شاعت ظاهرة رفض العديد من النشطاء السياسيين المثول أمام النيابة العامة للتحقيق بالاتهامات التي وجهت إليهم في وقائع عنف سياسي أو قذف واعتداء.. الظاهرة بدأت أبان تولي المجلس العسكري خلال الفترة الانتقالية، حينما كان هناك اتجاهًا له أسانيده القانونية يرفض مثول المدنيين أمام القضاء العسكري، مطالبًا بمثولهم أمام قاضيهم المدني الطبيعي، القضية عادت من جديد ولكنها اليوم بأسانيد سياسية ليست قانونية. الجميع يطالب بسيادة واحترام القانون، ويتهم الآخرين بتهديد دولة القانون من خلال ممارسات وأفعال متعمدة، إلا أن الواقع يشير أن الطرفين من تيار ديني ومدني يمارس تلك الهوية دون استحياء سياسي، فالأول يُتهم بالتحيز والانتقائية في إعمال سلطة القانون، والثاني يرفض أنصاره الخضوع للقانون بسبب تلك الانتقائية، والضحية في النهاية القانون نفسه. موقف القوى السياسية بشقيه المدني والديني لم يكن تعبيرًا عن تلك الهوية فحسب، وإنما أيضًا كاشفًا لهوة الخلاف بين الطرفين التي نالت من كل القضايا، ولذا اختلف ردود أفعالها تبعاً لاختلاف هؤلاء النشطاء أنفسهم في الاستجابة للتحقيق، فمنهم من أعلنها صراحة نيته الحضور، وحضر بالفعل التحقيق كما فعل علاء عبد الفتاح، ومنهم من رفض الحضور وغاب عن التحقيق، رغم مظاهرة التأييد لهم أمام مكتب النائب العام، وفي نفس التوقيت أيضًا رفض جمال فهي سكرتير عام نقابة الصحفيين أمر الاستدعاء في قضية سب رئيس الجمهورية أمام النائب العام. ثمة اتفاق عام داخل التيار الديني على إيجابية خطوة النائب العام الأخيرة بوصفها إحقاق لمبدأ تنفيذ القانون، وضبط وإحضار هؤلاء النشطاء في أحداث المقطم، حيث وصفها الدكتور خالد سعيد المتحدث باسم الجبهة السلفية بالإيجابية وطالب الشرطة بأن تقوم بواجبها في ضبط وإحضار من لم يحضر من هؤلاء للمثول أمام النائب العام، فيما توقع خالد المصري عضو المكتب السياسي للجبهة أن تصدر قائمة جديدة باستدعاء رموز الجبهة الكبار من بينهم الدكتور محمد البرادعي، رئيس حزب الدستور، ومنسق عام جبهة الإنقاذ، وحمدين صباحي، زعيم التيار الشعبي، على خليقة التحقيقات مع المصابين في تلك الأحداث، وكانت الجبهة نفسها تقدمت ببلاغ للنائب العام اتهمت فيها 40 شخصية معارضة بالتحريض على عنف المقطم. وجهة نظر يدعمها الدكتور عصام دربالة رئيس مجلس وشورى الجماعة الإسلامية بقوله: إنه لا يجب أن يكون أحدا فوق القانون سواء كانوا صحفيين أو سياسيين فالجميع أمام القانون سواء. وعلى الجانب الىخر تباينت ردود أفعال المعارضة المدنية حول تلبية طلب أمر الضبط والإحضار، إذ أيدت المستشارة تهاني الجبالي امتناع هؤلاء عن الحضور، مرجعة هذا الحق لكون النائب الأمر الذي أصدر الأمر أتى لمنصبه بشكل غير شرعي، ولا يملك سلطة إصدار تلك القرارات التي تُعد بتلك الحالة باطلة، لكونها مُسيسة ويفتقد النائب العام نفسه الاستقلالية القانونية. أما حسين عبد الرازق، عضو المكتب السياسي بحزب التجمع، فاعتبر المثول أمام جهات التحقيق، قرارًا يحدده كل شخص طبقًا لرؤيته للموقف، إلا أنه أيد عدم الحضور، بوصفه التصرف الصحيح من وجهة نظره، لكونه هنا ليس هدمًا لدولة القانون وإنما دفاعًا عنها، والتي أسقطها الرئيس محمد مرسي وجماعته علي حد وصفه. كما أعتبر قرار الضبط والإحضار مخالف للقانون لعدة أسباب، يفندها بقوله: كان يجب أن يكون قرار تالي لقرار