مصنع أبطال الإرادة والتحدي.. هذا ما يمكن أن توصف به جامعات مصر بعد أن حظيت بكل هذا العدد من الطلاب القادرين علي تخطي إعاقاتهم ونسج قصص النجاح والتفوق الرياضي، وحضر كل منهم اسمه في لوحة «ذهبية» تشع بريقاً.. لتؤكد أنهم وكما وصفهم رئيس الجمهورية أصحاب «قدرات خاصة». منة الله، صباح، طه، محمد، حسان.. وغيرهم عشرات من شباب مصر حققوا بطولات محلية وبعضهم نالوا مراكز أولي في مسابقات وأوليمبياد دولية في بكينولندنوبرلين وغيرها ألعاب قوي، رفع أثقال، كرة جرس، سباحة، تنس طاولة.. وألعاب أخري جديدة تصبح معهم كأنها مهرجانات يتباري فيها شباب وشابات، يحصد الجميع الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية كأنها شهادات تقدير «خاصة جداً» لزهور تنتقل بين مدرجات الجامعة وملاعبها تنشر عطر الأمل رغم إعاقات جسدية.. وإعاقات أخري يضعها المجتمع في طريقهم عمداً أو «إهمالاً»! فتاة جميلة رقيقة تبلغ من العمر 25 عاماً هي في الحقيقة ليست مجرد طالبة بكلية التجارة جامعة القاهرة لكنها بطلة الجمهورية في رفع الأثقال ونجمة بطولة «فزاع» الدولية عام 1994 رغم أنها تسير بواسطة كرسي متحرك إلا ان الله منحها قوة رهيبة جسدية وروحية استطاعت من خلالها ان تتغلب علي إعاقتها، «منة» فتحت عينيها، علي الدنيا لتجد نفسها عاجزة عن السير مثل باقي الأطفال لنقص فقرتين في عمودها الفقري لكنها ازدادت شقة في نفسها تقول منه «طفولتي.. قررت ان أثبت للجميع قدراتي ورفعت 50 كيلو وعمري 12 سنة وحصدت المركز الأول ناشئين ولعبت في نادي الإنتاج الحربي ونادي الشرطة والمصري القاهري لكني بصراحة لم أجد التقدير المادي المناسب لانني بحاجة إلي نفقات تدريبات وغذاء مكلف جداً ثم تم تعليق رياضة المعاقين بعد 25 يناير لكنني واظبت علي التدريبات واشتركت في كل بطولات جامعة القاهرة وحققت ميداليات وحصلت علي الميدالية الذهبية مؤخراً في ملتقي الجامعات بالإسكندرية في رفع الأثقال - في مرارة شديدة تحكي منة الله ان مشوار البطولة ليس سهلاً مؤكدة ان المجتمع غير متعاون مع المعاقين: أجد صعوبة في السير بالكرسي في الشوارع وأي تعامل مع جهة حكومية عذاب بسبب عدم وجود اسانسيرات أو عدم السماح لنا باستعمالها.. والدي موظف علي المعاش ووالدتي «ست بيت» لذا اتحمل قدراً من المسئولية تجاههم وتجاه أخوتي وأعمل بجانب دراستي بصراحة: لا أفكر في الارتباط لان نظرة الناس تحرمني من هذا الحق وشايفيني دايماً «البنت أم كرسي». طالب مثالي نفسي التحق بنادي كبير.. بأفكر أقدم في السلة رغم انني احقق مراكز متقدمة بتنس الطاولة وحصدت ميداليات عديدة في بطولة الجامعات وحصلت علي «ثاني التنس» بالملتقي «البارالمبي الأخير.. لكني رغم ذلك أشعر بأن هناك عدم مساواة بيننا وبين زملائي من الطلاب من غير ذوي الاحتياجات .. هكذا بدأت نبرة صوت أحمد السباعي تتغير ويغلفها الحزن رغم هدوء طبعه وابتسامة وجهه الصبوح دائماً.. أحمد طالب بالفرقة الرابعة بكلية الهندسة جامعة القاهرة ومرشح الطالب المثالي، مصاب بشلل أطفال بالساق اليمني.. الكلية صعبة ومجرد النجاح فيها تفوق وتحتاج إلي مجهود ضعف الطالب في أي كلية وأنا قسم مدني اتنقل بين مباني الكلية أكثر من 4 مرات يومياً ورغم انها كلية هندسة إلا انني لا أستطيع استخدام أسانسير مما يتسبب في تأخيري عن بعض المحاضرات وكثيراً