د. علاء رجب استشارى الصحة النفسية: تربية أطفال أسوياء أسهل كثيرا من ترميم أشخاص محطمين. * مقارنة نفسك بالآخرين يعرضك للإحباط والاكتئاب. * من أعظم الدروس التى تعلمناها من 2020 هى أن نحمد الله على النعم التى كنا غارقين فيها ولا نشعر بقيمتها. * معظم صور التواصل الاجتماعى اداعاءات كاذبة يحاول أصحابها إخفاء تعاستهم. * من أهم الأشياء التى يجب أن نحرص عليها فى 2021 هى الخلاص من كل الأشياء والأشخاص التى تحبطنا.
عند التخطيط للعام الجديد، لابد أن نبدأ أولا بتقييم مجريات وأحداث وإخفاقات وإنجازات العام الماضى، ثم وضع أهداف تتناسب مع إمكانياتنا وقدراتنا حتى نسطيع تحقيقها على أرض الواقع، ثم البدء فى الخطوات التى تحول الهدف والحلم إلى حقيقة خاصة أن 2020 من الأعوام التى لم تمر على أحد بسهولة. وعن كيفية تجاوز انكسارات العام الماضى ودخول 2021 برؤية جديدة ونظرة متفائلة كان لنا هذا اللقاء مع دكتور "علاء رجب" استشارى الصحة النفسية والعلاقات الأسرية. 2020 كانت سنة صعبة علينا جميعا.. ماذا تنصحنا لتجاوز آلام وانكسارات العام الماضى ودخول 2021 بأمل جديد؟ أولا لابد من إعادة حسابتنا وأن نقف أمام كل ما مر بنا فى 2020 لنتأمل أحداثه الصعبة، ونتعلم منها وندرك أننا لن نتعلم النجاح إلا من الفشل، ولن ننتصر إلا بعد أن نمر بتجارب وانكسارات وإخفاقات، وأهم شىء لابد أن نكون خرجنا به من 2020 هو حمد ربنا على النعم الكثيرة والعظيمة التى كنا غارقين بها ولا نشعر بقيمتها، ويكفى فقط نعمتى الصحة والحرية.. والحقيقة أن أزمة كورونا علمتنا ذلك بدليل قيام عدد كبير من الناس بالبحث عن سبل مختلفة للتكافل الاجتماعى لمساعدة أصحاب المهن الحرة التى فقدت مصدر دخلها بسبب الجائحة، والناس التى كونت فرقا لإعداد وجبات مجانية للمرضى وتوصيلها لهم حتى باب البيت، بالإضافة إلى حالة التقارب الإنسانى التى حدثت بين أفراد الأسرة الواحدة نظرا لتواجدنا جميعا فى البيوت لفترات طويلة وكل هذا يستدعى أن نقف أمامه ونتعلم أن الحياة مهما طالت قصيرة، وأننا لابد أن نبدأ العام الجديد بالحفاظ على كل قيم الخير التى عملنا بها طوال فترة الجائحة وأن نساند بعض إنسانيا وماديا؛ حيث إن جزءا كبيرا من بركة النجاح فى العمل والحياة بشكل عام يأتى من العطاء وعمل الخير. ألا ترى أن هذه القيم الإيجابية التى ظهرت وقت الجائحة كانت مجرد مشاعر مؤقتة ستختفى بزوال الأزمة؟ أتمنى أن ندرك أن هذه القيم هى التى ستبقى معنا فى الدنيا والآخرة، وهذا لن يحدث إلا بالحفاظ على الأخلاق لأنها النسيج الذى يصنع من الأفراد أسرة ومجتمع وبدونها ينهزم أى مجتمع؛ فلن يستقيم بيت دون المودة والرحمة بين الزوج والزوجة والأباء والأبناء، ولن يستمر مجتمع دون العطاء والتكافل بين أفراده، فالعطاء هو سر نجاح البشر والمجتمعات، وهذا هو ما يعلمنا الله سبحانه وتعالى إياه من قانون الطبيعة فالنهر لا يشرب من مائه والأشجار لا تأكل ثمارها والقمر لا ينير لنفسه وبالتالى نصف الأخلاق الطيبة فى العطاء والنصف الآخر فى الكلمة الطيبة. السوشيال ميديا والبحث عن التريند تعد أحد أسباب انهزام الأخلاق؟ السوشيال ميديا هى السبب الأول والأخطر فى انهيار الأخلاق فى المجتمع المصرى، وليت الدولة تلتفت الى هذا الأمر وتبدأ فى إغلاق مواقع السوشيال ميديا التى تضر ولا تنفع مثلما فعلت الصين.. في مصر بدل ما نستخدمها لدعم الإيجابيات وما ينفع المجتمع نأخذها وسيلة لنشر الفوضى والشائعات، ويكفى أنها السبب الرئيسى فى ارتفاع نسب الطلاق فى مصر عندما تقارن الزوجة حياتها بصورة ولا بوست تكتبه صديقتها أو زميلتها عن سعادتها مع زوجها، ولا الهدايا التى يغدقها عليها فتشعر بالغيرة والنقمة على حياتها، وتختلق خلافات مع زوجها قد تصل إلى خراب البيت.. والحقيقة أن كل ما يظهر على مواقع التواصل الاجتماعى من صور لفسح وهدايا ليست أكثر من ادعاءات كاذبة يحاول أصحابها إخفاء