شهد مجتمع الاستخبارات العالمي في العالم خلال عام 2020 تحولات فارقة حيناً ونادرة وغير مسبوقة أحياناً، واستحق العام 2020 بأن يطلق عليه عام النوادر في عالم الاستخبارات. فبمجرد اندلاع وباء كورونا في العالم، دخلت أجهزة ووكالات الاستخبارات الكبرى في سباق محموم لالتقاط أي معلومات عن الفيروس وتركيبته الجينية ومستويات تفشيه والأدوية واللقاحات، ولايزال السباق مستمراً بما أعاد لأذهان المراقبين سباق الفضاء في الستينيات . وبحسب منصة "انتلجنس" اونلاين المتخصصة فى الشأن الاستخباري و مكافحة التجسس، فقد تنوعت غرائب عوالم الاستخبارات الخفية ما بين فقدان سويسرا لحيادها منذ عشرات السنين دون أن يدري أحد، ومساعدة الدنمارك لأمريكا للتجسس على حلفائهما في "الناتو"، ومشاركة مرتزقة أمريكيين في محاولة الانقلاب الفاشل في فنزويلا، وتوفير القوات الأمريكية فى أفغانستان غطاء جويا لقوات "طالبان" في حربها مع "تنظيم الدولة الإسلامية"، وافتضاح أمر عملية تجسس على مسئولين بارزين فيما أطلق عليه "عملية المطبخ" في إسبانيا، والكشف عن "رجل النمسا" الغامض الذي يصنف على أنه "أخطر شخصية مطلوبة في العالم"، وغيرها من عجائب مجتمع الاستخبارات التي حفل بها عام 2020. ودفع وباء "كوفيد-9" وكالات التجسس العالمية إلى الانخراط في مهام تجسس مكوكية محمومة أعادت إلى الأذهان ذكريات سباق الفضاء التي شهدها العالم في ستينيات القرن الماضي. وأدى التنافس الشرس لابتكار لقاح قادر على كبح تفشي فيروس "كوفيد- 19" وتوفير كميات كافية من اللقاحات، إلى حدوث جوهري في منظومة الأولويات والمهام في وكالات الاستخبارات الكبرى في أرجاء العالم . وقالت صحيفة "نيوروك تايمز"في وصفها للتحول في منظومة المهام لوكالات التجسس العالمية بأنه "يعيد إلى الأذهان سباق الفضاء"، واستشهدت الصحيفة في تقرير نشرته في سبتمبر الماضي "بلقاءات أجرتها مع مسئولين استخباراتيين حاليين وسابقين، ومتابعين آخرين لأنشطة التجسس"، الذين اعتبروا أن "تحول المهام الذي لوحظ في وكالات التجسس العالمية هو الأسرع في التاريخ." فى سويسرا .. لم تزل سويسرا تعيش تأثيرات الصدمة التي تعرضت لها البلاد في أعقاب كشف النقاب في فبراير من العام الماضي، عن أن شركة "كريبتو إيه جي" Crypto AG، أكبر شركة عالمية مصنعة لمعدات وتكنولوجيا التشفير أثناء الحرب الباردة، كانت "واجهة" لوكالة الاستخبارات الامريكية . وأكدت التقارير،التي كشفتها صحيفة "واشنطن بوست" والإذاعة الألمانية الوطنية ZDF،الشائعات التي أثيرت في مطلع ثمانينيات القرن الماض، التي كانت تتحدث عن أن شركة "كريبتو إيه جي" أبرمت صفقة سرية مع الحكومة الامريكية. وحسب التقاريرالأخيرة التي كشفت النقاب عن حقيقة الشركة، التي لديها قائمة من العملاء تمتد إلى أكثر من 120 حكومة في أرجاء العالم، فإن وكالة الاستخبارات الامريكية CIA وهيئة الاستخبارات الفيدرالية لألمانياالغربية BDN قامتا بشراء الشركة السويسرية سراً ودفعت لمعظم المديرين التنفيذيين البارزين فيها من أجل شراء صمتهم وعدم الإفصاح عن الصفقة . وتتيح الصفقة السرية المزعومة للولايات المتحدةوألمانياالغربية (آنذاك في الثمانينيات) بالقيام بأنشطة تجسس على الاتصالات السرية للحكومات في العديد من الدول المعادية، فضلاً عن التجسس على الحلفاء أيضاً من بينهم إيطاليا وإسبانيا واليونان والنمسا ودولا شرق أوسطية. فى الولاياتالمتحدة .. تعرضت أنظمة الحاسب الآلي في حكومة الولاياتالمتحدةالامريكية خلال العام الماضى لعملية استهداف من قبل مقتحمين "هاكرز" كل دقيقة وفي كل يوم. وفي العادة، لا تؤدي مثل تلك الهجمات المتلاحقة والمتصلة إلى عقد اجتماعات طارئة لمجلس الأمن القومي الامريكي، الكيان الأبرز لاتخاذ القرار في الولاياتالمتحدة، والذي