ما لا يقبل الدكتور المحاضر عذر التأخير إلا بعد استئذان رئيس القسم، من المفترض ان أحصل علي درجات التفوق الرياضي كما أنني محروم من حضور حفلات الكلية والكرة أو التنس رغم انني حاصل علي ميداليات في الطائرة والتنس ومعي 35 ميدالية علي مستوي جامعات مصر.. تقريباً مش واخدين بالهم إن فيهم معاقين في الكلية..! فضلا عن المعاناة في بلدتي فأقرب نادي يبعد عن مسكني ب 40 كيلو ومن أهم أمنياتي أن التحق بنادي كبير. تحديات وانتصارات أبطال جامعة الإسكندرية الذين حققوا 18 ميدالية 8 ذهبية و6 فضية و7 برونزية يعيشون لحظات الانتصار المبهر خاصة أبطال السباحة محمد السيد مرشح أوليمبياد لندن 2012 وحامل الشعلة الطالبة بكلية التجارة بجامعة الإسكندرية والذي حصل علي ميداليتين ذهبيتين 50 صدر و50 ظهر، كذلك علاء حسن بطل الجامعات ل 4 سنوات علي التوالي حصل علي أول 50 صدر وأول 50 بطن.. لكن - تظل مشكلات أبطال التحدي تضفي شيئاً من الحزن علي أبطالنا خاصة في فريق كرة الجرس رضا أحمد شاكر لاعب كرة الجرس الخاصة بالمكفوفين الحاصل علي «ثاني جامعات» فيما حصل فريق جامعة عين شمس علي المركز الأول وأكد: ان «جرس» الإسكندرية يعاني معاناة شديدة فللأسف لا يوجد بالإسكندرية فرص متاحة لهذه اللعبة ولم تكن متاحة سوي من خلال نادي المستقبل وتركه الأبطال منذ ثلاث سنوات بعد ان فشلوا في الحصول علي مستحقاتهم ورغم ان اللاعبين حاصلون علي المركز الثاني في بطولة جامعات مصر لا يجدون مكانا يتدربون فيه وأنا شخصياً اضطر للعب في فريق دمنهور والسفر يومياً رغم أعاقتي مما يشكل معاناة شديدة علي وعلي زملائي. جرس القناة.. جرس إنذار.. دق بقوة مع كلمات عياد صالح بطل فريق كرة الكرسي بجامعة قناة السويس بالإسماعيلية.. «عياد» الطالب بكلية الآداب كان يستعد مع زملائه من فاقدي البصر لتحقيق المركز الثالث في ملتقي الجامعات المصرية فيما حصل فريق عين شمس علي المركز الأول. «عياد» وباقي أعضاء الفريق حريصون علي إثبات ان لديهم وجهة «نظر» في تعامل المجتمع مع ذوي الاحتياجات الذين يتمتعون بقدرات خاصة قال: «لا يوجد اهتمام من الدولة والإمكانيات ضعيفة وتعتمد علي الله ومساعدة مدربينا واتفق معه كابتن وائل جاد الكريم الذين بدا عليه الفخر بالفريق الذي يصر علي تحقيق مراكز رغم الصعاب، أما أكثر ما يضايق «عياد» التناول الدرامي لحال المكفوفين فهو أما يسخر منهم ويستهزئ بهم أو يعتبرهم مادة للفكاهة لكن لأحد يتطرق لمشكلاتهم بدقة وعمق ولا يحاول ان يقدم شيئا لهم. مش زي بحري ويتفق في الرأي شعبان زكي الطالب بآداب سوهاج أحد أعضاء فريق كرة جرس سوهاج، قال: الصعيد مش زي بحري لا يوجد أي إمكانيات أو اهتمام نحن نتدرب في نادي الإيمان بسوهاج وأنا أول مرة أشارك وإذا كان ذوي الاحتياجات الخاصة خارج الاهتمام الفعلي للدولة فإن سكان الصعيد يعانون بشكل أكبر. لا يختلف الحال كثيراً في جامعة أسيوط التي قال عنها كابتن محمد حسن «في أبطال في أسيوط يلعبون في الأندية وقد حصلنا من قبل علي ثالث الجامعات في تنس الطاولة ولدينا أبطال في ألعاب القوة وكرة الجرس وغيرهما». سوبر الزقازيق محمود عبدالفتاح بطل رفع الأثقال طالب بكلية الآداب جامعة الزقازيق التي تحظي ب15 طالباً يحققون مراكز متقدمة في مختلف الألعاب الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة ومنهم