د. شيرين الملواني تكتب الصحة حق أساسي لا غنى عنه للإنسان، ومنظومة الصحة في مصر تُعَد عبئًا على الحكومة منذ سنوات طوال ولا يقل عبئها عن معاناة المواطن المصرى فى الحصول على حقه فى العلاج الآمن والمجانى كحق مكفول له إنسانيًا، ورغم تخصيص الدولة ميزانية سنوية للإنفاق على الرعاية الصحية والخدمات إلا أن أغلب المواطنين لا يشعرون بمردودها النافع عليهم. ولعل أكثر من تعرض للظُلِم فى حقوقهم الصحية هم المرضى أصحاب قرارات العلاج على نفقة الدولة؛ سواء ممَن نالوا تأشيرة العلاج بعد إجراءات مُضنية أو مَنْ هم على قوائم انتظار هذا القرار المصيرى لشريحة كبيرة تُعانى من أمراض كارثية تُعدم إمكانات صاحبها ماديًا أو أمراض مزمنة تستمر إلى ما لا نهاية بتكلفة علاجية فوق الطاقة أو مِمَن تعرض لحوادث فجائية، فهذا الشق الخاص بالرعاية بدأ التوثيق الرسمى له عام 1997، وسط ضبابية منظومته وعشوائية قراراته التى تدخل فيها الفساد والوساطة، وانعدام التقييم العادل لمدى حاجة الحالات إلى نفقة الدولة، حيث ضاعت آمال أغلب المرضى بين خطوات بيروقراطية بطيئة بدءًا من لجنة تقييم الحالة وتحويلها من المستشفى الحكومى إلى "القومسيون" فى القاهرة فى فترة زمنية طويلة لا تواكب شدة المرض، ثم رصد مبالغ لا تتوافق مع طبيعة الحالة المرضية المزمنة فلا يستطيع المريض إكمال العلاج لنفاد المبلغ المُخصص له، أو معاناته لتجديد القرار بإجراءات أكثر روتينية؛ حتى بلغت ديون قطاع العلاج على نفقة الدولة ملياري جنيه؛ ما عجزت معه وزارة المالية عن تسديد الديون وضاعت استفادة المريض مما رُصِد له. ومن أجل إنقاذ تلك المنظومة المُتهالكة والتى تتشبث بها أرواح الملايين كان لابد من وقفة وإيجاد حل بديل يُفعل سريعًا بخطة تنفيذ على أرض الواقع؛ فظهر نظام التأمين الصحى الشامل؛ جاء ليحقق أحلام وطموحات المصريين في العلاج دون تمييز، وتحت مظلة طبية موحدة شاملًا علاج القادرين وغير القادرين، بعيدًا عن منظومة العلاج على نفقة الدولة، أو نظام التأمين الصحى الحكومى السابق بسلبياته؛ حيث تبلغ تكلفة هذا المشروع من 80-120 مليار جنيه ويُطبق على جميع المواطنين فعليًا خلال 15 عام، ويشمل ضم الكافة مع إلغاء جميع أشكال التأمين الصحى الحكومى والخاص، وتفعيل ملف لكل مواطن لدى طبيب الأسرة، مع ضمان حق الفرد فى المتابعة الصحية الدورية، وجميع العمليات الجراحية بمساهمة 5% من المريض، كما يشمل حقه فى الأدوية والأشعة والتحاليل الطبية بمساهمة 10%. وتبدأ المنظومة الجديدة من الوحدة الصحية والتى خُصص لها 20 ألف مريض للمتابعة مع ضمان التعاقد مع جميع المستشفيات الخاصة بعد حصولها على شهادة الجودة والاعتماد الطبي، وسيتم تمحور دور وزارة الصحة في تقديم خدمات الإسعاف والطب الوقائى فقط؛ مما يضمن توزيع الاختصاصات وجودة الخدمات.. تعبر مصر بالمواطن لمرحلة جديدة إذا ما طبّق هذا النظام؛ وإذا ما تم تنفيذه بشفافية كاملة وحينئذ تَحضُرنا بعض الأسئلة التبصيرية من الخُبراء لضمان نجاح المنظومة الجديدة بعيدًا عن الأغراض والمنافع؛ أولها كون هذا المشروع سيعتمد على المستشفيات الحكومية والخاصة وهو ما يعني إعطاء فرص أكبر للخاصة على حساب المستشفيات العامة التى تعانى من ضعف الموارد والإمكانات لسنوات، فهل سيسهم فى رفع درجة خدماتها أم ستستأثر المستشفيات الخاصة بنصيب الأسد؟ خاصة أن تلك الأخيرة تم بيع أغلبها لشركات متعددة الجنسية؛ مما يعني سيطرتها على المنظومة الصحية، ولا يكفُل العدل التام بل يفتح مجالًا للربح والمنفعة، ومما يُشكل خطرًا جوهريًا أيضًا هى نسبة مساهمة المريض فى العمليات الجراحية والدواء والتحاليل على الرغم من إلزامه بدفع اشتراك سنوي يُحصل منه بالأثر الرجعي وبالتقسيط عند عدم وفائه به كاملًا، لذا يمكن اعتبار تلك المساهمات الإضافية نوعًا من أنواع العبء عليه والذى لن يستطيع العامة تحمله. وكما أن للمريض حقوق فى هذه المنظومة لابد من ضمان حقوق العنصر الطبي الذي هو مكون أساسي في نجاح هذا المشروع، وهو ما لم يتم تحديده فيما يخُص مرتبات الأطقم الطبية من أجل ضمان الإجادة وعملًا بمبدأ الإثابة، مع جدية النظر فى تطبيق مادة حبس الطبيب الذى لا يلتزم بوصف الدواء الذى يخضع للمعايير الموضوعة فهناك الكثير من الاعتبارات الخاصة بذلك الشق؛ فكما نسعى لمصلحة المواطن الصحية لابد من الانتباه لمصلحة من يخدم هذا المواطن، والذى تقوم على أكتافه تلك المنظومة. وأخيرًا فنجاح مصر فى إطلاق هذا المشروع والذى بدأ بالفعل فى محافظتى بورسعيد والإسماعيلية، يُعَد أُولى الخطوات الجدية التي انتظرها المواطن المصرى منذ سنوات طوال من أجل عيشة صحية أكثر إنسانية، بعيدًا عن معاناة سنوات من البحث عن الحقوق، فلنتفاءل بالقادم..