لا يترأسه سوى رئيس الولاياتالمتحدةالامريكية. غير أن ضخامة ونوعية البيانات التي تعرضت لاقتحام وانتهاكات وكشف عنها أخيراً، أدت إلى انعقاد طارئ لمجلس الأمن القومي الامريكي، مع وصف بعض الخبراء لما حدث بأنه ربما يكون من بين " أكثر حملات التجسس المعروفة تأثيراً" ورغم أن عملية الاقتحام كشف عنها قبل أسبوعين فقط، فإن حملات التجسس الإلكتروني يعتقد أنها تعود إلى أواخر الربيع الماضي، ومن المحتمل أنها بدأت في مطلع مارس الماضي. ووصفت مصادر لوسائل إعلام امريكية ما حدث بأنه عملية فائقة التطور يأتي مصدرها من "قيادات بارزة" من الخصوم، وهو الاصطلاح الذي يقصد به لاعبين رسميين ذوي نفوذ ولديهم قدرة على الوصول إلى أكثر التقنيات العملياتية والتكنولوجية المتطورة الموجودة في حوزة هؤلاء الخصوم. ومن المرتقب أن يستغرق أمر الكشف عن مدى الأضرار التي انتهكت جراء الاقتحامات الأخيرة، عدة أسابيع. أما عملية التعافي من أضرار ما حدث فربما تستغرق عدة أشهر، أو ربما وقتاً أطول. ويقول الخبير الأمني، بروس شناير، إنه لكي تدافع ضد محاولات "الوصول الدؤوبة (الاقتحام)، فإن الطريقة الوحيدة تتمثل في ضمان أن شبكتك ليست قابلة للانتهاك، هو أن تقوم بمحوها إلى القاع وإعادة بنائها، وهو أمر مشابه لإعادة تهيئة نظام التشغيل في جهاز الحاسب للتعافي من عملية اقتحام (هاكينج) سيئة." فى روسيا .. لم يعتد "جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي" SVR، الذي ورث مهام الاستخبارات الخارجية لجهاز كيه جي بي KGB السوفيتي السابق، الكشف عن هويات عملائه السريين العاملين معه. غير أنه في مطلع يناير من العام 2021 أقدم هذا الجهاز على إجراء نادر، إذ قام مديره، سيرجي ناريشكين، على مثل هذا الإجراء خلال الاحتفال بالذكرى المئوية لجهازي KGB وSVR. وقد كشف ناريشكين عن هوية سبعة "عملاء سريين غير رسميين"، يطلق عليهم باللغة الروسية، "غير شرعيين"، ومعظمهم أحيلوا إلى المعاش أو لقوا حتفهم، وأوردت بشأنهم بيانات مقتضبة عن سيرتهم الذاتية. ويستخدم مصطلح "غير شرعي" في عالم الاستخبارات الروسية، للإشارة إلى عناصر استخبارات سرية يتم زرعهم في الخارج دون الحصول على غطاء دبلوماسي. وبالتالي، فهم ليسوا على صلة بالمنشآت الدبلوماسية الروسية في الخارج، فيما يقوم بعضهم أحياناً بتقديم نفسه على أنه مواطن ينتمي لدولة ثالثة. لم تذكر البيانات الموجزة المعلنة عن العملاء السريين أي تفصيلات بشأن الدول التي عملوا فيها ك"عملاء غير شرعيين"، أو نوعية المهام التي أوكلت إليهم، أو توقيتاتها. معظم هؤلاء العملاء عملوا في جهاز الاستخبارات الروسية والسوفيتية في الفترة من أواخر الستينيات حتى مطلع التسعينيات من القرن الماضي. فى الدنمارك .. فوجئت أوساط الاستخبارات العالمية في أغسطس 2020 بتصريحات أدلى بها مدير وكالة الاستخبارات العسكرية الدنماركية (FE) أو (DDIS بالإنجليزية)، لارس فيندسين، كشف فيها عن ترتيب سري بين وكالتي الاستخبارات في الدانماركوالولاياتالمتحدةالامريكية، مكن واشنطن من جمع معلومات استخباراتية حول مواطنين دانماركيين، علاوة على التجسس على بعض الحلفاء الأوروبيين المقربين بما فيهم، ألمانيا، وفرنسا والسويد والنرويج وهولندا .. و أثارت المعلومات المكتشفة الأخيرة موجة من النقاشات الحادة والساخنة في الدانمارك، بينما أطلقت السلطات النرويجية والسويدية والهولندية تحقيقات بشأن عمليات التجسس المزعومة. وقد تعالت أصوات في الدنمارك تطالب وزير الدفاع في البلاد بالكشف أمام الرأي العام عن التقرير الرسمي، الذي أعدته الحكومة وخرج في أربعة مجلدات، الذي يتناول التعاون المزعوم بين أجهزة التجسس في الدنمارك والولاياتالمتحدة. ولم تستجب الحكومة الدنماركية بعد لتلك المطالب.