شهدت العشر الأواخر من رمضان الماضي، انطلاق شرارة المواجهات بين جماعات يهودية مسلحة متطرفة، تستهدف اغتصاب منازل مواطنين فلسطينيين، بحي الشيخ جراح بمدينة القدسالشرقية، بمساندة وحماية قوات وجيش الاحتلال الصهيوني، لتمكين هذه الجماعات من السيطرة واغتصاب مساكن الفلسطينيين.. ما حدث هو مشهد تقليدي، اعتاد عليه الشعب الفلسطيني، ويمارسه المستوطنون يوميًا، ويعرفه العالم، منذ احتلال الصهاينة أرض فلسطين قبل عام 1948، إلا أن التطور الذي أذهل الجميع هو اندلاع انتفاضة شاملة اجتاحت كل أرض فلسطين، تزايدت حدتها ورقعتها، كل يوم وكل ساعة، لتنذر بحرب أهلية بين العرب واليهود في فلسطينالمحتلة، وهو تطور يحدث للمرة الأولى في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي معلنًا بداية الخريف الإسرائيلي بعد أن شاركت فيها كافة المناطق الفلسطينية، التي كانت آمنة "المنطقة الخضراء"، ومناطق مثل اللد وعكا ويافا وحيفا وبات يام والرملة وبئر سبع، لتشارك مدن الضفة الغربية وقطاع غزة وكافة المناطق التي يسكن فيها عرب الداخل 1948.. فقد بدأت على الأرض بوادر الشرخ في المجتمع الصهيوني الهش.. لتعيش حكومة وشعب الاحتلال الصهيوني، حالات التعبئة الشاملة، وإعلان حالة الطوارئ، واستدعاء قوات الاحتياط، وهو بمثابة زلزال يجتاح فلسطينالمحتلة، كما وصفه بين جانتس وزير الدفاع الإسرائيلي قائلًا: "الانقسامات تمزق الشعب الإسرائيلي.. لا يجب أن نكسب المعركة في غزة ونخسرها في الداخل.. العنف في اللد والرملة وبات يام واللد يقلب معدتنا ويحطم قلوبنا جميعًا".. على الجانب الآخر، هناك تطور نوعي في أسلوب وسلاح المقاومة الفلسطينية، فقد تطور وتغير سلاحها بإدخال طائرات مسيرة انتحارية كسلاح جديد لقصف إسرائيل، وهو تطور مفاجئ غير مسبوق، ليتغير معه شكل وأسلوب الحرب والصراع العربي الإسرائيلي بشكل كارثي على إسرائيل، فنقل المواجهات إلى عمق تل أبيب، وهو ما اضطرت معه وزارة الخارجيّة الأمريكيّة، إلى تحذير الأمريكيين من الذهاب إلى "إسرائيل"، ونصحت المواطنين الأمريكيين ب"تجنب الذهاب إلى إسرائيل"، بسبب تصاعد العنف في الأيّام الأخيرة بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين.. فقد بات الكيان الصهيوني دولة مغلقة ومعزولة عن العالم.. هذا بالإضافة إلى حجم وكثافة أعداد الصواريخ المتجهة إلى فلسطينالمحتلة بلغ عددها 1500 صاروخ حتى مساء الأربعاء الماضي، يصاحبها عجز القبة الحديدية عن صدر هذا الكم والنوعية من الصواريخ، فقد أعلن عن صد القبة الحديدية 200 صاروخ بواقع 7.5% مقارنة بعدد الصواريخ، وهذه حقيقة جديدة تكشف عن مستوى هذه القبة.. والقضية الفلسطينية هي ليست قضية دينية أو عربية أو إقليمية، بل هي قضية إنسانية في الأساس يعززها صمود الفلسطينيين على مدى تاريخ الاحتلال وآخرها في القدس وحي الشيخ جراح، ويترجم إلى فشل في تهويد القدس وتراجع مشاريع الاستيطان التوسعية، والتطرف الصهيوني في قمع واغتيال الفلسطينيين على مدى 7 عقود، هذا التراكم ساهم في اندلاع المظاهرات في أوروبا والولايات المتحدة، ودول عديدة تأييدًا للشعب الفلسطيني وحقه في أرضه وفي الحرية والكرامة.. لا أجد ما يترجم المشهد الحالي والأحداث أفضل من 3 شهادات فائقة التعبير عن الأحداث من الداخل الصهيوني: الأولى: وقوف الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفيلين، مندهشًا ومخاطبًا مواطنيه: "أتوسل الجميع، افعلوا كل ما في وسعكم لوقف هذا الأمر الفظيع الذي يجري أمام أعيننا.. نحن منهمكون في حرب أهلية دون سبب.. أوقِفوا هذا الجنون.. أرجوكم توقفوا.. نحن دولة واحدة".. الثانية لصحيفة "جيروزاليم بوست" فقد كتبت: "التعايش العربي واليهودي في إسرائيل أصبح على حافة السكين"، وتضيف: "أن على إسرائيل ضمان حصول مواطنيها العرب على البنى التحتية والفرص والحماية التي يستحقها كل مواطن في هذا البلد".. أما الثالثة فهي للكاتب الصهيوني "آري شبيت"، فقد كتب في صحيفة "هآرتس" العبرية: "يبدو أننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حل معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال".. بدأ "شبيت" مقاله بالقول: يبدو أننا اجتزنا نقطة اللا عودة، ويمكن أنه لم يعد بإمكان "إسرائيل" إنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان وتحقيق السلام، ويبدو أنه لم يعد بالإمكان إعادة إصلاح الصهيونية وإنقاذ الديمقراطية وتقسيم الناس في هذه الدولة".. وأضاف، "إذا كان الوضع كذلك، فإنه لا طعم للعيش في هذه البلاد، وليس هناك طعم للكتابة في "هآرتس"، ولا طعم لقراءة "هآرتس". يجب فعل ما اقترحه (روغل ألفر) قبل عامين، وهو مغادرة البلاد. إذا كانت "الإسرائيلية" واليهودية ليستا عاملًا حيويًا في الهوية، وإذا كان هناك جواز سفر أجنبي لدى كل مواطن "إسرائيلي"، فقد انتهى الأمر. يجب توديع الأصدقاء والانتقال إلى سان فرانسيسكو أو برلين أو باريس .. من هناك، من بلاد القومية المتطرفة الألمانية الجديدة، أو بلاد القومية المتطرفة الأمريكية الجديدة، يجب النظر بهدوء ومشاهدة "دولة إسرائيل" وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة. يجب أن نخطو ثلاث خطوات إلى الوراء، لنشاهد الدولة اليهودية الديمقراطية وهي تغرق. وتابع الكاتب: "أضع إصبعي في عين نتنياهو وليبرمان والنازيين الجدد، لأوقظهم من هذيانهم الصهيوني، أن ترامب وكوشنير وبايدن وباراك أوباما وهيلاري كلينتون ليسوا هم الذين سينهون الاحتلال.. وليست الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي هما اللذان سيوقفان الاستيطان.. القوة الوحيدة في العالم القادرة على إنقاذ "إسرائيل" من نفسها، هم "الإسرائيليون" أنفسهم، وذلك بابتداع لغة سياسية جديدة، تعترف بالواقع، وبأن الفلسطينيين متجذرون في هذه الأرض. وأحث على البحث عن الطريق الثالث من أجل البقاء على قيد الحياة هنا وعدم الموت.. أن "الإسرائيليين" منذ أن جاؤوا إلى فلسطين، يدركون أنهم حصيلة كذبة ابتدعتها الحركة الصهيونية، استخدمت خلالها كل المكر في الشخصية اليهودية عبر التاريخ.. ومن خلال استغلال ما سمي "المحرقة" على يد هتلر «الهولوكوست» وتضخيمها، استطاعت الحركة أن تقنع العالم بأن فلسطين هي "أرض الميعاد"، وأن الهيكل المزعوم موجود تحت المسجد الأقصى، وهكذا تحول الذئب إلى حمَل يرضع من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين والأوروبيين، حتى بات وحشًا نوويًا".. هذه الحقائق أدركها الصهاينة اليوم بعد 7 عقود من الاحتلال، ودفع ثمنها الشعب الفلسطيني ودول عربية في مقدمتها مصر.. فهل يدركها "بعض العرب" اليوم.. [email protected]