"إذا لم يتدخل الجيش الآن، فمتى يتدخل إذن" .. أخذ مصطفى السيد يكرر هذه العبارة وهو يضرب كفا بكف، بينما كان المتظاهرون يقذفون بكرات النار على حديقة قصر الإتحادية الرئاسي يوم الجمعة الماضي، الذي وافق الذكرى الثانية لثورة 25 يناير. مصطفى الذي كان قبل عام يهتف بشعار "يسقط .. يسقط حكم العسكر" خلال مشاركته في إحياء الذكرى الأولى للثورة، وجد نفسه في الذكرى الثانية يطالب بعودة العسكر، وهو المطلب الذي تكرر على لسان قطاع من المصريين. ولا ينادي مصطفى وغيره من المصريين بهذا المطلب من منطلق سياسي، بل أنه لا يزل على رأيه بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة ارتكب أخطاء سياسية خلال إدارته للمرحلة الإنتقالية التي تلت ثورة يناير 2011 لمدة عام ونصف تقريبا من فبراير 2011 إلى يونيو 2012، لكنه يردده الآن من منطلق "أمني" بحت، كما يشير للأناضول. ويقول مصطفى: "نحن أمام بلد تحترق وتتداعى، فإذا لم يتدخل الجيش، فلن تكون هناك بلد". وتكرر نفس المطلب على لسان نهى شعبان، التي تقيم بالقرب من مبنى وزارة التموين بالقاهرة الذي احترق جزئيا يوم السبت الماضي، وقالت: "نحن نشارك في المظاهرات ولا نعرف من يحرق، لابد أن يتدخل الجيش لحماية هذه البلد". والتدخل الذي تريده نهي هو أن يتولى الجيش قيادة ملف الأمن الداخلي لحين إصلاح جهاز الشرطة. وتتناقض هذه النظرة للجيش الآن باعتباره "الفارس النبيل المنقذ" للبلاد الآن مع ما كان يواجهه الجيش من انتقادات حادة واتهامات بالسعى للاستمرار في الحكم خلال إدارته للفترة الانتقالية التي شهدت مظاهرات حاشدة ضد المجلس العسكري الحاكم هتفت كثيرا بسقوطه ورفعت شعار "ارحل" الذي رفعه المصريون في ثورة يناير للرئيس السابق حسني مبارك. وإذا كان حدود تدخل الجيش المطلوب الآن عند نهى ومصطفى بإعتبارهما من الشباب الفاعل في المظاهرات والمسيرات، لا يتعدى إدارة الملف الأمني، فإن المواطن البسيط بات يطالب بما هو أكثر من ذلك. وقال فتحي محمد صاحب كشك (محل صغير) في وسط القاهرة "نريد أن يفرض الجيش حظر تجول في كل مصر، فهذا هو الحل لإنقاذ هذه البلد". وأصدر الرئيس المصري بالفعل قرارا مساء الأحد بفرض حظر التجول الليلي على مدن قناة السويس الثلاثة، الإسماعيلية وبورسعيد والسويس، غير ان هناك مطالبات من المواطن البسيط لتوسيع هذا الحظر، بعد ان اتسع نطاق العنف والتدمير منذ يوم الجمعة الماضية ليشمل عدة مدن مصرية. وأرسل الجيش المصري من خلال بيان مجلس الدفاع الوطني عقب اجتماعه بالرئيس يوم السبت الماضي، رسالة أكد فيه على هذا المعنى الأمني الذي يريده المواطن مشددا في الوقت نفسه على حيادة التام في إطار الصراع السياسي القائم، وقال البيان أن "القوات المسلحة المصرية ملك للشعب المصرى العظيم، وتقف على مسافة واحدة من الجميع، ولا تتدخل في العملية السياسية". وأوضح البيان أن "القوات المسلحة تدرك واجبها الوطنى وحقوق شعبها عليها فى تأمين منشآته الحيوية وتحرص على تحقيق الشعب لطموحاته وأماله ومبادئ ثورته العظيمة". وأكد على نفس المعنى بيان للجيش عقب نزول قواته إلى مدينتي السويس وبورسعيد (المدخلين الجنوبي والشمالي لقناة السويس)، حيث قال إن "القوات المسلحة تستهدف فقط حماية المواطنين المصريين وتأمينهم، وذلك انطلاقا من المسئولية الوطنية الملقاة على عاتقها". وأوضح البيان إن عقيدة القوات المسلحة ترتكز أساساً على حماية الوطن وصون مقدراته باعتبارها جزء أصيل من نسيج هذا الشعب العظيم، ولا يمكن أن تقوم بإطلاق أى رصاصة واحدة نحو أى مواطن شريف، كما أنها لا تجابه أي تظاهرات أو اعتصامات سلمية لا تهدد منشآت الدولة وأهدافها القومية. ويرى اللواء السابق علاء عز الدين الرئيس الاسبق لمركز الدراسات الاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية العليا ان "ما جاءت به بيانات القوات المسلحة يعبر تماما عما تؤمن به القوات المسلحة". ويقول عز الدين في تصريحات خاصة لمراسل وكالة الأناضول: " من قراءتي لتصريحات القادة، وما اسمعه عن شخصيات مقربة منهم، هم لا يريدون أن يكونوا طرفا في اللعبة السياسية ". وشدد عز الدين على أن "إصرار القوات المسلحة على إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الصيف الماضي ورفض أي محاولات لتأجيلها، هو رسالة أكدت بها القوات المسلحة على أنها لا تريد البقاء في السلطة". ورفض الرئيس الاسبق لمركز الدراسات الاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية العليا المقارنة بين وضع الجيش في ثورة 25 يناير 2011 والآن، واحتمالات تحوله من الدور الأمني إلى السياسي، قائلاً " في ثورة يناير كان هناك فراغا في رأس السلطة التنفيذية، فكانت هناك ضرورة لايجاد من يشغله سريعا أما الأن فالسلطة التنفيذية موجود وتمارس سلطاتها". وعن ما يردده محللون بأن هناك من يسعى لنشر الفوضى حتى يتدخل الجيش ويبسط سيطرته على مقاليد الحكم، استبعد عز الدين ذلك، لكنه استدرك مضيفا: " حتى لو حدث أي عارض تسبب في غياب رأس السلطة التنفيذية، فإن وجود الجيش سيكون مؤقتا لحين إجراء انتخابات، فمبدأ الاستمرارية في السلطة مرفوض، لأنه يضر بالقوات المسلحة". واتفق حسن أبو طالب الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية مع الرأي السابق، مرجعا عدم رغبة الجيش في العمل السياسي إلى سببين، أولهما أن عقيدة الجيش هي عدم التدخل في السياسة، وثانيهما أن تجربة الجيش المريرة خلال عام ونصف من المرحلة الانتقالية رسخت لديهم هذه العقيدة. وتعجب أبو طالب من سعي بعض أطياف المعارضة إلى عودة الجيش للمشهد السياسي، متسائلا: " أليس الجيش هو من كانوا يهتفون ضده قائلين ( يسقط .. يسقط حكم العسكر)". ووصف الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والمعروف بمعارضته لجماعة الإخوان المسلمين، هذه المساعي بأنها تكشف عن "عجز المعارضة وعدم مصداقيتها"، على حد قوله.