بالاستدعاء، وليس سابق عليه، ثم أن البلاغ مقدم من مواطنين، وعليه فإن جهات التحقيق كان عليها أن تباشر عملها والتحقق من صحة التهم حتى تطمئن والأدلة ثم تصدر قرارها بهذا الشأن. كان مكتب النائب العام قد رد على تلك المسألة بالأمس وقال صراحة إنه تحقق من مصداقية الاتهامات بالأدلة التي قدمت مع ملف القضية. واعتبر عبد الرزاق الامتناع عن الحضور موقف سياسي أكثر منه قانوني، لكون العديد من قوى المعارضة لديها موقف مناوئ لشرعية النائب العام. أيديه في تلك الرؤية، جورج إسحاق القيادي بحزب الدستور، معتبرًا الحضور من عدمه قناعة شخصية لهؤلاء النشطاء، أن عدم حضور جلسة التحقيق أتى بسبب خوفهم من أن يتعرض الآخرين لهذا الموقف، ولذا فقد اعتبره موقفًا مبدئيًا لا علاقة له بالقانون وإنما تحدي لشرعية النائب العام. واتفق معه في تلك الرؤية عبد الغفار شكر رئيس حزب التحالف الاشتراكي الشعبي حيث طالب النشطاء بعدم حضور جلسة التحقيق، ودعاهم للمطالبة بإجراء ما سماه تحقيق من قبل قاضي تحقيق محايد ينتدب لهذه القضية. وجهة نظر أيديها الناشط الحقوقي حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، حيث قال إن رفضهم المثول أمام النيابة العامة يعكس شعورهم بعدم حيادية جهات التحقيق، كما يعكس أيضًا مناشدتهم بجهة مستقلة لإجراء التحقيق، مطالباً النائب العام أن يطلب من وزير العدل ندب قضاة للتحقيق بتلك البلاغات، قائلا: تقديري أنه لابد من العودة لقاضى التحقيق في جميع القضايا الشائكة وإبعاد النيابة العامة حتى تحل مشكلة النائب العام. أما ماجد سامي الأمين العام لحزب الجبهة الديمقراطية، فقد أكد ضرورة حضور هؤلاء النشطاء جلسات التحقيق معهم، رغم إقراره بأن قرار الضبط والإحضار قرار خاطئ منذ البداية حيث يكيل بمكيالين، ففي الوقت الذي أصدر قرارا بضبط و إحضار هؤلاء النشطاء علي خلفية بلاغات من عدد من المصابين بأحداث المقطم، سمح بقيام عدد من المتظاهرين المنتمين للتيارات الإسلامية بمحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي، إحدى مؤسسات الدولة والاعتداء علي الإعلاميين وإرهاب العاملين بها، وهؤلاء وهم أولي بقرار الضبط والإحضار. واتفقت مع هذا الموقف داليا زيادة مدير مركز بن خلدون للدراسات الإنمائية حيث أيدت توجه النشطاء للنيابة العامة حتى يتمكنوا من عرض موقفهم بشكل سليم، وإظهار احترامهم للقضاء وسيادة القانون، رغم اعترافها هي أيضًا أن القرار سياسي أكثر منه قضائي عادي حيث توافق هذا القرار مع تصريحات الرئيس بمؤتمر المرأة، أضف لذلك وجود أحداث عنف سابقة لم يتحرك لها النائب العام. إلا أن كمال زاخر مؤسس مجموعة "مصريون ضد التمييز الديني" فجر قنبلة، إذ أنه في الوقت الذي أيد قرار رفض الحضور، موضحًا أن القانون في مصر غائب في كل الأحيان وأن الاستدعاء سياسي علي خلفية قانونية، إلا أنه وصف قرار الإحالة بإعادة إنتاج ما صنعه الرئيس السابق محمد أنور السادات في 5 سبتمبر 1981 والذي أدي لأحداث دموية واغتياله في نهاية الأمر، الأمر الأخطر الآن، حسب توصيفه، ولذا طالب القيادة السياسية بإعادة قراءة المشهد بصورة صحيحة لأن الوطن، الخاسر الحقيقي في نهاية المطاف. حالة قلق تعكس مدى الاحتقان السياسي داخل المشهد المصري، وافتقاد أطرافه القدرة الموضوعية على تجاوز تلك الحالة بوفاق عام وشامل، تبدو مقوماته بسيطة وممكنة، ولكنه العناد من الجميع.