فورا فهي غير نافذة، إلا بعد أن تصبح نهائية من محكمة النقض. ولكن المستشار قناوي رد على ذلك بأن محاكم الاستئناف بطبيعتها تكون أحكامها نافذة فورا، ومن ثم فإن النص الخاص بهذه الدائرة في قانون السلطة القضائية لم يتطرق لتلك الجزئية، على اعتبار أنها دائرة ضمن محاكم الاستئناف وتخضع لما تخضع له جميع محاكم الاستئناف. ودلل على ذلك بأن جميع الأحكام الصادرة بتأديب القضاة عن تلك الدائرة تنفذ فورا، إلا إذا أمرت محكمة النقض بوقف تنفيذها، بناء على طلب ذلك في الطعن على الأحكام. ورغم هذا الجدل القانونى، إلا أن الواقع الفعلى المعمول به لأحكام هذه الدائرة منذ إنشائها هو الذي سيحدد القول الفصل في القضية، وهذا ما ستواصل "بوابة الأهرام" البحث عنه.