بعد أقل من خمس سنوات، أصبحت مصر اهم لاعب فى صناعة تجفيف الطماطم عالميًا، فمنذ بدأت التجربة فى قرى ونجوع محافظة الأقصر، حققت رويدًا رويدًا خطوات ناجحة ثبتت أقدام مصر فى المركز الثانى عالميًا فى إنتاج الطماطم المجففة وتصديرها للأسواق الخارجية، وقد لعبت وزارة الزراعة دورًا هامًا فى ذلك بتوفيرها مستلزمات مناشر التجفيف، ما أدى إلى نجاح باهر فتح أسواق عالمية جديدة منها إيطاليا رغم أنها تحتل المركز الأول فى تلك الصناعة، وبعد الأرباح الطائلة التى جناها الفلاحون من تلك المشروعات، أصبحت حاليًا ملاذهم الآمن لوضع جزء من المحصول فيها لتحقيق التوازن المادى بين بيعهم جزء من المحصول للأهالى بالشوادر والشوارع، وبيع جزء آخر من المحصول للأجانب وتصديره للخارج بعد تجفيفه. فى شهر أكتوبر الماضى أعلنت إدارة الحجر الزراعى بوزارة الزراعة، أن مصر تحتل المركز الثانى فى تصدير الطماطم المجففة بعد إيطاليا، فيما جاءت الصين والهند فى المركزين الثالث والرابع، ويأتى مركز إسنا بمحافظة الأقصر فى مقدمة المساحات المنزرعة بالطماطم، حيث يستحوذ على 17 ألف فدان، وهو أفضل الأماكن فى مصر لزراعة وتجفيف الطماطم، نظرًا للمناخ الدافئ صيفًا وشتاءًا وانعدام الرطوبة ونقاء الجو من الملوثات، وهى العوامل التى بسببها لُقبت الطماطم ب«المجنونة» حيث تتقلب أسعارها بسرعة لأنها من الخضروات سريعة التلف ويصعب تخزينها طازجة لفترات طويلة، ودائما ما يتسبب عدم إستقرار أسعارها فى إلحاق خسائر بالمزارعين وبلبلة للمستهلكين. ويعتبر الاتجاه لصناعة تجفيف الطماطم، أحد أهم الطرق للحد من «جنون الطماطم» والعمل على استقرار أسعارها وإضافة قيمة اقتصادية لها، وتوفير فرص عمل سهلة للمرأة الريفية وشباب الفلاحين، فى تقطيع وفرز الطماطم لتجفيفها كما تحقق أرباحًا للمزارعين جراء عمليات تصديرها، كما تقلل من عمليات الفقد للطماطم خاصة فى ذروة الإنتاج ووفرة المحصول، كما تنشط فكرة الزراعة التعاقدية بين الفلاح والجهات المسوقة مما يساهم فى تحقيق التوازن والاستقرار لأسعار الطماطم. وتتم عمليات التجفيف بطريقة بسيطة عن طريق تقطيع ثمار الطماطم إلى نصفين أو أكثر، حسب حجم الثمره ونشرها فى مناشر معرضه للشمس مباشرة لمدة أسبوع أو أكثر، لخفض المياه بالثمار وإضافة الملح إليها، ويعتبر المناخ فى محافظات الصعيد والوادى الجديد الأكثر مثالية والأنسب لعمليات التجفيف بأشعة الشمس المباشرة دون أية تكاليف، حيث ينتج من كل عشرة كيلو طماطم طازجة واحد كيلو طماطم مجفف تقريبا، خصوصًا وأن الطماطم المجففة سهلة الحفظ والتعبئة ويصل سعر كيلو الطماطم المجففة إلى 40 جنيها، وتستخدم فى عمل البيتزا والصلصة وتضاف لبعض المأكولات الأخري، وهى الصناعة الجديدة التى رفعت صادرات مصر من الطماطم التى تقل عن 2% حتى الآن من جملة صادارات مصر الزراعية كما تساهم فى الحد من جنون الطماطم. ويقول المهندس بهاء اسماعيل المدير الفنى لمنظمة اليونيدو، إنه رغم أن مصر تحتل المركز الخامس عالميا فى إنتاج