توجيهات الرئيس السيسى بإنشاء «مدينة الذهب» لتتضمن 400 ورشة فنية و150 مدرسة متخصصة والعديد من المعارض التوسع فى استكشاف الذهب وطرح مناطق جديدة أمام الشركات والكشف عن مواقع جديدة د. محمد كيلانى: أسلوب تتبعه الدول المتقدمة.. وتعطى السوق ميزة تنافسية رفيق عباسى: لدينا نحو 6 مصانع قادرة على المنافسة والتصدير أحمد نجم: إنشاء بورصة للسلع فى مصر يجعلها محط أنظار العالم «الذهب لديكم أكثر من التراب»، مقولة ارتبطت فى التاريخ القديم باحتضان مصر ثروة هائلة من الذهب، بحسب «البردية الذهبية»، التى تعد أقدم خريطة يحتضنها متحف «تورين الإيطالى» ويرجع تاريخها إلى الملك سيتى الأول من الأسرة التاسعة عشرة. فقد عرف المصريون صناعة الذهب منذ عصور ما قبل التاريخ، وترك لنا الأجداد إرثا من أبدع ما صنع الإنسان من حلى ومشغولات ذهبية. واليوم نستعيد الأمجاد بخطوات ثابتة فى تلك الصناعة، بعدما وجه الرئيس عبد الفتاح السيسى بإنشاء مدينة متخصصة فى صناعة وتجارة الذهب، التى من شأنها أن تضع مصر بقوة على خارطة تلك الصناعة عالميًا. قبل الحديث عن تفاصيل المدينة الجديدة، علينا أن نلقى نظرة على المراحل التى مهدت الطريق أمام تلك الخطوة، فأجريت تعديلات تشريعية بقانون الثروة التعدينية فى يناير 2020، هدفها تشجيع المستثمرين على ضخ استثمارات ضخمة فى مجال الاستكشاف وإزالة جميع المعوقات أمامهم. جاء ذلك بالتزامن مع التوسع فى الاستكشاف وطرح مناطق جديدة واعدة أمام الشركات، وبالفعل تم الكشف عن موقع فى الصحراء الشرقية به احتياطى من المعدن الأصفر يصل إلى مليون أوقية، وبنسبة استخلاص 95% كحد أدنى. ويسهم هذا الكشف فى ضخ استثمارات بأكثر من مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة، وهو الخبر الذى استقبلته الشركات الأجنبية والمحلية على حد سواء بتفاؤل كبير، معربين عن عزمهم استغلال هذا التحول الكبير فى إستراتيجية الاستثمار فى مصر مثل شركة «باريك جولد»، و»سنتامين» الأسترالية، ومجموعة «لامانشا» للتعدين. نعود مرة أخرى إلى تفاصيل مدينة الذهب الجديدة، فمن المخطط أن تتضمن 400 ورشة فنية، و150 ورشة تعليمية ومدرسة متخصصة كبرى، إلى جانب معرض دائم للصناعة ومساحات عرض خاصة بتجار الذهب، وبالفعل تم الانتهاء من دراسة تكلفة المشروع ومصادر تمويله، وما ننتظره فقط هو توفير الأرض المناسبة من قبل وزارة الإسكان. توجه عالمى ويرى الخبير الاقتصادى الدكتور محمد كيلانى، أن صناعة الذهب عائدها كبير جداً، والعائد ليس اقتصاديا فقط وإنما اجتماعى وخدمى أيضا. وأكد أن إنشاء مدن متخصصة فى صناعة الذهب هو أسلوب تتبعه الدول المتقدمة، فالتوجه العالمى صار نحو تركيز الصناعات الصغيرة والكبيرة فى مناطق محددة، تتوفر فيها جميع احتياجاتها ومستلزماتها. ويؤكد الكيلانى أن المدينة ستجعل مصر مركزا لصناعة الذهب واستخراجه، فجمع رأس المال مع العامل البشرى والمستهلك والمصدر والمسوق مع المعارض فى مدينة واحدة لابد أن يعكس تطورًا صناعيًا كبيرًا. ولفت النظر إلى أن صناعة الذهب عالمياً واجهت ركوداً كبيراً فى ظل جائحة