كان شابا يملؤه الحماس والنشاط, مفتول العضلات، يمارس رياضة الملاكمة منذ الصغر، وفى لحظة تغيرت حياته، وأصبح «سجين» كرسى متحرك، بعد انقلاب سيارته 15 مرة وهو عائد من الساحل الشمالى. كتب الله عز وجل للشاب عمرو السوهاجى عمرا جديدا بعد الحادث، وقادته رحلة العلاج الطبيعى للشلل الرباعى الذى أصابه إلى احتراف رياضة السباحة، وبعد خسارته فى أول بطوله شارك فيها، قرر ألا يتذوق مرارة الهزيمة مرة أخرى. والآن يتمرن بكل قوة للمشاركة فى بطولة العالم التى ستقام نهاية الشهر المقبل بالمكسيك، لذلك التقته صفحة صناع التحدى لمعرفة حكايته مع تصنيفه كأول مصرى ضمن فئة (SB1 ) فى عالم سباحة ذوى الإعاقة. تخرج عمرو (31 عاما) فى كلية الحقوق جامعة عين شمس، ويعمل حاليا بالشئون القانونية بشركة ميناء القاهرة الجوى، وفى عام 2010، كان يقضى بعض الوقت بالساحل الشمالى بصحبة ابن خاله، وفى أثناء عودتهما معا، انقلبت السيارة 15مرة، نتج عنها كسر فى الرقبة والقفص الصدرى وخمس فقرات فى العمود الفقرى، وكدمه فى الحبل الشوكى، تسببت له فى حدوث شلل رباعى، ودخل فى غيبوبة كاملة لمدة أسبوع، وبعد إفاقته انتقل للعناية المركزة مدة شهرين. كانت أول صدمة تلقاها عمرو بعد إفاقته خبر وفاة كريم صابر ابن خاله ورفيق رحلته، والصدمة الثانية هى إصابته بشلل رباعى وجلوسه على كرسى متحرك مدى الحياة، فقد شعر بأن الشلل لم يصب جسده فقط، بل أصاب عقله أيضا، وكان يدرك كل ما يحدث حوله، ولكن لا يعرف ماذا يفعل. دخول عالم السباحة بالصدفة يقول عمرو: بعد تفكير طويل فى وضعى الجديد وجدت أن أول خطوة يجب القيام بها هى استرداد عافيتى، لذلك كثفت من جلسات العلاج الطبيعى، وتقبلت الأمر الواقع، وتعاملت مع الموقف بأن الله وهبنى فرصة جديدة للحياة. وبعد مرور ثلاث سنوات من التنقل بين المستشفيات، وجهت لى دعوة لحضور حفل فى الجامعة الأمريكية عام 2014، وكان على المسرح ضمن المتحدثين بطلان فى رياضة تنس الطاولة وهما أيضا يجلسان على كرسى متحرك مثلى، وكانت هذه اللحظة الأولى التى عرفت فيها أن ذوى الإعاقة يمارسون الرياضة، وبدأت أتمرن معهم، لكن لم تعجبنى اللعبة. يضيف عمرو: العلاج المائى كان جزءا من العلاج الطبيعى الذى أقوم به، وبالمصادفة تعرفت على العميد يسرى عبد العزيز الأب الروحى لكرة السلة والسباحة للأشخاص ذوى الإعاقة فى مصر، وضمنى لفريق السباحة لذوى الإعاقة الحركية فى أحد الأندية أواخر عام 2014. وبعد ثلاثة أشهر من التمرين شاركت فى بطولة الجمهورية لعام 2015، وخسرت حيث كان حمام السباحة طوله 50 مترا قطعت 25 مترا، وحاولت الخروج من الماء، ولكن المدرب طلب منى أن أكمل باقى المسافة، وبالفعل وصلت إلى النهاية ووجدت الحضور يصفقون بشدة وكأننى فزت بالبطولة، وفى تلك اللحظة قررت الفوز فى البطولة المقبلة. وبعدها شاركت فى بطولة كأس مصر 2015، وحققت المركز الثانى، ثم حصلت على المركز الثالث لعامى 2016و2017على التوالى، علما بأنه يوجد فى السباحة تصنيفات حسب الإعاقة حتى يتم التأكد أن المتسابقين من نفس درجة الإعاقة والتصنيف الخاص بى هو (SB1) وهى أشد أنواع الإعاقات، ولا يوجد فى مصر غيرى يحمل هذا التصنيف، وعلى مستوى العالم عددهم لا يتجاوز 6 أشخاص لأنى مصاب بالحبل الشوكى، وبذلك أتنافس مع متسابقين أعلى منى فى المستوى. الوصول إلى العالمية يقول عمرو: فى فبراير الماضى اختارنى عماد التركى ووليد جمال مدربا منتخب مصر لسباحة لذوى الإعاقة للانضمام إلى صفوفه منتخب مصر، وبدأت معسكر تدريب مكثف منذ شهر فبراير حتى يوليو الماضى، وسافرت إلى برلين، وشاركت فى بطولة العالم وحققت المركز الأول، وتأهلت للمشاركة فى بطولة العالم التى ستقام فى المكسيك فى 25 سبتمبر المقبل، وبذلك أكون أول سباح مصرى يشارك فى بطولة العالم من ضمن تصنيف (SB1) وكان الرقم المؤهل لبطولة العالم اجتياز سباق صدر50 مترا خلال دقيقتين و18ثانية، ولكنى كسرته وحققته فى دقيقتين و7 ثوان. وأضاف: قبل الحادث كنت أمارس رياضة الملاكمة منذ كان عمرى 17 عاما، وطوال ست سنوات لم أحقق بطولات سوى بطولة الأكاديمية المصرية للملاكمة، على عكس ما وصلت إليه حاليا فى السباحة، والسر أننى أدركت قيمة كل لحظة فى الحياة وأيقنت أن الإنسان يعرف قدراته الحقيقية عندما يوضع فى لحظة اختبار. حلم طوكيو 2020 يواصل: يحتاج منتخب مصر للسباحة من ذوى الإعاقة إلى دعم مادى ومعنوى، حيث إننا نتحمل كل المصروفات التى ننفقها من أجل التمرين والمشاركة فى البطولات، كما أن حمامات السباحة التى نتمرن بها غير مؤهلة لنا، وحتى هذه اللحظة لم يتم تكريمنا من وزير الشباب والرياضة بعد فوزنا فى بطولة العالم التى أقيمت فى برلين يوليو الماضى رغم حصولنا على 12ميدالية، منها ذهبيتان. ويتحدث عمرو عن أحلامه: أنتظر لحظة مشاركتى فى البطولة البارالمبية بطوكيو عام 2020، وأن يشهد العام المقبل 2018 تطورا حقيقيا للخدمات والحقوق والواجبات للأشخاص ذوى الإعاقة كما أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى. فى نهاية حديثه يشكر عمرو أسرته التى أصبحت بالنسبة له «عموده الفقرى» الجديد، وقدماه التى يسير عليهما، ويهدى أى نجاح وصل إليه إلى ابن خاله - رحمه الله – الذى كان معه فى السيارة وقت الحادث، ويقول لقارئ هذه السطور أسع بكل ما تستطيع ولا تسترح حتى تصل إلى هدفك.