الطماطم بحجم إنتاج سنوى يقترب من 9 ملايين طن، إلا أن تصنيع الطماطم فى مصر لم يحظ بالتطور الكافى لاستيعاب الإنتاج الزائد عن الاستهلاك الطازج، نظرا لعدم وجود منظومة تسويقية ثابتة وكذلك لضعف منظومة الزراعة التعاقدية وارتفاع تكاليف الإنتاج، والذى لا يتناسب مع سعر الشراء لتصنيع المركزات، لذا فقد بات من الضرورى البحث عن وسائل أخرى للتصنيع خاصة فى مناطق الإنتاج البعيدة عن الأسواق الرئيسية ومصانع المركزات، فكانت عملية تجفيف الطماطم أحد هذه الوسائل التى تتميز بسهولة التنفيذ، نظرًا لانخفاض التكلفة الاقتصادية لها، مضيفًا أن إنتاج الطماطم المجففة يتناسب مع ظروف مصر الجوية، ويمكن ان تصل فترة الإنتاج (التجفيف) فى مصر إلى 8 أشهر فى العام وهى أطول فترة انتاجية للطماطم المجففة فى العالم. وتابع اسماعيل: الطماطم مصدر هام للعملة الصعبة، نظرا للطلب المتزايد عليها من بعض الأسواق العالمية، وأهمها السوق الإيطالى والألمانى والإسبانى فى أوروبا، والسوق الأمريكى بالإضافة للبرازيل، موضحًا أن الطماطم المجففة نموذج هام جدا فى إظهار القيمة المضافة للخضروات المصرية، بالإضافة لذلك فإنها تساهم فى تقليل الفاقد الكمى والنوعى فى الطماطم خاصة فى حالة المواسم كثيفة الإنتاج، وفى السنوات التى يكون فيها إنتاج الطماطم بوفرة نتيجة زيادة المساحات تنخفض الأسعار لدرجة أن المزارعين قد يلجئون لإزالة النباتات نظرًا لارتفاع تكلفة الحصاد منفردا أكثر من سعر المنتج. وأضاف أن سعر النقل يكون منخفضًا حيث يتم إنتاج كيلوجرام واحد مجفف من 10 كجم من الطماطم العادية، وبالتالى فهو حل مثالى للإنتاج فى المناطق البعيدة عن الأسواق مثل صعيد مصر، وزيادة القيمة التسويقية للطماطم بمقدار 25 - 30%، فضلا عن زيادة استقرار الأسعار فى السوق وتقليل ظاهرة التذبذب التى تحدث بشكل متكرر فى الطماطم بصفة خاصة، وذلك عن طريق تشجيع الزراعات التعاقدية وسحب الكميات الزائدة عن طاقة السوق فى التجفيف، وتوفير فرص العمل فى المناطق النائية، مرجعا أهمية المحصول لعدة أسباب أهمها أن أكبر مساحة منزرعة بالخضر (حوالى نصف مليون فدان سنويا) تزرع خلال العروات الثلاث «صيفى - شتوى - نيلي»، فى جميع المحافظات وجميع أنواع التربة، وتتميز بتذبذب الأسعار الشديد وبالتالى تزايد نسبة الفاقد فيها، وتزرع فى جميع المساحات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة. وعن بداية مشروع تجفيف الطماطم فى مصر، يقول إنه بدأ فى قرية بنبان بمحافظة أسوان عام 2010 وانتشر فى عام 2011 فى الأقصر وقنا وأسوان، وكانت هناك العديد من المشكلات الفنية فى الإنتاج (نظرًا لقلة الخبرة وقتها)، مما أدى لخسائر كبيرة لدى المنتجين وبالتالى أدى هذا لإحجام الكثير من المنتجين عن الاستمرار فيه وبنفس سرعة انتشار المشروع توقف نهائيًا، وأنه وقتها كان يعمل استشارى للقيمة المضافة بمنظمة الأممالمتحدة للتنمية الصناعية «اليونيدو»، ومن خلال مشروع «سلاسل قيمة الصناعات الزراعية» تم الاستعانة بالخبير