كورونا، لذلك فإن إنشاء مصر لهذه المدينة يعطى السوق المحلى ميزة تنافسية. وأوضح أن مشروع المدينة لا بد أن يتبعه وضع أطر معينة فى الضريبة المستحقة وإعفاءات تدعم هذه الصناعة، فضلاً عن إبرام اتفاقيات تتعلق بضوابط التجارة واستخراج الذهب وطرق نقله وتصديره من دولة لأخرى. وأكد أنه لابد من إعادة التفكير فى مسألة إلغاء دمغ المصنوعات الذهبية، حيث ترفض كثير من الدول الخارجية هذا الدمغ، وتعتبره تشويها للمجوهرات. وأضاف كيلانى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة ستلعب دورًا مهمًا فى نجاح مدينة الذهب، مشيراً إلى أن مسألة التمويل تتطلب تعاون البنك المركزى لدعم الصناعة، من خلال تقديم قروض بفائدة بسيطة، مع إمكانية إلغاء الفائدة فى حالة تصدير المنتجات خارج مصر. توجيهات رئاسية ويقول رفيق عباسى، رئيس غرفة صناعة الذهب باتحاد الصناعات المصرية، إن صناع الذهب طالبوا كثيرًا بإنشاء مدينة متخصصة لتصنيع وتجارة المعدن النفيس، وجاءت الاستجابة بتوجيهات مباشرة من الرئيس عبد الفتاح السيسى بإنشاء مدينة لصناعة الذهب، لتدخل مصر منافسة الدول العالمية الكبرى فى تلك الصناعة، التى أنشأت مدنًا متخصصة للذهب وضعتها على خريطة الصناعة. وأوضح أن مصر كانت تنتج 300 طن سنويًا الآن ننتج 50 طنًا سنويًا بسبب ارتفاع سعر الذهب وتضرر الوضع الاقتصادى بسبب جائحة كورونا، وفى نفس الوقت لدينا نحو 6 مصانع قادرة على المنافسة العالمية والتصدير، حيث إن التصدير أهم ما ينبغى التركيز عليه بعد إنشاء مدينة الذهب، فإنتاج بهذا الحجم الكبير يجب ألا يكون موجهًا للسوق المحلية، التى لن تستوعبه كاملا بالتأكيد، موضحًا ضرورة إعادة النظر فى مسألة دمغ المشغولات الذهبية، لأن الاستمرار فى الدمغ ربما يكون سببا فى عرقلة جهود السعى نحو زيادة الصادرات المصرية. وأضاف عباسى أن الدعم الرئاسى لصناعة الذهب من شأنه أن يمحى كثيرا من البيروقراطية التى يعانى منها المصنعون حالياً، وربما سنشهد قرارات عاجلة وحزم تحفيز بالتزامن مع إطلاق مدينة الذهب. ومن المستهدف زيادة الصادرات المصرية من نحو 3 أطنان مشغولات ذهبية إلى 500 طن بمساهمة كل الورش والمصانع الموجودة فى المدينة الجديدة وليس عبر الشركات الست الحالية فقط. وأكد عباسى أن معظم الصادرات المصرية توجه إلى الأسواق العربية، لكننا نتطلع إلى زيادة قاعدة دول التصدير لتشمل السوق الإفريقى، أحد أكبر الأسواق الواعدة والتى تضعها القيادة المصرية على رأس أولوياتها فى خطط الاستثمار. وشدد على أن مدينة الذهب تفتح الباب أمام الشركات الناشئة وأصحاب رؤوس الأموال الصغيرة للدخول لتلك الصناعة والعمل فيها، مؤكداً أن ورشا كثيرة تعمل حالياً فى السوق المصرى، بل تتعاون معها المصانع الكبرى لتشجيعها والاستفادة من الميزة السعرية التى تقدمها. بورصة السلع لكن هل حان الوقت لإنشاء بورصة سلع فى مصر؟ سؤال يطرح نفسه بقوة فى ظل اتجاه الدولة بأن يصبح لها مكان عالمى على خريطة صناعة الذهب؛ لنحاكى بذلك أسواق السلع الخاصة بالمعادن وعلى وجه التحديد تجارة الذهب الخام والعقود المستقبلية وعقود الفروقات، هذه التجارة الضخمة التى لم تدخلها مصر بعد بالشكل الذى تستحقه. السؤال يطرحه أحمد نجم، رئيس قسم الأبحاث بإحدى شركات تداول الأوراق المالية، مؤكدا أن الفوائد المادية والمعنوية لإنشاء بورصة سلع مصرية لا حصر لها، سواء بتحول مصر لمركز لتداول مثل هذه العقود، وما يدره من عائد مادى ضخم، أو عمولات التغطية الخاصة للتجار، أو شركات الوساطة لهذه العقود، فضلاً عن تكاليف إصدار التراخيص لشركات عالمية تود الحصول على تراخيص للعمل فى السوق المصري، أو من شركات محلية يكون لها الريادة فى جلب استثمارات كبيرة. ويشير نجم إلى إحدى أهم تجارب بورصات السلع فى منطقة الشرق الأوسط، ألا وهى تجربة «جبل علي» فى دبى باعتبارها الأقرب لمصر وتطبق هذه الصناعة بشكل جيد، مشيرًا إلى أن استخراج الرخصة من هيئة الذهب والسلع بدبى تكلف الشركات مئات الآلاف من الدولارات، ثم تأتى مرحلة إنشاء المكاتب والفروع وما سيدره على البلاد من توفير فرص عمل مميزة لقطاع كبير من الشباب. وأكد أن مصر ستكون محط أنظار العالم كله فى حال الموافقة على تأسيس بورصة سلع، بفضل انخفاض التكلفة وسمعتها القوية فى محيطها الإقليمى والعالمى، مما سيسهم فى جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية الضخمة، لاستغلال الفرصة فى سوق واعدة مثل مصر. وأوضح أن صناع الذهب المحليين يعتمدون على وسطاء لاستيراد احتياجاتهم من الذهب الخام، سواء شركات أم بنوكا دولية، فى حين أن وجود بورصة سلع فى مصر من شأنه أن يسهل تلك العملية من خلال تغطية احتياجاتهم بشكل أسرع وأقل تكلفة ومباشر بدون تدخل وسطاء. براويز مناجم الذهب فى مصر لم تكن مصر موجودة على خريطة إنتاج الذهب حتى سنوات قليلة مضت، ويتركز إنتاج الذهب فى مصر بعدة مناجم، أشهرها على الإطلاق منجم السكرى الذى يقع بالصحراء الشرقية على مسافة 30 كيلومترا جنوبى مرسى علم. وهناك منجم حمش الواقع على بعد 100 كم غرب مدينة مرسى علم بالصحراء الشرقية، ومنجم وادى العلاقى الذى يوجد بعد 250 كيلومترا جنوب شرق مدينة أسوان، ومنجم عتود بغرب مرسى علم، ويقع عند الكيلو 105 شرق مدينة إدفو منجم البرامية، بينما يوجد منجم أبومروات فى جنوب طريق سفاجا قنا، ويقع منجم أم عود عند الكيلو 55 جنوب غرب مدينة مرسى علم. كما تضم منطقة المثلث الذهبى التى تقع بمحافظة البحر الأحمر بين سفاجا والقصير 94 موقعا للذهب. الدول الأعلى إقبالا على شراء الذهب من بين جميع المجوهرات والأحجار الكريمة، يأتى الذهب على رأس قائمة الأكثر طلبا، يليه استثمار التجزئة المتمثل فى السبائك والعملات، والاحتياطيات المحتفظ بها لدى البنوك المركزية، فضلاً عن الاستخدامات الصناعية. ويشكل الإقبال على المجوهرات فى جميع أنحاء العالم ما يقرب من 46% من إجمالى الطلب على الذهب للربع الرابع من عام 2019. ويفوق استهلاك الذهب للمجوهرات من قبل الصين والهند مثيله فى البلدان الأخرى، واحتفظت الدولتان بالمركزين الأول والثانى. ومن المعروف أن الطلب على الذهب مرتبط فى العديد من الدول بالمواسم والأعياد وتقاليد الزواج.