تمر ذكرى المبدع أحمد زكى دون أن تلقى اهتمامًا من التليفزيون المصرى، والفضائيات التى انهمكت فى حصار مدينة الإنتاج الإعلامى والتحقيقات الجارية مع عدد من النشطاء والإعلاميين وتداعيات قمة الدوحة وكلمة الرئيس فى القمة أو مع الجالية المصرية. أحمد زكى الفنان الأسمر الذى أعطى لمجند الأمن المركزى حقه فقدمه ببراءته وصدقه وولائه وتفانيه فى خدمة وطنه فى أحد أهم الأفلام التى عرفتها السينما المصرية وهو فيلم "البرىء" وهو أيضا الفنان، الذى كشف عن مافيا التعويضات فى فيلم "ضد الحكومة" وهو الممثل الأكثر قدرة على التعامل مع كل اللهجات الفلاح والصعيدى فى "الهروب" مع المبدع الراحل عاطف الطيب . موهبة سيظل التاريخ الفنى يذكرها ،فلم يكن ممثلا باحثا عن ملايين شباك التذاكر ولا ممثلا باحثا عن فيلل وقصور فقد عاش نصف عمره تقريبا فى أحد الفنادق، ولم يكن ساعيا إلى علاقات نسائية، أحب وتزوج مرة واحدة ورحل وهو يتمنى لو يمد الله فى عمره كى يقدم سينما أفضل ،كى يسعد نجله الوحيد هيثم أحمد زكى. أحمد زكى فنان الموهبة الصادقة الذى بدأ مشواره من الصفر، وصنع نجوميته بنفسه، ولو أن ممثلا غيره واجه ما واجهه لترك الفن واعتزل التمثيل، الفرصة الأهم والأقوى كانت فى فيلم "الكرنك " وقع عقده وتوقع أن الدنيا ستبتسم بل ستفتح أبوابها لكنه فوجىء بالمنتج يرفض لأن البطلة البيضاء الجميلة سعاد حسنى لابد لمن يعيش قصة الحب أمامها أن يكون أبيض فتم استبداله بنور الشريف. لم يهزم زكى بل ظل صامتا متحملا هموم البحث عن الفرص الأفضل، كان واثقا من نفسه ومن موهبته فالتقى بمن يدركون حجمها وقدرها، بشير الديك ووحيد حامد وعاطف الطيب وشريف عرفة وسمير سيف، وحسام الدين مصطفى وغيرهم. التقى بنجوم عرفوا قدره فريد شوقى ومحمود مرسى وعادل أدهم وسناء جميل وكثيرون قالوا أن هذا الأسمر موهبة السينما القادمة على عجل وبالفعل نجح فى صد هجمات السنين وفك أسر البشرة السمراء التى ظن كثيرون أنها ستحول دون نجاحه. ولد أحمد زكي عام 1949 بالزقازيق محافظة الشرقية، وأهل هذه المحافظة مشهورون بالكرم، حتى قيل عنهم بأنهم عزموا القطار. وأحمد زكي (شرقاوي) وهو يذوب رقة وخجلاً. يحدث المرأة فلا يتطلع لعينيها أو لوجهها. ويحدث الرجال الكبار باحترام شديد، ويعامل أقرانه بمودة متناهية، ويكفي أن تلقاه مرة واحدة حتى ترفض كل دعاوي الغرور التي تلتصق به، وترد السهام التي يطلقونها عليه إلى صدور مطلقيها، وتصيح بأن أحمد زكي فتى نقي بريء. وجد في المسرح متنفسه، فالتحق بعالمه يوم كان يكمل دراسته الثانوية، ولحسن حظه بأن ناظر المدرسة كان يهوى التمثيل، أما أحمد زكي فصار في فترة وجيزة هاوياً للتمثيل والإخراج المسرحي على مستوى طلاب المدارس، وهذا معناه بأن أحمد زكي قد اكتشف الفن في أعماقه مبكرًا، فكان رئيس فريق التمثيل في مدرسته الابتدائية، ومدرسته الإعدادية، ثم مدرسة الزقازيق الثانوية. وهكذا تحدد طريقه إلى المعهد العالي للفنون المسرحية، الذي تخرج منه عام 1973 من قسم التمثيل بتقدير ممتاز، وهو نفس التقدير الذي حصل عليه في كل سنوات الدراسة. بعد مشاهد معدودة فى هالو شلبى بدأ مشواره كممثل معروف فى مسرحية مدرسة المشاغبين مع عادل إمام، سعيد صالح، يونس شلبي، حسن مصطفى، عبد الله فرغلي.. وهو التلميذ الغلبان الذي يعطف عليه ناظر المدرسة. وقد كتب عنه النقاد بأنه كان الدمعة في جنة الضحك في هذه المسرحية. إن أحمد زكي، الزبون القديم لمقاعد الدرجة الثالثة في دور السينما والمسارح المصرية، لفت الأنظار إليه بشدة عندما قام بدور الطالب الفقير الجاد في مسرحية مدرسة المشاغبين الكوميدية الذي يتصدق عليه ناظر المدرسة بملابسه القديمة. ومن المسرح للتليفزيون يصعد درجات السلم فيقوم بالبطولة في مسلسل الأيام، فقد قام بدور طه حسين تتوالى الانتصارات ليهزم الياس ويقفذ إلى سلم النجومية بعد سلسلة من الأعمال المهمة سينمائيًا. تعامل مع أبرز مخرجى السينما المصرية وبالتحديد مخرجي الواقعية الجديدة من أمثال عاطف الطيب في البريء والهروب، ومحمد خان في "موعد على العشاء"، "العوامة"، "أيام السادات وداوود عبد السيد في "أرض الخوف""، واختاره يوسف شاهين لفيلم إسكندرية... ليه؟وشريف عرفة في اضحك الصورة تطلع حلوة وايام السادات وتعامل أيضا مع إيناس الدغيدى في امراة واحدة لا تكفى، ثم مع شريف عرفة مرة أخرى فى "حليم". فاجأه مرض السرطان ليضع نهاية لأحد أهم الموهوبين فى السينما المصرية، ويرحل تاركا رصيد يعتبره النقاد من أفضل ما دون فى موسوعات السينما المصرية، رحل فى 27 مارس من عام 2005 وكل مصر تشهد رحيله على شاشات الفضائيات العربية.