الإيطالى بيركلى بيرديليز المتخصص فى تجفيف الطماطم لمساعدة المنتجين فى صعيد مصر، وتم تكرار التجربة من خلال أحد الشباب فى وادى الصعايدة بإدفو، اسمه محمد جلال، وجمعية «طفنيس» الأهلية بإسنا، وفى هذا الوقت ساهم فى إنشاء شركة خاصة بهدف إنتاج وتصدير الحاصلات الزراعية الطازجة، ولم يكن فى حسبان أحد مؤسسى الشركة أن يعملوا فى هذا المجال، إلا ان القدر شاء أن تتخلى الشركة المصدرة عن الوفاء بالتزاماتها تجاه الشاب المنتج فى أسوان، نظرا لعدم اكتمال كمية تصلح للتصدير، ووجدوا أنفسهم فى وضع صعب جدا خاصة وأن هذا الشاب وهو أحد أقرباءه كانوا قد مولوا المشروع بكل ما لديهم من موارد، وان لم يتم تسويق المنتج سوف تكون نهاية مأسوية، وحرصا منهم على مساعدة هذا الشاب تدخلوا من وساعدوه فى تصدير المنتج وكان 9 أطنان لصالح الشاب من خلال شركتهم الحديثة وقام الخبير الإيطالى بالتسويق للمنتج فى إيطاليا لإنقاذ الموقف. ويتابع المهندس بهاء اسماعيل: «منذ هذا التاريخ بدأنا نغير من استراتيجيتنا فى تبنى منتج الطماطم المجففة لتكون متخصصة ورائدة فى هذا المجال، بالرغم من صعوبة عملية الإنتاج وأخذنا على عاتقنا أولا تحسين سمعة المنتج المصرى فى السوق الإيطالي، بعد ما حدث من مشكلات عام 2011، ولهذا فقد قمت بزيارة أهم مناطق إنتاج الطماطم المجففة فى إيطاليا وتركيا والصين وتونس، للتأكد من قدرتنا على الإنتاج والتوافق مع متطلبات السوق الإيطالى من عدمه». وأضاف: «واستمررنا فى عمليات الإنتاج وتوسيع قاعدة الموردين عن طريق الزراعة التعاقدية وتطوير منظومة التجفيف، حتى وصلنا للعمل على مدار 8: 9 أشهر (متوسط 250 يوم عمل / سنة) متفوقين على أكبر منتجى للطماطم المجففة والتى لا يتجاوز العمل بها 90 يوما ووصلنا لمتوسط إنتاج سنوى 900 طن (ما يوازى 11000 طن طماطم طازجة)، وتم فتح أسواق أخرى مثل البرازيل والإمارات وألمانيا، بالإضافة لتركيا، والعمل فى الوجه البحرى صيفا وأصبحت الشركة معروفة على الصعيد المحلى والعالمي». «أصبحت الطماطم عاقلة بعد أن ظلت قرونا مجنونة».. هكذا بدأ المهندس الزراعى محمد هاشم المدير الفنى حديثه معنا، حيث يخططون للموسم الإنتاجى قبل بداية التجفيف بفترة تتراوح من خمسة إلى ستة أشهر كاملة بحيث يتم توفير مستلزمات الإنتاج بأعلى جودة وسعر مناسب للمزارعين لتخفيف وطأة تكاليف الإنتاج الباهظة لهذا المحصول. ويضيف أنهم نجحوا بالعمل مع المزارعين فى المشاركة الحقيقية وتحمل التقلبات الاقتصادية، وأصبح المزارع جزء لا يتجزأ من عملهم فى مشروع تجفيف الطماطم الذى يساعد العديد من المزارعين فى تأمين عائد مناسب ومرضى من خلال إنتاج الطماطم بالزراعة التعاقدية والسعر العادل، وما وصلت إليه المنظومة التعاقدية مع المزارعين كان نتيجة عمل دؤوب ومجهود كبير على مدار 8 سنوات متتالية، والتى كانت ذات أثر إيجابى كبير من ناحية المزارعين، فى توفير مستلزمات إنتاج ذات جودة عالية وتقليل تكاليف الإنتاج وحل مشكلات التمويل الزراعي، وزيادة إنتاجية الفدان