لم يكن تحذير وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» فى 2018 من حرب قادمة فى الفضاء سوى صفعة للقوة العظمى، التى تورطت في تدخلات عسكرية طويلة في أفغانستان والعراق وغيرها، وأنفقت المليارات على التهديدات على الأرض، فالصينوروسيا يسبقان الولاياتالمتحدة فى تطوير الأسلحة الفضائية. و الفضاء أصبح شريانًا لحياة الأرض، عبر الأقمار الصناعية، التى تتحكم في حياة المليارات من البشر، عبر الاتصالات والمراقبة وحتى نظام تحديد المواقع «جي. بي. إس». ويحاول البنتاجون الآن اللحاق بالركب من خلال ضخ مليارات الدولارات الإضافية فى تعزيز دفاعاته ضد الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية، وتدريب القوات على العمل فى حالة قطع شريان الحياة فى الفضاء ، وشحذ طرق الانتقام من شكل جديد من القتال يحذر الخبراء من أنه يمكن أن يؤثر على ملايين الأشخاص، ويتسبب فى أضرار جانبية لا توصف بل وينتقل إلى ساحات القتال على الأرض أيضًا. فى أبريل الماضي، وبعد عدة محاولات فاشلة، أطلقت إيران قمر استطلاع عسكرى لينضم إلى قائمة متزايدة من الأسلحة والأنظمة العسكرية فى المدار، بما فى ذلك روسيا التى اختبرت برنامجا صاروخيا مصمما لتدمير الأقمار الصناعية، والهند التى أقدمت على خطوة مماثلة. وكأن سيناريوهات سلسلة أفلام «حرب النجوم» أو «المنتقمون» تتحول إلى واقع. فالعالم اليوم يختلف جذريا عن أيام الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي، رغم أن الأخير كان متفوقا فى السباق إلى الفضاء والصعود إلى القمر بعد إطلاق «سبوتنيك 1» عام 1957. اليوم، دخلت قوى أخرى إلى صراع التواجد فى المدار، وفى مقدمتها روسياوالصين، إلى جانب فاعلين آخرين مثل الهندوإيران وكورويا الشمالية وفرنسا وإسرائيل. وحذر تقرير لصندوق الثروة السيادية ومركز الدراسات الدولية والاستراتيجية بواشنطن من أن أكبر اللاعبين الدوليين فى الفضاء طوروا قدراتهم العسكرية، بما فى ذلك أسلحة تدمير الأقمار الصناعية والتقنيات التى تعطل المركبات الفضائية وتقطع الاتصالات، ومع زيادة نشر هذه التقنيات، وزيادة سباق التسلح، فإن أى حادث عارض أو مناوشة فى الفضاء ، فإن النتائج ستكون كارثية على البشر. وهذه الحوادث وقعت بالفعل، فقد اندلع ما يشبه مناورة بين القمر الروسى المفتش أو «كوسموس 2542» والقمر الأمريكى «يو.أس. إيه 245»، وأعلن الإعلام الروسى أن «المفتش» يقوم بمناورات فى مدار الأرض. بينما حذر الرئيس فلاديمير بوتين من أن روسيا مضطرة لمواصلة تطوير قطاع الفضاء بسبب العسكرة الأمريكية للمدار الخارجى واعتباره مسرحا محتملا للحرب. مع تطوير كل من الولاياتالمتحدةوالصينوروسيا أسلحة مضادة للأقمار الصناعية، حذر الجنرال مارك إيه. ميلى رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة من أن هجوم على طراز « بيرل هاربر » قد يحدث فى الفضاء الخارجي، فالتكنولوجيا الحديثة فى الفضاء معرضة للخطر، وأى هجوم يستهدف الأقمار الصناعية الأمريكية، سيترك الولاياتالمتحدة «صماء وبكماء وعمياء».
ولم تكن « بيرل هاربر » الأولى سوى خطة من اليابان فى 7 ديسمبر 1941 لإخراج أمريكا من المحيط الهادىء، حيث تعرضت لهجوم مفاجئ ومتعمد من قبل القوات البحرية والجوية للإمبراطورية ، واعتمدت الاستراتيجية اليابانية على أن الهجوم سينتج عنه إنشاء محيط دفاعى محصن بقوة ضد قوات الحلفاء، وأنه يمكنها صد أى اعتداءات أمريكية وبريطانية كما أن هذه الدول سوف تضطر إلى التفاوض فى نهاية المطاف إلا أن ما حدث لاحقا كان خارجا عن خيال الإمبراطورية. وبعد حساب الخسائر المهولة للهجوم، ألقى الرئيس فرانكلين روزفلت خطابا تاريخيا وصف فيه الهجوم «بتاريخ العار الذى سيعيش»، معلنا الحرب على اليابان، ليجتمع الأمريكيون على قلب رجل واحد، وتشارك الولاياتالمتحدة الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية. ولكن « بيرل هاربر » الثانية الفضائية ستكون أكثر خزيا، فالولاياتالمتحدة التى تعتمد بشدة وبشكل مكثف على الأقمار الصناعية أكثر من أى دولة أخرى، بما فى ذلك الاتصالات العسكرية ومراقبة الأنظمة المصرفية حتى مراقبة الهجمات الصاروخية مهددة بهجوم روسي، من منظور العسكريين الأمريكيين. وبعد شهر من اختبار روسيا إطلاق سلاح مصمم لضرب الأقمار الصناعية للعدو فى يوليو 2019، تحرك الرئيس دونالد ترامب سريعا لتدشين القوة الفضائية، التى تعد الأولى من نوعها فى الجيش الأمريكي، قائلا إن « الفضاء هو مجال القتال الجديد فى العالم». واعترف ترامب بشكل ضمنى بتراجع التفوق الأمريكى فى الفضاء ، معتبرًا ذلك من بين التهديدات الخطيرة للأمن القومي. بينما أقر نائبه مايك بنس بأن الصين منافس جاد فى الفضاء ، وذلك بعد إطلاق المسبار «شانج 5» ووضع العلم الصينى على سطح القمر. ودافعت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» عن إنشاء القوة الفضائية، التى تعتبر الأصغر حجما فى منظومتها العسكرية، فهذه القوة ستكون «لردع، وإذا لزم الأمر، إضعاف، وتعطيل، وتدمير، والتلاعب بقدرات العدو لحماية مصالح الولاياتالمتحدة وأصولها وأسلوب حياتها». هذا السباق المحموم نحو التفوق الفضائى لن يكون بلا ثمن، فأى حرب فى المدار ستكون بلا فائز لأنها ستكون المعركة الأخيرة التى تقضى على الملايين من البشر. * نقلًا عن صحيفة الأهرام