لا جُرم يُعادل في بشاعته وخسته خيانة الوطن واستهداف مؤسساته، لأجل تمكين فئة ضالة مُضلة مِن تقطيع أوصاله، وتحويله لا قدر الله إلى دويلات يتحكم في مصيرها شيوخ وأباطرة ومرتزقة الإرهاب الذين يتغذون على سفك الدماء وإشاعة الخراب يمينًا ويسارًا، حتى يبقوا على قيد الحياة، ويواصلوا خدمة أسيادهم الذين يُمولون أنشطتهم الهدامة. هذه المقدمة تعيد التأكيد على قاعدة يُفترض أنها راسخة وثابتة، ولا يلزمها جدال واختلاف حولها، والغرض من إيرادها والتشديد عليها أن تكون مدخلًا لتحليل رد فعل بعض التابعين لجماعة الإخوان الإرهابية وذيولها من المتعاطفين وفاقدي الوعي والحس الوطني، على إعدام متهمين شاركوا في الهجوم على قسم شرطة كرداسة في 2013، الذي استشهد خلاله 14 شرطيًا، وشهد جريمة نكراء غير آدمية تمثلت في إعطاء ماء نار لضابط كان صائمًا وطلب كوب ماء. طبعا، وكعادتهم الأثيرة احتشد هؤلاء على مواقع التواصل الاجتماعي مكانهم المختار لبث سمومهم وأكاذيبهم وأخذوا في الصياح والعويل والبكاء على أنهم أبرياء وأعدموا في شهر رمضان المبارك، وسار في ركابهم كثيرون يرددون ذات النغمة وراء الجوقة الإخوانية دون تفكير ولا تبصير، وركزوا على رد الفعل تاركين الجرم الذي اقترفوه واستحقوا عليه العقاب الأليم، فذاك هو العدل الذي أمرنا المولى عز وجل بتطبيقه وتوخيه. والسؤال المنطقي، هل المتهمون الذين أعدموا بموجب حكم قضائي عادل يستحقون الشفقة والتسامح وذرف الدمع عليهم، والعفو عنهم، ويتبع ذلك تساؤل جوهري آخر، هو هل بمقدور أي دولة التهاون مع مجرمين هاجموا منشأة أمنية، وقتلوا العاملين فيها بطريقة بشعة تتنافى كلية مع الدين والأعراف الإنسانية والفطرة السليمة، وأشعلوا فيها النيران، ثم سلبوا ما بها من أسلحة وذخيرة، ومثلوا بجثث الشهداء؟ الإجابة معلومة ومحسومة سلفًا وستكون بالرفض التام والمطلق، وأنه لابد من الضرب على يد مَن ينشرون الفوضى والخراب في ربوع البلاد، حتى يكونوا عبرة ومثالًا لمَن يُفكر في المساس بالدولة ومؤسساتها، وانظروا كيف تصرفت الولاياتالمتحدة مع مقتحمي الكونجرس على وجه السرعة، وبقوة القانون، ولم يخرج أحدُ طالبًا الغفران لهم، إلا المشاركون لهم في أفكارهم الرامية لإثارة الفوضى، والاعتداء على مؤسسات الدولة الوطنية، أما غالبية الأمريكيين الذين وضعوا أيديهم علي قلوبهم وهم يتابعون اقتحام البرلمان وترويع الموجودين فيه فقد دعوا للقصاص منهم. أما الإخوان المغيبون وحواريوهم فإنهم بإلباسهم متهمي مذبحة كرداسة ثواب البراءة، والزعم باعتبارهم شهداء يؤكدون للمرة المليون أنهم عاشقون للفوضى وللعنف، وأعداء للدولة وكل ما يُمثلها ويُعبر عن قوتها وتماسكها، لأنهم كانوا ينشدون إقامة دويلات وميليشيات مسلحة تتصارع على المغانم ومناطق النفوذ والسيطرة، وفتحوا إبان عام حكمهم المشئوم الحدود ليعبر منها المتطرفون والإرهابيون والمرتزقة والقتلة. ثم لماذا لا ينظر الباكون على إرهابيي مذبحة كرداسة إلى وقائع محاكمتهم وما قدم أثناءها مِن قرائن وبراهين تثبت مشاركتهم فيها، عقب فض اعتصام رابعة العدوية الإرهابي، وأن القضاء المصري مشهود بنزاهته، ويعطي دون تمييز كل ذي حق حقه، وحاكمهم بالعدل والقانون. النقطة الأخرى الواجب لفت الانتباه إليها، هي مَن الأحق والأولى بالتعاطف والمواساة الجاني أم المجني عليه، وهل فكر القتلة ومَن يبرر جريمتهم الشنعاء فيما خلفه مقتل الضحايا على عائلاتهم وأحبائهم من أثر وألم دائم، خصوصًا وأن الجناة التقطوا صورًا تذكارية لشهداء الشرطة وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة، وبدا عليهم ما نالهم من التعذيب والتمثيل بجثثهم؟ تلك الصور لن تغيب عن مخيلتهم طوال محياهم، وسينتقل إحساس الألم والحسرة على فراقهم بين الأجيال المتعاقبة بأسرهم، وأقل ما سيشعرهم وهذا أقل حقوقهم بقليل من الهدوء النفسي والذهني معاقبة الجناة، فالشرع الذي يتحدثون ويتشدقون بأحكامه وقواعده في مجالسهم ينص على أن مَن قتل يُقتل. بخلاف ذلك، كيف يتجرأون يطلبون الرأفة لأناس لم يرأفوا بحال جنود وضباط يؤدون واجبهم حتى الرمق الأخير، ولم يهربوا من موقعهم ودافعوا عنه بشجاعة، وكانوا رجالا أوفياء لآخر قطرة من دمائهم الطاهرة، ولولا جهد وصلابة بقية رفاقهم من أفراد الشرطة المدنية والقوات المسلحة لما وصلنا لما نحن فيه الآن مِن استقرار وأمن وسلامة ونماء، فتضحياتهم وما أكثرها عبرت بالدولة الوطنية لبر الأمان والنجاة مِن مصير مظلم كئيب سعي الإخوان والمشاركون في مذبحة كرداسة للزج بها نحوه. ولا تنسوا أنه بعدما كشفت الأعمال الفنية المعروضة حاليًا زيف وكذب ما روجته الجماعة الإرهابية عن اعتصام رابعة، وحرمانهم من حائط مبكاهم الذي يجندون بواسطته مزيدًا من الاتباع، فإنهم يحاولون بناء آخر، لكنهم لن يفلحوا في مساعيهم، فحقيقتهم ظاهرة للعيان، وخيانتهم للوطن موثقة. رحم الله شهداء مذبحة كرداسة، وكل مَن جاد بنفسه دفاعًا عن وطننا وأهله، والذل والعار للأوغاد القتلة والإرهابيين والخونة.