من الطماطم (العديد من الأصناف سجلت انتاجا ملحوظا يقترب من 60 طن للفدان) وضمان سعر عادل والحد من تقلبات الأسعار. ويقول نادر عابد سليمان مدير التشغيل بالمناشر، إن تجفيف الطماطم يوفر فرص عمل للعديد من الفتيات والسيدات؛ حيث إن الطن من الطماطم المجففة يوفر 120 يوم عمل فى الإنتاج والتجفيف والتعليب بالإضافة لدخل بالعملة الصعبة نتيجة التصدير مما يساهم فى تحسين الوضع الاقتصادي، والمنشر الرئيسى يستوعب يوميا ما يقرب من 200 عامل منهم 95% بنات وسيدات ولقد زادت كفاءة انتاج العامل المصرى فى الطماطم المجففة على مر السنوات الثمانية الماضية حيث كان معدل الإنتاج من 150 -200 كيلو تقطيع / عامل فى بداية المشروع واستمر التحسن فى الإنتاجية حتى وصلت فى المتوسط 600 كيلو/ يوم فى موسم الشتاء (8 ساعات) و1000 كيلو / يوم خلال موسم الصيف (10 ساعات على فترتين).. ويقول المهندس عبد الكريم فهمى رئيس جمعية طفنيس بإسنا، إن عملية التجفيف بقدر بساطتها إلا أنها محفوفة بالمخاطر، ولابد أن توضع فى الحسبان قبل القيام بها وأهم هذه المخاطر التى يمكن ان تتعرض لها عملية التجفيف فى مصر هو التلوث بالأتربة، لذلك يفضل اختيار موقع جيد للتجفيف يتوافر به بعد الموقع عن الطرق الترابية أو الجبال الرملية، وقرب المكان من أماكن الزراعة، وقرب المكان من الطرق الرئيسية لسهولة النقل مع توافر وسائل النقل، وتوافر العمالة بالقرب من مكان التجفيف بأعداد مناسبة وأجور منطقية، وتوافر مخازن مبردة بالقرب من الموقع، ومراعاة الرطوبة النسبية فى الموقع (يفضل البعد عن المسطحات المائية وأماكن هطول الأمطار)، وتوافر مصدر لمياه الشرب أو مصدر للمياه نقى لاستخدامه فى الغسيل، ويكون المكان بعيد عن الحظائر وكذلك الأماكن التى تلقى بها القمامة والترع والأماكن الخربة، ويفضل ان لا يكون ملاصق للقرى وأماكن المعيشة للسكان، وحماية الموقع جيدا لعدم وصول الحيوانات والآفات. ويؤكد المهندس على حفنى أن أفضل مزارع طماطم فى مصر، حيث استضاف العديد من التجارب لأصناف التجفيف أكثر من 400 صنف للتجارب على مدار 5 سنوات، كما يجرب المهندسون العاملون بمشروعات الطماطم المجففة العديد من الأصناف سنويا من خلال التعاون مع شركات تجارة البذور لاختيار انسب الأصناف التى تتوافر فيها شروط الإنتاج الغزير والمقاومة للآفات لتحسين الإنتاجية. وقال: تم زراعة الأصناف البلحيه كلها وخاصة الطويلة وأفضلهم الأصناف الإيطالية»، مطالبًا الدولة بتوفير دعم الخامات من مفارش وبرنيك بلاستيك لمزارعى تجفيف الطماطم، حيث يعتبر مشروع قومى لابد على الجهات المعنية ان تتبناه لأنه مناسب جدا للشباب وصغار المزارعين ويقلل من الهدر فى المحصول، ويقلل من تكاليف النقل خاصة فى الأماكن البعيدة مثل الصعيد، ويمكن ان تقوم عليه صناعات مكملة وكل هذا يوفر العديد من فرص العمل، حيث توفر الحاوية الوحداة 95 فرصة عمل فى مراحله الإنتاج المختلفة من تقطيع وفرز وتعبئة، بالإضافة إلى ذلك لا يحتاج إلى تكاليف استثمارية عالية.