«الرياضة تمتلك القوة لتغيير العالم»، «الرياضة يمكنها خلق الأمل عندما لا يوجد سوى اليأس. إنها أكثر قوة فى تحطيم الحواجز العنصرية، إنها الابتسامة فى وجه كل أنماط التمييز العنصرى».. هذه بعض مقولات أيقونة مناهضة العنصرية نيلسون مانديلا عن القوة الناعمة للرياضة أو ما يسمى بدبلوماسية الرياضة. ولعبت الرياضة دورا فى الحد من الصراعات منذ إنشاء الألعاب الأولمبية فى القرن التاسع قبل الميلاد فى اليونان، فيما سمى فى وقت لاحق بالهدنة الأولمبية. ومع مرور الوقت، واصل قادة العالم الاستفادة من الرياضة كوسيلة لإعادة فتح الحوار الدبلوماسى والقيام بمبادرات دولية تصالحية. ولعل المثال الأكثر شهرة على ذلك كان «دبلوماسية كرة الطاولة» الصينية، حيث دعت بكين اللاعبين الأمريكيين لمشاهدة مباريات فى أبريل 1971. وبعد أقل من عام، زار الرئيس ريتشارد نيكسون بكين فى زيارة تاريخية أنهت 25 عاما من القطيعة الدبلوماسية. ومنذ الحرب العالمية الثانية وحتى اللحظة الراهنة، تعتبر كرة القدم اللعبة الأكثر شعبية فى العالم، وفى أحدث دراسة للاتحاد الدولى لكرة القدم «الفيفا»، فإن 240 مليون شخص يلعبون كرة القدم بانتظام، وتعتبر نسبة الأمريكيين والأوروبيين المشاركين فى اللعبة الأعلى فى العالم، وهناك 1.5 مليون فريق و300 ألف ناد، بينما يلعب غالبية الناس الكرة بشكل غير نظامي. وفى عالم منقسم، تعد الرياضة نسيجا ضاما فريدا ومهما فى ربط الشعوب. وفى حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية ال23 فى 2018، بدأت العلاقات بين كوريا الشمالية والجنوبية تشهد انفراجة عندما سار الرياضيون من الجانبين معا. وتتقاطع عوالم السياسة والرياضة بشكل متكرر، حيث يدرك معظم السياسيين الدور الذى تلعبه الرياضة فى حياة وأرواح الشعوب، فهى مثل «رأس المال السياسي». ويستغل بعض السياسيين الشغف الرياضى لمغازلة الناخبين، وقد يرفضون إعلان النادى الذى يشجعونه من أجل الحفاظ على مسافة واحدة من جميع مشجعى النوادى المختلفة، فرئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون رفض مرارا إعلان ناديه المفضل، إلا أنه أشار إلى أن أبناءه يشجعون «نيو كاسل». وفى الولاياتالمتحدة، وخلال السنوات الأربع التى قضاها الرئيس السابق دونالد ترامب فى البيت الأبيض، أصبحت الرياضة والسياسة متشابكتين بطريقة لم يسبق لها مثيل، حيث تصدر رأيه وردود فعله عناوين وسائل الإعلام خصوصا عبر تعامله مع قضية ركوع اللاعبين خلال عزف النشيد الوطني. وفى وقت العزلة والعقوبات وتفاقم أزمات العنصرية، كان لاعبو الكرة يظهرون الوجه الآخر للسياسيين من فنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية. ولم يكن أسطورة كرة القدم الراحل دييجو مارادونا خجولا فى التعبير عن معتقداته السياسية، ودعم الاشتراكية فى أمريكا اللاتينية بل والتفكير فى الدخول فى عالم السياسة عبر ترشيح نفسه فى الانتخابات. وظهر مارادونا فى برنامح للرئيس الفنزويلى الراحل هوجو تشافيز حيث أعرب عن إعجابه بتشافيز والزعيم الكوبى فيديل كاسترو كما كان يحمل وشما لجيفارا، وذلك فى الوقت الذى هاجم فيه الولاياتالمتحدة بكل قوته. وفى الوقت الذى يرتبط به الساسة بالرياضيين من أجل غسل سمعتهم، يسعى الرعاة والمعلنون إلى استغلال النشاط السياسى خصوصا للاعبين البارزين على الساحة الدولية. فعندما دخلت لاعبة التنس اليابانية ناعومى أوساكا إلى بطولة التنس المفتوحة فى أغسطس الماضي، مرتدية قناعا للوجه يحمل صورة بريونا تايلور ضحية عنصرية الشرطة الأمريكية، وهو ما دعا كبريات العلامات التجارية إلى دعمها فى معركتها التى ترفع شعارها «حركة السود مهمة». كما أن عددا من الرياضيين أصبحوا رموزا سياسية وتبوؤا مناصب قيادية، مثل دوايت إيزنهاور لاعب كرة القدم، الذى تم انتخابه رئيسا للولايات المتحدة فى الفترة من 1953 إلى 1961، وكذلك الرئيس الأمريكى السابق جيرالد فورد، ورونالد ريجان الذى كان لاعبا محترفا وتولى الرئاسة فى الثمانينيات، وكان وودرو ويلسون لاعب بيسبول محترفا. وفى ليبيريا، أصبح جورج ويا رئيسا للبلاد فى أكتوبر 2017، بعد أن حصل على ألقاب أفضل لاعب فى العالم وإفريقيا وأوروبا. والنماذج على القوة الناعمة وقدرة الرياضة على تغيير العالم أحيانا إلى الأفضل لا تنتهى منذ الهدنة الأولمبية وحتى الآن.