* القانون وضع شرطى اللياقة الصحية واجتياز الدورات التدريبية الخاصة لموظفى الأمن وبعض الشركات تتحايل لمزاولة النشاط * وظيفة «الأمن الخاص» ليست «أكل عيش» ولكنها مهنة تتطلب مهارات * غياب الثقافة الأمنية والبحث عن «الأجر» الأقل أدى لظهور فرد «صورى» لا يجيد تأمين المنشآت * شركات تعلن عن رجال أمن برواتب مغرية وتسلُم العمل فى نفس اليوم بشرط إجادة القراءة والكتابة * العاملون : «رواتبنا هزيلة وساعات العمل طويلة ونعمل بها لأنها تطرح فرص عمل * رئيس شعبة الأمن بالغرفة التجارية: لدينا 250 شركة مرخصة وتوفيق الأوضاع يحمى هذا النشاط من غير المُتخصصين على باب «الكمبوند السكني» الفاخر بالشيخ زايد جلس عم صلاح الرجل الخمسينى على كرسيه المتهالك يرفع يده بالتحية لملاك الشقق السكنية أثناء الدخول والخروج من البوابة، فقد بدأ فى حفظ تلك الوجوه المتكررة وأصبحت له نظرة فى العابرين من بوابته يميز من خلالها «صاحب المكان» عن الضيف وبخاصة تلك السيارات الخاصة التى تعمل بالأجرة ولا يرغب سائقوها فى ترك الرخص لديه، ولكن بإشارة من رأس عم صلاح يسدل خالد الشاب العشرينى - الذى يقف فى الزاوية المقابلة من البوابة - حاجزاً حديديا أمام السيارة المشتبه فى عدم انتمائها للكمبوند ويطلب من قائدها الرخص لتسجيل البيانات .. بالنظر لأداء عم صلاح وخالد فهما رجلا أمن لا يتمتعان بأى لياقة بدنية أو مواصفات رياضية أو مهارات أمنية غير تقليدية لكنهما فقط يطبقان التعليمات الواردة إليهما من شركة الأمن التى بدورها اتفقت عليها مع الشركة المالكة للتجمع السكنى بالإضافة لتلك التعليمات يتمتع هذان النقيضان فى السن ببعض «النباهة» تساعدهم على أداء المهمة بنجاح ...غير أنها لا تسعفهم فى كثير من الأحيان فإذا حدث وتسرب من تحت أعينهم مجموعة من الشباب المشاغبين وتسببوا فى مشاكل داخل الكمبوند تتوجه إليهم أصابع الاتهام ويلومهم السكان قبل الشركة التى ينتمون إليها. لا يعبأ عم صلاح ولا خالد باللوم والعتاب ولكنهما يتعهدان بالحفاظ على أمن وأمان الكمبوند ففى النهاية هذه المهنة التى لم تتطلب أى شروط للالتحاق بها مجرد «أكل عيشهم» وعلى الرغم من قلته لا يملكون رفاهية تركها ... فمن خلال إعلان لا يتعدى سطرا واحدا مكتوبا فيه «مطلوب أفراد أمن بمرتب مجزي» سارع عم صلاح وخالد ومئات غيرهم من الشباب والكهول والشيوخ للتقديم لدى العشرات من شركات الأمن الخاص التى ذاع صيتها وأصبحت الآن درجات ومستويات، ولا غنى عن خدماتها فى كافة الأماكن والتجمعات وفى كثير من الأحيان وبمجرد تقديم الأوراق اللازمة يحصل المتقدم على الوظيفة التى لا تتطلب أى خبرات ولا تدريبات، فقط عليه إتباع بعض التعليمات التى يمكن تلقيها فى محاضرة واحدة قبل تسلم العمل والذى قد يستلمه فى نفس يوم التقديم. قانون وشروط قبل عام 2015 لم يكن ثمة قانون ينظم عمل شركات الأمن والحراسة ولكن يشترط الحصول على تصريح من وزارة الداخلية ومع التوسع فى هذا النشاط وكثرة الراغبين فى إنشاء شركات أمن خاصة صدر قانون رقم 86 لسنة 2015، والمعدل بقرار رئيس الجمهورية رقم 126 لسنة 2015 والخاص بشركات الحراسة ونقل الأموال وبموجبه تم وضع مجموعة من الشروط الواجب توافرها فيمن يعمل كفرد أمن أولها ألا تقل سنه عن 21 سنة وأن يجيد القراءة والكتابة وأن يكون قد أدى الخدمة العسكرية أو أعفى منها أو كان مؤجلاً تجنيده طبقًا لأحكام