أثار نزول الجيش بمدن القناة وتحديداً بورسعيد والسويس من أجل أداء بعض المهام الأمنية بالشارع، وتحييد دور الشرطة في بعض المقار الأمنية كمديريات الأمن بالمحافظات لإنهاء حالة الاحتقان الشعبي فيها، تساؤلات عديدة حول الارتباط بين هذا النزول ومشروعية الرئيس محمد مرسي، زاد من إلحاحها دخول المعارضة السياسية على خط الأزمة، معتبرين أن ما يحدث بمثابة نزع مشروعية عن الرئيس. ثم أتت سلسلة إضرابات عناصر الشرطة نفسها بالعديد من المحافظات الأخرى من أجل تلبية مطالبهم التي يقر الجميع بكونها عادلة، لكونه إذا ما أراد لجهاز الأمن أن يعمل بفاعلية لابد من وضوح العقيدة الأمنية التي يعمل في ظلها، ومستوى عادل من التسليح يسمح لأفراده بمواجهة حالة الانفلات الأمني بالشارع وشيوع السلاح، لتقدم هي الأخرى مسوغات أمنية جديدة لزيادة حضور الجيش بالشأن العام الداخلي، حتى يتم استعادة الثقة المفقودة بين المجتمع والشرطة التي تكلف الطرفين الكثير. في البداية يجب التأكيد على مسألة محورية ربما غابت عن هذا الجدل، مرتبطة بأسس مشروعية الرئاسة، حسب الفهم السياسي - القانوني لها، فتلك المشروعية مرتبطة بمسألتين رئيسيتين: الآلية التي أتت بها الرئيس للحكم وهي صندوق الانتخاب؛ ثم مدى التزام عمله وقراراته بالدستور والقانون، وأي نقاش خارجهما نوع من اللغو السياسي. لذا فإن محاولات بعض أقطاب جبهة الإنقاذ إضافة أساس ثالث مثل مشروعية الإنجاز السياسي كما قال بذلك رئيس حزب مصر الكرامة الدكتور عمرو حمزاوي، أو التعبير عنها في التساؤل عن كيفية الاطمئنان على قيادة الرئيس للدولة في ظل إخفاقه بالشهور الأولى من ولايته السياسية؟ هي بالتعبير السياسي انقلاب على قيم الديمقراطية، لكون شرعية الإنجاز مرتبطة أيضاً بآلية وصول للحكم وهي الاحتكام للصندوق الانتخابي مرة أخرى بعد انتهاء ولايته السياسية. والحديث عن مشروعية الرئيس، انتقل لمحطة أخرى مؤخرًا، بقول الدكتور محمود العلايلى، السكرتير العام المساعد لحزب المصريين الأحرار أمس، إن الشرعية الدستورية والقانونية للرئيس سقطت، بنزول الجيش لتأمين بعض الأماكن الحساسة بمحافظة بورسعيد، وبعد أن أغلقت أقسام الشرطة أبوابها وامتناع العاملين بقسم شرطة التجمع الخامس عن تأمين خط سيره. وأضاف أنه لم يبق للرئيس إلا تحديد موعد رحيله الذي إن لم تُذكره به حمرة الخجل فلتذكره به حمرة الفشل على مدى شهور حكمه التي تدنت فيها أحوال البلاد سياسيًا، اقتصاديًا واجتماعيًا، ولم ينجح بأي مشروع يذكر إلا مشروع تعيين من يدينون بالولاء له ولجماعته، على حساب الكفاءات المصرية، وهو الأمر الذي ساهم بهذه الحالة المزمنة من الاستقطاب الديني والسياسي التي لم تشهدها مصر في أحط فترات الاحتلال الأجنبي. وتعليقًا على هذا الربط، أكد اللواء دكتور عبد المنعم كاطو الخبير الاستراتيجي ل"بوابة الأهرام" أن هذا ليس صحيحًا علي الإطلاق، مشيرًا إلي أنه طبقًا للدستور، فإن من مهام القوات المسلحة حماية الأمن القومي ومثل تلك الحماية لها شقان: الأمن الداخلي والأمن الخارجي، وعندما نزلت القوات المسلحة في بورسعيد أو السويس، كان ذلك بعلم القيادة السياسية ونزلت لأداء مهام رئيسة: أولهما، تأمين شعب بورسعيد، وسد الفراغ الأمني الذي حدث نتيجة التظاهرات والاحتجاجات الموجودة بالشارع البورسعيدي. ثانيهما، تأمين المجري الملاحي لقناة السويس بعد التهديد بإغلاقه، نظرًا لأهميته محليًا وعالميًا، وبالتالي نزول القوات المسلحة يأتي نطاق مسئوليتها الدستورية ولا شيء خلاف ذلك. واختتم كاطو تصريحاته ل"بوابة الأهرام" قائلاً: إذا كان للقوات المسلحة مطمع في السلطة أو في تولي السيطرة على الدولة فقد كان أولى بها أن تفعل ذلك بالمرحلة الانتقالية، والتي أثبتت أن القوات المسلحة هي ملك للشعب ولا مطامح لها بالسلطة ولا تهدف إلى عسكرة الدولة كما يحاول البعض الزج بها في صراع سياسي، ولكن كل هدفها هو حماية أمن مصر داخليًا وخارجيًا، وهذا واجب لن تحيد عنه. واتفق في هذا الرأي عبد الغفار شكر، عضو جبهة الإنقاذ، بتأكيده أن الجيش عندما نزل في بورسعيد كان بتعليمات من القيادة السياسية، ولم يتصرف من تلقاء نفسه، مشيرًا إلى أن هذا النزول ليس انتقاصًا من مشروعية الرئيس كما يزعم البعض. وقال شكر ل"بوابة الأهرام" إنه بالنسبة للأزمة القائمة في مصر، والتي لها مظاهر سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية، فإن الخروج منها يتطلب أن يقوم الرئيس محمد مرسي بممارسة سلطاته من خلال مبادرة تحتوى على سياسات جديدة يتم طرحها على القوى السياسية لاستعادة التوافق الوطني مرة أخرى، والكف عن إدارة البلاد من خلال الانحياز إلي جماعة الإخوان المسلمين وانفرادها بالسلطة، مشددًا على ضرورة أن يكون الرئيس مرسي رئيسًا لكل المصريين، وليس لفصيل واحد أو جماعة واحدة، فالأفضل له ولمصر أيضًا أن يتشاور مع الجميع وليس مع جماعة بعينها، في تلك المرحلة القلقة التي تمر بها مصر. أما حازم أبوإسماعيل الأب الروحي لتحالف الأمة الإسلامية، الذي يضم خمسة أحزاب سلفية، فقد أعرب عن رفضه لسلوك السلطة والمعارضة بقوله: نحن شديدو القلق والتوجس من أداء الحزب الحاكم والحكومة الحالية للبلاد على حد سواء نخشى من معارضة الأشخاص الذين يحاولون إحراق الوطن، إلا أنه من الناحية الأخرى رفض أيضًا الربط بين نزول الجيش للشأن العام وافتقاد الرئيس مرسي للمشروعية السياسية، حيث رفض القبول بالجيش كمؤسسة بديلة عن السلطة الشرعية في مصر، رغم ما بدا من رفضه لسياستها وتوجهاتها الراهنة.