حاملو كأس مصر العام الماضي وكأس السوبر وأول جامعات كرة الهدف «لكن كما يقول محمود: «معظم الناس دي بتصرف من جيبها لتدريب نفسها فالدعم المادي ضعيف والمدهش ان هناك طلاباً يدخلون اللعبة لأول مرة ويحصلون علي مراكز مثل شعبان محمد المصاب ببتر تحت الركبة لكنه حصل علي المركز الرابع علي مستوي الجمهورية في ألعاب القوي. صباح عبدالرازق.. طالبة بكلية التجارة جامعة القاهرة - تعليم مفتوح.. بطلة جامعة القاهرة وحاملة الميدالية الذهبية في ألعاب القوي رغم انها أم ل 4 أطفال إلا انها أصرت علي إكمال دراستها الجامعية وتحقيق بطولات رياضية تحديا لاعاقتها التي تسبب بها حادث سيارة نجم عنه بتر ساقها اليسري وكان ذلك في عمر 6 سنوات فقط في بلدتها بكفر الشيخ. «بطبيعتي كنت متفوقة حتي بعد الحادث ووصلت لبطولة العالم في ألعاب القوي. ودفع جلة وقذف قرص وحققت بطولات في كندا وأسبانيا وتونس ودبي أو الإمارات وآخر بطولة دولية «ثاني» قرص في فزاع ورغم كل ذلك أشعر بعدم الاهتمام في بلدي. كنت أغار عندما أري التقدير في الدول الأوروبية والعربية لذوي الاحتياجات وتوفير حياة سهلة لهم في الشوارع والمواصلات والتعاملات.. لكني بصراحة إدارة الاحتياجات في جامعة القاهرة ترعانا وتقدرنا لكني المشكلة الأكبر في المجتمع كله لكني الحمد لله ربنا راضيني. أما سحر قناوي فهي أيضاً دائمة الحصول علي مراكز أولي الجامعات في رفع الأثقال وكذلك في مسابقات الشركات وتمثل الجامعة وأخيراً حصلت للقاهرة علي المركز الأول بملتقي جامعات مصر بالإسكندرية فتقول: اضطر ان أعمل أثناء دراستي بكلية التجارة لكني دائماً بداخلي مرارة تشعرني بأن المجتمع يقول لنا «مالكوش لازمة كإن مش من حقي أعيش وأكافح في دارستي وعملي ورياضتي المفضلة واجتهد في كل عمل أقوم به ومخطوبة منذ ما يقرب من عامين وأعمل علي «تجهيز نفسي» لأساعد والدي وخطيبي مهندس كمبيوتر.. مشكلتي زي كل زملائي مافيش اهتمام ولا تجهيزات وأقرب مثال في الكلية المدرج في الدور الثالث ولا أجد من يساعدني في الصعود. قدمت شكوي لكن الأساتذة بيطردونا ولا يقدرون عناء مشكلة الصعود بالنسبة لإنسانة تسير أما علي كرسي متحرك أو بمساعدة «عكازين» وربما يفسر ذلك رسوبي المتكرر بالكلية. المشكلة ليست في إتاحة الشوارع والكليات والمواصلات لذوي الاحتياجات المشكلة الأكبر في فكر المجتمع الذي أشعر أحيانا بأن البعض يستكثر علي ما أنا فيه.. لكني ذلك لا يمنع أن هناك من يراعون حقوقنا ويحرصون علي ان نحصل حتي علي الممكن منها، فرغم انني أعمل إلا ان فرصة العمل بالنسبة لذوي الاحتياجات في منتهي الصعوبة رغم إلزام القانون بها. طه عادل بطل جامعة القاهرة وبطل العالم في دورة برلين لألعاب القوي وأول الجمهورية رفع الأثقال، تلمح في كلماته يأساً رغم فرحة الانتصار وما علمته أن طه تحدث كثيراً وطالب مراراً بفرصة عمل بالقطاع الحكومي لان القطاع الخاص لا يمنح تفرغاً للبطولات وهو لاعب بمنتخب مصر ورغم ما حققه من تفوق إلا انه لا يشعر بالأمان علي مستقبله ومستقبل أولاده فيما بعد، أما «أشرف» الحاصل علي المركز الثاني والثالث بألعاب القوي فيشعر بالامتنان للجامعة التي تتيح فرصاً لذوي الاحتياجات الخاصة. مثل هؤلاء أبطال كثيرون تذخر بهم جامعات مصر كلها يمثلون لآلئ تضىء كلياتهم رغم معاناتهم كباقي زملائهم من ذوي الاحتياجات.