القانون وأن تتوافر فيه اللياقة الصحية اللازمة وأن يجتاز بنجاح دورة تدريبية خاصة بنوع العمل المكلف به وتحدد اللائحة التنفيذية شروط اللياقة الصحية وبرنامج الدورة التدريبية وجهة انعقادها ومدتها وشروطها ولكن على أرض الواقع الكثير من هذه الشروط يتم تجاهلها أو اختصارها، فجولة سريعة على صفحات الإعلانات على شبكة الانترنت توضح بساطة المهمة وقلة الشروط، فكل المطلوب فى المتقدم أن يتراوح سنه بين 18 إلى 40 سنة ترتفع أحيانا إلى 45 سنة ويتسلم العمل فى نفس اليوم. أما المؤهلات المطلوبة فمفتوحة للجميع حتى أن الطلاب وأصحاب الشهادة الإعدادية والثانوية العامة والدبلومات يمكنهم التقدم لشغل الوظيفة التى يتحدد راتبها حسب ساعات العمل التى قد تصل ل12 ساعة مقابل 2800 جنيه شهريا ويحصل المتقدم على زى عمل موحد وإقامة للمغتربين وتزيد بعض الإعلانات فى مميزات الوظيفة بوجود وجبة و4 أيام إجازة فى الشهر، وفى المقابل فإن بعض الشركات تضع شروطا أكثر تخصصا للمتقدم منها أن يكون خريج كلية التربية الرياضة وألا يقل طوله عن 170 سم وأن يرفق موقفه من التجنيد وشهادة «فيش وشبيه» بأوراق التقدم لشغل الوظيفة. مراقب أمن إعلانات أخرى اختارت لوصف الوظيفة مصطلح «مراقب أمن» وحددت الراتب ب2000 جنيه صافى وكل المطلوب هو إجادة القراءة والكتابة، أما بعض الشركات فقد طلبت رسوما للتقديم على الوظيفة أو ما يعرف بالاستمارة التى تتراوح أسعارها بين 150 جنيها و400 جنيه. وظيفة «سهلة» محمد عبد الواحد شاب ثلاثينى تنقل بين العديد من الوظائف للبحث عن أكل العيش فمؤهله المتوسط لا يشفع له فى وظائف أفضل، واختار العمل كفرد أمن لسهولة الوظيفة بالنسبة له فكل المطلوب منه هو الجلوس على مقعد لمراقبة بوابة كمبوند أو مدخل وحدة سكنية أو إدارية وربما تسجيل بيانات دخول وخروج بعض الأفراد أو السيارات تنقل عبد الواحد بين العديد من شركات الأمن الخاصة لسبب واحد هو «النصب» ويقول: «بعض هذه الشركات تضع إعلانات لا تمت للحقيقة بصلة فمثلا يقال الراتب 3000 جنيه ولكنه يحسب الشهر 40 يوماً وبالتالى يقل الرقم جدا وأى يوم غياب يتم خصمه بمقابل كبير 300 جنيه أو أكثر وبالطبع «الشفت» لا يقل عن 12 ساعة متواصل أما زيادة الراتب فوهم لا يتحقق»!. وأضاف:» كنت أعمل فى كمبوند سكنى راق جدا وعندما تحدثت مع أحد المسئولين عن إدارته فى صرف مكافأة للأمن فى المناسبات مثلا قال لى أن الشركة تٌحصل أكثر من 5000 جنيه على فرد الأمن الواحد وتعجب لأننا نقبض مبلغاً أقل بكثير» نفس المصطلح «مجرد منظر» استخدمه اسماعيل على مهندس ويقطن بكمبوند شهير بالشيخ زايد فيرى أن مهمة أفراد الأمن لا تتجاوز تسجيل دخول وخروج السيارات حتى الملاك أصبح لديهم كروت خاصة للدخول من بوابات معينة وأضاف:«لا ينفى ذلك أهمية وجودنا فجزء من أسباب السكن فى الكمبوند هو وجود أفراد حراسة لتحقيق أكبر قدر من التأمين لأسرهم» اختلفت معه فى الرأى دينا عثمان التى ترى أهمية كبيرة لأفراد الأمن حيث تقول:» مثل كل نشاط يوجد مستويات من تقديم الخدمة وللحصول على خدمة مميزة لابد من الإنفاق عليها جيدا وفى الكمبوند الذى أسكن به فى القاهرة الجديدة يتم إنفاق مبلغ شهرى كبير على بند التأمين فى سبيل توفير عناصر مدربة وبمواصفات عالية وهذا هو نفس المعيار الذى تسير عليه الشركات الكبرى والمجمعات التجارية الشهيرة». حوادث وجرائم وبالرغم من كونها