بطل مصر فى السباحة البارالمبية : ربنا فتح لى أبوابًا وأنا على كرسى متحرك كان مستحيلاً دخولها لو كنت بكامل قدرتي حصلت على المركز الأول في بطولة العالم في برلين.. وبسببي خرج المنافس الإسرائيلي من المسابقة نافست في بطولة المكسيك اللاعب الأمريكي الوحيد من تصنيفى وكان عمره 65 سنة الإرادة هى ما تدفعك للخطوة الأولى على طريق النجاح أما العزيمة فهى ما تبقيك على هذا الطريق حتى النهاية.. ولولا الإرادة والعزيمة لما استطاع عمرو السوهاجي تجاوز أكبر أزمة تعرض لها فيها حياته عندما أجزم الأطباء داخل مصر وخارجها بعد تعرضه لحاث أليم أنه سيبقى طوال حياته لا يستطيع أن يحرك شيئًا في جسده سوى عينيه فقط، لكنه لم يستسلم لهذا الكلام وتمسك بالأمل وتجلت روح الله فى إرادة البطل المصرى حتى استطاع أن يصل إلى نهائى تصفيات العالم فى السباحة البارالمبية ..عن تفاصيل رحلته الطويلة كان لنا معه هذا الحوار. تحب نبدأ كلامنا من أى مرحلة فى حياتك؟ من قبل الحادث يعنى من عشر سنوات تقريبا حيث كنت وقتها لاعبا فى الأكاديمية المصرية للملاكمة مع البطل الأوليمبى كابتن محمد رضا، والغريب أننى خضت تجارب في ألعاب القوى والسباحة وأنا في أولى جامعة لكنى لم أحقق بهما أى نجاح وعندما بدأت الملاكمة شعرت أنها هى الرياضة التى كنت أبحث عنها لأنها من الألعاب التى تعتمد على الذكاء والمناورة والشجاعة والمواجهة وكل هذه الصفات هى التى أفادتنى بعد ذلك وكان كابتن محمد رضا يعدنى الى أن أصبح واحدا من أهم أبطال الملاكمة فى العالم ولكن مشيئة الله أرادت لى شيئا آخر بعد الحادثة. وكيف كانت الحادثة؟ منذ عشر سنوات تقريبا كان عمرى وقتها 25 سنة وكنت عائدًا من الساحل أنا وابن خالى وصديق لنا وعندما شعرت بإرهاق شديد طلبت من صديقى أن يقود السيارة مكانى ونظرا لسرعته الشديدة انقلبت بنا السيارة 15 مرة لمسافة 3 كم داخل الصحراء بعد اصطدامها بالحاجز الخرسانى، فتوفى ابن خالى فى الحال وأصبت أنا بكسر فى الرقبة والضلوع وخمس فقرات في العمود الفقري وارتجاج في المخ وكدمة في الحبل الشوكي تسببت فى شلل رباعي دخلت على أثرها في غيبوبة تامة لمدة أسبوع، وبعد شهر ونصف الشهر في العناية المركزة صارحني الأطباء بأننى أصبت بشلل تام ولن أستطيع أن أحرك شيئاً في جسدي سوى عيناي فقط، فحمدت ربنا واستسلمت لقضائه، وبدأت رحلة علاج في الصين؛ حيث أجروا لى واحدة من أخطر الجراحات التى يمكن أن يتعرض لها إنسان وهى عبارة عن زرع خلايا جزعية جنينية في النخاع الشوكي من خلال المخ وبالرغم من نجاح العملية تعرضت بعد ذلك لجلطتين فى المخ، وبعد رحلة طويلة فى العلاج الطبيعى حسم الأطباء فى ألمانيا الأمر بأننى سأقضى بقية حياتى على كرسى متحرك غير قادر على تحريك أى طرف من أطرافى، وعدت إلى مصر وقررت ألا أقيم فى بيتي وأقمت بشكل كامل منذ الحادث وحتى اليوم فى مركز تأهيل للعلاج الطبيعى، وقضيت أول ثلاث سنوات فى الاستشفاء من الإصابات التى تعرضت لها إلى أن استطعت التحرك بالكرسى فى السنة الرابعة. ألم تفقد الأمل طوال هذه السنوات؟ طبعا تعرضت لأوقات صعبة جدًا ولكني قلت لنفسي: "أنت كده لبست فى الحيط خلاص مفيش حل غير أنك تكمل" وسبحان الله شعرت بقوة غريبة فى نفسى وروحى وكأن ربنا أراد لى أن أولد من جديد واعتبرت أن كل ما أنا فيه هو ماتش اعتزال من الملاكمة؛ حيث إننى كنت بطل الأكاديمية المصرية للملاكمة والحقيقة أننى لم أصل حتى في خيالى إلى واحد فى المليون مما أنا فيه الآن. متى بدأت رحلة بطولاتك مع السباحة؟ بالصدفة.. فأنا مؤمن أن أى إعاقة سواء كانت حركية أو سمعية أو بصرية لايمكن أن تمنع الإنسان من تحقيق أحلامه إلى أن أرسل الله لى السيد يسرى عبد العزيز عميد القوات البحرية والذى يعد الأب الروحى للسباحة فى مصر فقال لى أنت طول عمرك بطل رياضى خسارة انك تضيع موهبتك فى العلاج الطبيعى فقط ولابد أن تعود للرياضة وعندما طلب منى أن أبدأ بالسباحة ضحكت لأنى لا أستطيع أن أحرك أى شىء فى جسمى فأصر أن أخوض التجربة وعرفنى على كابتن عماد التركى المدير الإدارى لمنتخب السباحة حاليا وبدأت التدريب معه وبعد أربعة شهور علمنى فيهم أساسيات السباحة فوجئت به يطلب منى المشاركة فى بطولة الجمهورية للبارالمبيين لعام 2015 وهى بطولة خاصة بذوى الإعاقة الحركية وشاركت فيها إلا أننى بعد 25 مترًا وقفت والمفروض أن حمام السباحة الأوليمبى 50 مترا وعندما طلبت من كابتن عماد خروجى من الماء خاصة أن المتسابقين أنهوا السباق وخرجوا رفض وطلب منى الاستمرار في السباحة لنهاية الحمام وعندما انتهيت من ال50 مترا وجدت أن الناس كلها تصفق لى مما أعاد لى ثقتى بنفسى رغم أننى مصنف على حسب الرياضات البارالمبية SB1 وهو تصنيف خاص بالشلل الرباعى فقط ولايوجد غيرى فى مصر مصنف بهذا التصنيف وحتى على مستوى العالم كله لايوجد سوى 7 أشخاص فقط؛ حيث إنه صعب جدا أن نجد شخصاً عنده شلل رباعى يتحرك، فماذا لو كان ينافس فى رياضة السباحة التى تعد من أصعب الرياضات؟ ورغم ذلك قررت أن أبدأ رحلتى مع السباحة بشكل احترافى. وكيف جاءت مشاركتك فى أول بطولة عالمية؟ وضعت كل تركيزى فى تدريبات السباحة والعلاج الطبيعى وشاركت فى بطولة كأس مصر لعام 2015 مع العلم بأنه فى القوانين التنظيمية للسباحة سواء فى مصر أو فى العالم لابد من أن يكون جميع المشاركين من نفس التصنيف وإذا لم يكن هناك سوى شخص واحد من تصنيف SB1 فإنه ينضم لأقرب تصنيفين وهماSB2 وSb3 وطبعا الاثنان أعلى منى حيث أن إعاقتهما تقترب من المشى بعكاز، ورغم ذلك شاركت فى البطولة وحققت فيها ميدالية فضية، وتم انضمامى لمنتخب مصر للسباحة البارالمبية عام 2017 وبعد أربعة شهور شاركت في تصفيات بطولة العالم فى برلين والحمد لله حققت فيها ذهبية المركز الأول وكنت السبب فى خروج منافس إسرائيل من البطولة رغم ما واجهته بها من تعسف شديد من المصنف الطبي لأنه كان إسرائيلياً ويكره المنتخب المصرى بشدة، ولكنني حصلت على المركز الأول والميدالية الذهبية التى لم يحصل عليها مصرى منذ 35 سنة تقريبا وتأهلت لبطولة العالم لعام 2021، كما أننى شاركت فى بطولة العالم فى المكسيك مع ثلاثة منافسين من روسيا وأمريكا الجنوبية واثنان اعتذرا عن البطولة ولم يشارك معى سوى منافس أمريكى من نفس تصنيفى لكن عمره 64 سنة مما يؤكد أن السن عمره ما كان عائقاً فى الرياضة والسباحة تحديدا. ما سبب إقامتك بشكل دائم فى مركز علاج طبيعى؟ لأنى وجدت أنه من المستحيل أن أمارس العلاج الطبيعى فى البيت، وأيضا من الصعب أن أذهب إلى المركز كل يوم فقررت أن أنقل إقامتى بشكل دائم فى مركز العلاج الطبيعى حتى أضمن قضاء يومى بالكامل فى العلاج والتمرين؛ حيث إننى أبدأ يومى الساعة 4 الفجر لأن التمرين يكون من الساعة 5 صباحا فى الاستاد ثم أعود إلى المركز لأبدأ العلاج الطبيعى من الساعة 12 حتى الرابعة عصرا ومن 4 إلى 5 غداء وراحة ثم من 5 وحتي 9 مساء في الجيم. تفتكر إذا لم تتعرض لهذا الحادث هل كنت ستحقق نفس النجاح؟ إطلاقا.. فأنا أحمد الله وأشكره ليل نهار أنه فتح لى أبوابا وأنا على كرسى متحرك جعلتنى أحقق نجاحات أظن أنه كان من المستحيل أن أحققها لو كنت واقفاً على رجلى، فأنا فى ثلاث سنوات منذ انضمامى للمنتخب فقط أصبحت مصنفا أول مصر وإفريقيا وترتيبى الخامس على العالم. هل هناك رسالة تحب أن توصلها للشباب فى مثل عمرك والأصغر والذين ليس لديهم أي إعاقة ذهنية أو حركية ومع ذلك يشعرون باليأس والإحباط؟ أنا فى أى محاضرة ألقيها أقول فيها للشباب أنا إنسان يتعامل مع الحياة ب25 % فقط من قدراته الحركية ومع ذلك استطعت أن أحقق نجاحات وبطولات أنا نفسى لم أتخيلها، فماذا عنك وأنت لديك كل الإمكانات الحركية والذهنية؟! فأرجوك لاتيأس وحاور وعافر مع الحياة وستنجح بالتأكيد لأن الله لايضيع أجر من أحسن عمله. نقلًا عن مجلة الشباب الملاكم المصري عمرو السوهاجي