كان شابا يملؤه الحماس، واصل حياته بشكل طبيعى منذ ولادته حتى وصل إلى الصف الثالث الثانوى، وذات يوم، خرج مع أصدقائه فى رحلة، فعاد مصابا بشلل رباعى، وفجأة انقلبت حياته، لكنه لم ييأس، واستكمل تعليمه، واحتراف رياضة تنس الطاولة، ولم ينتظر الوظيفة، ولكنه وجد لنفسه فرصه عمل ليثبت أن من لديه إرادة صادقة يفعل المعجزات، صاحب قصة اليوم هو الشاب أحمد ياسر. يقول أحمد (27عاما): عندما كان عمرى 17 عاما ذهبت فى رحلة مع أصدقائى إلى العين السخنة، وعلى الشاطئ استأجرت «لانش» وبعد دخلولى فى المياه تعطل «البدال» وسقطت فى المياه، واصطدمت رأسى بالأرض، فحدث كسر فى الفقرة الرابعة بالرقبة، وكدمه فى النخاع الشوكى، وبعد رحلة علاج، نتج إصابتى بشلل رباعى، وقد عانيت كثيرا فى تلك الفترة، فطلبت تأجيل الدراسة لمدة عامين، وكنت وقتها طالبا بالثانوية العامة، وقضيت عامين ما بين إجراء عمليات جراحية وعلاج طبيعى، وتعودت على الكرسى المتحرك الذى كنت فى البداية أراه قيدا شديد الصعوبة، ولكن بعد فتره وجدته أسلوب حياه مختلفة بعض الشىء. أهمية التعليم ويستكمل قائلا: بعد تلقى العلاج وجدت أن أول قرار يجب اتخاذه هو مواصلة تعليمى مرة أخرى، درست نظم معلومات إدارية وكنت أذهب إلى الجامعة بانتظام مثل باقى الطلاب، الفارق الوحيد بيننا هو فى لجنة الامتحان، يكون معى مرافق يكتب لى، تخرجت وحصلت على البكالوريوس بتقدير جيد، وبعدها بدأت البحث عن وظيفة وبعد محاولات عديدة لم أنجح فى الحصول على فرصة عمل، فقررت ألا أقف مكتوف الأيدى وبدأت أفكر، كيف أخلق لنفسى فرصة عمل توفر لى حياة كريمة دون أن أنتظر الوظيفة، ولأنى لدى ميول فنية تتعلق بالديكور وحصلت على «دورات» تصميم 3D وأصبحت أعمل من المنزل على «اللاب توب» حيث أقوم بتصميم غرف بمختلف أنواعها ومطابخ، وقمت بعمل دعاية لى وسط كل معارفى وبالفعل وجدت تشجيعا من الجميع وذاع صيتى بينهم، وأصبحت أتلقى طلبات بمواصفات المساحات المراد عمل التصميمات لها، فأقوم بتصميمها وأرسلها للعملاء، وأحلم بأن أسس مشروعا كبيرا يشمل تصميم الديكورات وتنفيذها. نقطة تحول ويضيف: أردت أن أثبت لنفسى وللمجتمع أن الكرسى المتحرك ليس نهاية الحياة ولكنه بداية لحياة جديدة مختلفة، لذلك فكرت فى احتراف رياضة تنس الطاولة لأنها كانت لعبتى المفضله قبل الحادثة، ولكن لم أمارسها بانتظام، وفى المنزل قمت بلف رباط ضاغط على المضرب وهو فى يدى لأن أصابعى ضعيفة ولا أقوى على مسك المضرب، وبدأت فى اللعب ونجحت الفكرة وذهبت إلى المدرب كابتن خالد عبد السلام بطل الجمهورية وثالث العالم لعام 2014فى تنس الطاولة وهو أيضا من مستخدمى الكرسى المتحرك، وبدأت التدريب معه وشجعنى وساندنى كثيرا حتى أتقنت اللعبة، لذلك أقدم له كل الشكر، وأتدرب بشكل شبه يومى مرتين أسبوعيا فى النادى وباقى الأيام أقوم بالتدريب فى المنزل أو إحدى الصالات الخاصة، وحصلت على الميدالية البرونزية فى بطولة الجمهورية عامين على التوالى هما 2016و2017، علما بأننى بدأت ممارسة اللعبة فى عام 2015وبذلك حققت ميدالية فى زمن قياسى لأنه فى الغالب يحصل اللاعب على ميدالية بعد عدة أعوام قد تصل إلى تسعه أعوام. وأحلم بالوصول للمشاركة فى الأوليمبياد الخاص. دعم معنوى ويتحدث أحمد عن دور والده ووالدته بعد إصابته بالشلل الرباعى ويقول: أبى وأمى هما أصحاب الفضل فى كل ما وصلت إليه، فقد قدما لى الدعم المعنوى والمادى والشعور بالأمان، ولم يتعاملا معى باعتبارى عبئا ثقيلا عليهم، بل على العكس حمدوا الله على قدره، وكل ذلك جعلنى أنظر إلى ما حدث باعتباره اختبارا من الخالق عز وجل، لذلك أقول لكل أسرة رزقها الله بطفل من ذوى الإعاقة أنهم مفتاح السر لنجاحه أو فشله، وأن ما يقومون بعمله أفضل مما يفعله 100 مرب فى مراكز التأهيل والدعم النفسى. الحب والزواج ويقول أحمد ياسر عن حياته الإنسانية والاجتماعية: تزوجت من شهور قليلة من قريبتى بعد قصة حب، وهى ليست من ذوى الإعاقة، وصلة القرابة التى تجمعنا جعلت حجم المشكلات التى واجهناها أقل بكثير مما يواجهه ذوو الإعاقة عندما يفكرون فى الزواج من غير ذوى الإعاقة، نظرا للأفكار التى تسيطر على مجتمعنا والتى تفرض زواج ذوى الإعاقة من بعضهم فقط، وهذه نظرة بها ظلم شديد، لأنهم بشر مثل باقى أفراد المجتمع ويحق لهم اختيار شركاء حياتهم ممن يخفق لهم القلب، فلا تحرموهم من أبسط حقوقهم، وكما قال الشاعر الكبير نزار قبانى «لا سلطة فى الحب تعلو سلطتى، فالرأى رأيى والخيار خيارى، هذى أحاسيسى فلا تتدخلى أرجوك بين البحر والبحار». وفى نهاية الحوار يقول أحمد: سعيد بحوارى معكم، وباهتمام مختلف وسائل الإعلام بقضايا ذوى الإعاقة وأتمنى أن تزيد المساحة المخصصة لهم لأن الجميع معرضون لأن يجدوا أنفسهم فى لحظة من ذوى الإعاقة، وبالتالى مهم جدا نقل الخبرات المختلفة بين كل أفراد المجتمع، كما أشكر مؤسسة الحسن لاهتمامها بأصحاب الكرسى المتحرك.