مهنة تهدف «للحفاظ على الممتلكات وحمايتها» إلا أن الفترة الأخيرة شهدت ارتكاب عدد من الجرائم على يد بعض العاملين بها وتؤكد تفاصيل تلك الحوادث غياب التدقيق فى الاختيار والتساهل من قبل بعض الشركات فحادث مقتل مديرة بأحد البنوك الخاصة الشهيرة لم يغب عن الأذهان وبخاصة بعد صدور حكم محكمة النقض فى يونيو الماضى بتأييد إعدام الجانى الذى أشارت التحريات إلى أنه كان يعمل فرد أمن سابق فى المجمع السكنى الذى تقطن به المجنى عليها وذلك بالرغم من سابقة اتهامه فى 10 قضايا سرقة ومخدرات وصدور حكم ضده بالحبس 3 أشهر فى قضية سرقة. حادث آخر وقع فى كفر الشيخ عندما استغل أحد الأشخاص طبيعة عمله كفرد أمن إدارى بالفرع محل الواقعة وقرر سرقة الشركة التى يعمل بها وأثبتت التحريات أيضا أن «له معلومات جنائية مسجلة». الوضع لم يختلف فى محافظة الإسكندرية عندما استولى مراقب أمن فى خدمات نقل الأموال على مبلغ مالى تجاوز 303 آلاف جنيه، من إحدى ماكينات الصراف الآلى «ATM» واتضح ايضا أنه كون تشكيلا عصابيا وله معلومات جنائية! شركات مرخصة قد توصف الحوادث السابقة بالفردية فلا شك أن شركات الأمن الخاصة أصبحت تلعب دورا مهما فى تأمين العديد من الأماكن حتى أنها أصبحت تتولى حراسة العديد من الأماكن العامة بل إنها أصبحت من وجهة نظر البعض «ضرورة ملحة» فهكذا وصف العقيد محمد نبيل عمر خبير المفرقعات والضابط السابق بوزارة الداخلية أهمية عمل شركات الأمن الخاصة فى الوقت الراهن وبخاصة مع توسع دورها فى العديد من الدول لحراسة بعض المنشآت الحيوية مثل المطارات ولكنه شدد على ضرورة إدارتها من قبل المتخصصين فى العلوم الأمنية والمحترفين الذين سبق لهم العمل فى هذا المجال ويرجع الخبير الأمنى القصور فى اختيار بعض عناصر التأمين فى العديد من المنشآت لغياب الثقافة الأمنية لدى من يرغب فى الحصول على هذه الخدمة ويقول: «بعض أصحاب المنشآت أو رؤوس الأموال يرغب فى وضع فرد «صوري» لتأمين المنشأة ليوحى بوجود عناصر لتأمين المكان ولذلك يطالب بعدد قليل من الأفراد أو يحدد ميزانية معينة للإنفاق على بند التأمين والحراسة وتكون متدنية وبالتالى تقدم له بعض الشركات خدمة تتناسب مع هذا التفكير فنجد عناصر أمن حديثة السن جدا أو العكس طاعنة فيه وأخرى لا تتمتع باللياقة البدنية فتتحول فى هذه الحالة لخدمة تتعلق بالعرض والطلب» لذا يرى الخبير الأمنى ضرورة عدم تحديد قيمة الطلب ليحصل صاحب المنفعة على خدمة حقيقية تتناسب مع حجم المنشأة وأهميتها ولا ترتبط بالجانب المادى فقط. وعن مواصفات رجل الأمن الخاص فيشير عمر إلى أن أولاها وأهمها هو اللياقة البدنية والصحية لذا يلاحظ لجوء العديد من الشركات لتعيين خريجى كليات التربية ويقول: «تكون أولى مهام رجل الأمن هى الملاحظة يليها بعض المهام الإضافية والمهارات التى يتم تدريبه عليها لذا فإن عامل السن واللياقة البدنية هما الحد الأدنى والأساسى للعمل بهذه الوظيفة». أفضل العناصر يتفق معه الدكتور محمد منظور، نائب رئيس حزب مستقبل وطن، وعضو مجلس الشيوخ، ورئيس شعبة الأمن والحراسة ونقل الأموال بالغرفة التجارية موضحا أن اختيار فرد حارس الأمن من المهام الرئيسية والهامة التى تهتم بها كافة شركات الأمن، حيث تقوم باختيار أفضل العناصر والتأكد من مُطابقة الأفراد للمواصفات الملائمة للعمل بها، بداية من أن يمتلك فرد الأمن الخبرة فى المجال، حتى