"واجب كل من يعيش على أرض مصر أن يخرج يوم الخميس الموافق 6 يناير من أجل هذا البلد الغالى، علينا كلنا مسلمين ومسيحيين، لازم نكون يدا واحدة، بلاش مصر تكون زى العراق، بلاش مصر تكون زى السودان". أصر عام2010 ألا يمضي في سلام، تاركا آثارا دامية في ساعاته الأخيرة، ليعلن لا عن عام جديد نستقبله بالتهاني والمعايدات والفرحة بل عن "جريمة رأس السنة" تلك الجريمة البشعة التي هزت وجدان كل المصريين. تأتي هذه الأحداث الجديدة على الشعب المصري في ظروف إقليمية تتحدث عن استفتاء يجري في السودان الشقيق لفصل جنوبه عن شماله، فضلا عن الأحداث المؤسفة التي يمر بها لبنان والعراق نتيجة للفتنة الطائفية في هذه الدول. استطاعت هذه الجريمة أن تظهر استنكار وغضب المسلمين ضد ما تعرض له إخوتهم المسيحيون في كنيسة القديسين في الإسكندرية، لدرجة جعلت كل طوائف الشعب تحرص على متابعة كل المستجدات، ليس هذا فحسب بل ومستعد لتقديم العديد من الخطوات العملية لإثبات أن هذا الحادث دخيل ومستجد على المصريين، وأن الغضب وحده ليس حلا للمشكلة، لهذا فإن المتجول في مواقع الإنترنت وصفحات موقع الفيس بوك، والمتابع لبرامج التوك شو يستشعر من تعليقات القراء مرارة شديدة، وخوفا من أن تتكبد مصر خسارة فادحة من ويلات الفتنة الطائفية- مثل التعليق السابق- التي لم تعرف معناها لقرون طويلة، فتحت شعار "التضامن والوحدة الوطنية" ، وحتى تكون المقترحات أكثر عملية، روج الكثير من القراء في تعليقاتهم فكرة قيام المسلمين بزيارة منازل جيرانهم المسيحيين، والكنائس، في شكل أسرى وعائلي أو جماعات لتأكيد أن المصريين يد واحدة فعلياً. كما لجأ العديد من المصريين فعليا إلى التبرع بالدم لإنقاذ المصابين في الحادث، بل ومحاولة جمع التبرعات المالية، على غرار ما فعلته نقابة الأطباء التي قامت بالتبرع بمبلغ 150ألف جنيه لضحايا حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية. في حين رأى آخرون ضرورة إعلان حالة الحداد الرسمي خاصة وأنه ليس هناك أسوأ من هذه الأحداث ليعلن من أجلها. "أقترح أن يحمي المسلمون إخوانهم الأقباط بأرواحهم ولدي استعداد أن أحضر كل صلواتهم حتى أكون في حمايتهم لأن حمايتهم حماية لمصر كلها" بهذه الكلمات وغيرها من الاقتراحات رأى البعض ضرورة في أن يقوم المسلمون بحضور القداس في الكنائس أثناء احتفال الأقباط بعيدهم ليلة السابع من يناير؛ لأن ذلك يعد من وجهة نظرهم حلا فعليا لإظهار عدم قبول ما حدث داخل دور العبادة المسيحية، بل إن هناك دعوات لأن يكون احتفال الأقباط بعيدهم في 7 يناير عيدا وطنيا يحتفل به جميع أبناء مصر. ورأت العديد من الاقتراحات ضرورة عمل مظاهرة حاشدة تضم كل طوائف الشعب المصري بأحد الميادين الكبرى كميدان التحرير، كما اقترح البعض أن تضاء الشموع ويتشح فيها المتظاهرون بالسواد تعبيرا عن الحزن الشديد لفقدان العشرات من المصريين الذين لا ذنب لهم. منذ 25 عامًا بدأ البابا شنودة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية فكرة حفلات إفطار الوحدة الوطني وبادر وقتها بأول حفل في الكاتدرائية بالعباسية، لتسير علي دربه باقي الكنائس والإبراشيات بالمحافظات، توطيدا لروح المحبة والتآخي بين المصريين، وعادت الفكرة تحت مسمى "بيت العائلة" وهو أحد المقترحات الجديدة التي تسعى لتأصيل الوحدة الوطنية، وهي لجنة من الأزهر والكنيسة في مصر، وتضم علماء الدين الإسلامي والمسيحي والعقلاء من الجانبين، لتكون صوتًا واحدًا للأزهر والكنيسة، وتركز على سماحة الإسلام والمسيحية، وتعمل على إزالة أي أسباب مفتعلة للاحتقان والتوتر من الطرفين. ولم تتوقف مداخلات وتعليقات المصريين حول تخطي الأزمة فحسب، بل تعدى ذلك لتهدئة بعض الثائرين من المسيحيين الذين أفقدتهم الصدمة صوابهم، وامتصاص غضبهم، مثل: "إلى الأخت مسيحية حتى الموت، أنت نسيت أن إلهنا وإلهكم واحد، وأننا نعيش على أرض واحدة، وأن كل ما يصيب أحدنا يصيب الآخر، فلابد أن نقف معا ضد الفتنة، ولا نشمت بنا الأعداء، فإن كان المقصود قتل المسيحيين، فلماذا قتل مسلمون أيضا؟ إن المقصود هو الشعب المصري بقطبيه، فاليوم كنيسة وغدا مسجد، والنتيجة حمام من الدم نسبح فيه مسلمون ومسيحيون، وتذكري أنه دم أبنائنا وإخوتنا وأحبائنا". وعبر أبناء الوطن المغتربون، وغيرهم عن تعاطفهم الشديد ورفضهم للحادث علي الفيس بوك، حيث عرضوا جميعا صورة الهلال والصليب كرمز من رموز الوحدة الوطنية، كما ذكروا العديد من ردود الأفعال والتعليقات التي تعرض كل أشكال المؤاخاة بين أفراد الشعب المصري وخاصة للرد على البيان الذي أصدره بابا الفاتيكان، فتعزي واحدة من أبناء الإسكندرية المقيمين في الخارج قائلة: "إلى أهلي بمدينتي الغالية الإسكندرية، إلى مصرنا المحروسة بالإنجيل والقرآن، بنت الإسكندرية من وهران، بتعزي نفسها وتعزيكم يا أطيب شعب بالأرض، أرجوكم بطلوا كلمة مسيحي ومسلم، الدين لله والوطن للجميع، الجامع أمام الكنيسة يا جماعة، والكنيسة كانت بتسمح يوم الجمعة للمسلمين إنهم يصلوا علي رصيف الكنيسة، إيه أكتر من كده مؤاخاة، أكيد اللي عمل ده مش مصري". هذه التعليقات والمقترحات، تذكرنا بأننا لم نلجأ لهذه التفرقة من قبل، حيث نقول "مسلم ومسيحي"، وخير دليل على ذلك أنه في أحلك المواقف والحوادث التي تعرضت لها مصر سابقا مثل حادث غرق العبارة السلام، بل أثناء حرب أكتوبر المجيدة التي امتزجت فيها دماء المصريين جمعيا، لم نسند النصر للمسلمين دون غيرهم، أو العكس بل كان للمصريين جميعا، فالوطن واحد والألم والفرح واحد.