تعاستهم بها. ونفس الشىء بالنسبة للرجل الذى يقارن زوجته التى تتفانى فى خدمته وتربية أولاده مما يجعلها تتغافل عن الاهتمام بنفسها أو شكلها بصورة لممثلة ولا موديل وهو لا يدرك أن كل ما يراه من جمال مصنوع ليس أكثر من شكل زائف، وبالتالى عندما نترك شيطان السوشيال ميديا يتحكم فى مشاعرنا وردود أفعالنا فنحن إذن نفتح الباب للمشاكل وخراب البيوت، لذلك نحن فى أشد الاحتياج إلى لقاح أخلاق قبل لقاح الكورونا لأننا لو تمسكنا بالأخلاق سنحافظ على الكلمة الطيبة والتعامل المحترم، وسنعرف كيف نراعى شعور بعض ونتقى الله فى عملنا وفى أولادنا ومجتمعنا وقبل كل هذا فى أنفسنا لأننا لنا عليها حق. هل ترى أن الدراما من العوامل المؤثرة على المجتمع أيضا؟ الدراما من أخطر العوامل تأثيرا ولكننا للأسف لا نحسن استغلالها ونقدم أعمال تدعم الشر والخيانة وهدم الفرد والأسرة وتشجع على الابتذال والجريمة ولو لم يدرك صناع الدراما هذا الأمر سيزداد المجتمع سوءا؛ فنحن فى أمس الحاجة لتقديم أعمال مثل مسلسل الاختيار الذى يعلم أبناءنا قيمة الوطن والتضحية والانتماء ومسلسلات تحمل رسائل أخلاقية مثل تلك التى كان يكتبها أسامة أنور عكاشة ومحمد صبحى، ونبتعد عن أعمال العنف وممثلين البلطجة الذين يدعون لقيم هدامة تدمر الأطفال والشباب. ما حق الإنسان على نفسه؟ أن يحافظ على سعادته وإنسانيته وعطائه ودعمه لكل من حوله فهذا كفيل بأن يحقق له السعادة لذا فأنا أنصح كل من سيقرأ هذا الحوار ألا يبدأ العام الجديد قبل أن يتخلص من كل الأشخاص السلبية فى حياته ويأخذ معه فقط الناس التى يشعر معهم بالراحة والسعادة والطمأنينة؛ فالحياة مهما طالت قصيرة ولا يجب أن نهدرها فى الاستمرار مع أشخاص تؤذى مشاعرنا ولا تقدر قيمتنا. هل نتأثر حال التعامل مع ناس محبطة؟ نعم.. التعامل مع الناس المحبطة فى حد ذاته كفيل بهزيمتنا نفسيا سواء فى العمل أو البيت فلا يوجد شىء اسمه «أنا مضطر أكمل» لأن العمل الذى لا تجد نفسك به سيأخذ من طاقتك ويهدر طموحك وأحلامك، وبالتالى لابد أن تتركه وتبحث لنفسك عن فرصة تحقق بها ذاتك، وتأكد أنك ستجدها ونفس الشىء بالنسبة للأزواج فمن غير الطبيعى أن نستمر فى حياة تعيسة من أجل الأولاد لأن الطفل الذى ينشأ فى بيت يفتقد المحبة والود والتفاهم بين الأب والأم سيصبح إنسانا معقدا غير سوى فى كل تصرفاته، وبالتالى فالأمر لا يستحق أن نضيع حياتنا من أجل وهم الحفاظ على الأبناء ونحتال على أنفسنا عاطفيا، وفجأة ندعى أن عمرنا أتسرق مننا.. فالحقيقة أننا نحن من سرقناه وتركناه يضيع هباء وبالتالى من يشعر أنه يعيش فى بيت يعانى من البرود والجمود العاطفى، فلا داعى لتكملة هذا المشوار والأجدر له أن يبحث لنفسه عن حياة يشعر فيها بالشغف والسعادة وهذا لن يؤثر على الأولاد لأن الأب والأم إذا انفصلوا وحرص كل منهم على القيام بدوره تجاه الأبناء على أكمل وجه سيخرجون للمجتمع أشخاص أسوياء فتربية أطفال أقوياء أسهل كثيرا من ترميم أشخاص محطمين. هل حقيقى أن الإنسان يكبر بعدد الأيام التى يصمت فيه عن أشياء تؤلمه؟ بالتأكيد وهذا لا يعنى أننا لابد أن نعيش حياتنا كلها فى سعادة .. بالعكس فى يوجد شخص فينا لا يمر بهزائم وانكسارات وتجارب غير موفقة ولكننا لن نستطيع أن نتجاوز كل ذلك إلا إذا كان لدينا مناعة نفسية أما الصمت عن الأشياء التى تؤلمنا لن يترك فينا سوى الهشاشة النفسية التى تنعكس على أداؤنا فى العمل ويفقدنا الشغف بالحياة. وما نصائحك لنا فى العام الجديد؟ نصيحتى لنفسى ولكل من سيقرأ كلامى هذا ونحن على مشارف عام جديد حاول أن ترى نفسك فى عيونك لأنك لو بحثت عن نفسك فى عيون الآخرين ستضيع وقتك فى إرضاء كل الأطراف وهو أمر مستحيل، واحذر من أن تأتى على نفسك أو تحملها فوق طاقتها لأننا فى عصر الكل يبحث عن مصالحه فقط لذا فرضاك لربك ورضاك لنفسك هما أكبر قيمة تبدأ بها عامك الجديد ومن ثم ستجد كل البشر تحترمك وتقدرك.