توافر المقومات الفكرية والبدنية والاجتماعية، وكذلك السن الملائم للعمل فى هذا المجال لتأثيره الهام فى سرعة تنفيذ المهام المختلفة وقد يختلف الأخير من موقع إلى أخر فأحيانا يطلب العميل أفراد أمن أكبر فى السن فى النوادى والمدارس نظرا للتركيز فى مهمة محددة مثل تنظيم دخول الأعضاء بينما بعض المواقع تحتاج السن الصغير نظرا لبعد المكان أو الجلوس لفترة طويلة فى الشمس أو غيرها من متطلبات الخدمة ويرى منظور أنه لا يوجد أمن رخيص ولكن للأسف العميل هو من يطلب أمنا بتكلفة متواضعة لا تتناسب مع متطلبات أو موقع العمل. وقال: «بالرغم من تطور المعدات والأدوات المساعدة للتأمين، فدائما نحتاج إلى عنصر بشرى لتشغيلها والعمل عليها، ورجل الأمن الخاص هو الذى يتابع وينفذ الخطط والتعليمات الموضوعة من قبل الشركة لتأمين مكان مُحدد وعند وقوع أى حدث أو ضرر فهم أول أشخاص مطلوب منهم الردع والتدخل لإنهاء الضرر لذا وضع القانون عدة شروط لاختيار رجل الأمن الخاص منها ألا يقل عن 18 سنة وأن يجيد القراءة والكتابة وأن يكون قد أدى الخدمة العسكرية أو حصل على إعفاء منها بالإضافة للتمتع باللياقة البدنية الصحية الجيدة، وأن يجتاز دورة تدريبية خاصة بطبيعة عمله، وأن يحمل رخصة حارس منشآت أو ناقل أموال كما وضع القانون مجموعة أخرى من الشروط تتعلق بالقائمين على الشركة منها أن تكون شركات مساهمة مصرية وتحصل على الموافقة الأمنية المطلوبة ويكون لدى مدير الشركة خبرة فى مجال حراسة المنشآت ونقل الأموال أو حاصل على دورة تدريبية فى هذين المجالين. ويرى منظور أن تلك الضوابط تساهم فى تطوير وتحسين العمل فى القطاع ككل وأشار إلى أنه يوجد نحو 250 شركة مرخصة حتى الآن وأعداد الشركات فى تزايد حيث تبذل شعبة الأمن والحراسة مجهودات ملحوظة فى الآونة الأخيرة مع الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، من أجل سرعة إجراءات توفيق الأوضاع الخاصة بالنسبة للشركات التى تقدمت بأوراقها بشكل جاد، كما أن عملية توفيق أوضاع شركات الأمن والحراسة وترخيصها تساهم فى تمكين الشركات من الحصول على فرص أكبر فى السوق وحمايتها من غير المُتخصصين. وحذر رئيس شعبة الأمن والحراسة من الشركات غير المرخصة التى قد يتعاقد معها بعض أصحاب الشركات أو المواطنين وقال: «بعض الكيانات الوهمية تدعى أنها شركات أمن وحراسة وتعلن عن نفسها عبر العديد من الوسائل والدعاية من خلال الحصول على سجل تجارى أو بطاقة ضريبية وتوفر بالفعل أفراد أمن غير مؤهلين على عدة مستويات لذا نشدد على ضرورة التعامل مع الشركات الحاصلة على تراخيص مزاولة النشاط من مصلحة الأمن العام والتى تقدم أيضا تصاريح لكل فرد من أفراد الأمن العاملين بالشركة بعد التدقيق فى سجلهم الأمني» وأضاف: «كما يجب تغيير نظرة المواطنين وبخاصة الشباب لهذه الوظيفة فهى ليست مجرد «أكل عيش» كما يردد الكثيرون ولكنها مهنة تتطلب مهارات وعلى الراغبين فى العمل بها مطابقة شروطها ليتاح لهم المزيد من فرص العمل وكذلك على الشركات أن تحرص على تعليم وتدريب العناصر على مستوى عال طبقًا لأحدث الأساليب والإجراءات والمعايير الدولية فى قطاع التدريب، بالإضافة إلى تحديد الرواتب الشهرية وتحديد عدد ساعات العمل الإضافية وتوفير البدلات وتوفير السكن والمواصلات، وتحديد مكافأة نهاية الخدمة». الشركات الخاصة أصبحت ضرورة والعديد من الدول تعتمد عليها