كنت أتابع قنوات التليفزيون الإخوانية من قطر و تركيا في أثناء عملي، وتوقفت أمام خبر مصور عن مظاهرات ، قالت القنوات إنها اندلعت في ميدان رمسيس ، ثم ادعت أن مظاهرات ثانية وثالثة ورابعة وقعت في عدة محافظات في الصعيد والدلتا. وبالفعل كانت تبث فيديوهات عن تجمعات وأعمال شغب، فاتصلت سريعًا برؤساء الأقسام والمحررين والمصورين ودعوت لاجتماع طارئ، وطلبت منهم سرعة التحرك وإجراء الاتصالات والاستفسارات عما يجري، وتوليت بنفسي الاتصال بعدد من القيادات الأمنية والإدارية في القاهرةوالمحافظات لتحري الأمر، وتوالت الاتصالات بي لتؤكد أنها لم تجد أثرًا لتلك ال مظاهرات المزعومة. كما تلقيت مكالمات من الصحفيين الذين توجهوا إلى المناطق والمحافظات التي ادعت القنوات الإخوانية وجود مظاهرات بها، وأكدوا أيضًا أنهم لم يجدوا أي شيء غير عادي، وأدركت أن كل ما في الأمر هو أن الجماعة ومحركيها أرادوا استغلال إجراءات وقف التعدي على الأراضي الزراعية، وهدم بعض التعديات من أجل حماية ثروتنا من تراب مصر الذي لا يمكن تعويضه، وهو الأكثر غنى وخصوبة من كل الأراضي في العالم. فقد تكونت أراضي الوادي والدلتا من تراكم طمي النيل طوال آلاف السنين، وجاء من جرفوا مساحات واسعة منها، واستخدموا أجود تراب مصر في صناعة الطوب، ولم يكتفوا بالتجريف، وإنما استخدموا الطوب في البناء على الأراضي الزراعية، وكانت الخطط تبدأ بتبوير الأرض، وردم الترع والمصارف، ثم بناء زاوية صغيرة للصلاة، تتحول إلى مسجد، ويجري تزويده بالمياه والكهرباء، مستغلين مكانة وقدسية المساجد، لتبدأ بعدها مافيا الأراضي في البناء حول المسجد، وفرض أمر واقع. وللأسف فإن بعض الإدارات المحلية أسهمت بالصمت أو التواطؤ في تنفيذ مخطط تبوير أرض مصر، وعندما اندلعت الاضطرابات في يناير 2011 استغلتها المافيا، وضاعفت من معدلات التبوير و البناء والتعدي على الأراضي الزراعية بمعدلات فاقت أضعاف ما تم في السنوات السابقة، وحققت حفنة من المتعدين ثروات كبيرة بهذه التعديات التي بلغت مستوى خطيرًا يهدد مصر وأرضها السمراء الخصبة، التي اتسمت بها مصر من قديم الزمان، وسميت «كيميت» أي الأرض السوداء، ثم أصبحت «إيجيبت». ولأن المخالفات كانت ضخمة ومن الصعب هدم كل المنازل والعمارات المخالفة، فقد جرى الاتفاق على فرض غرامة أو تعويض يتناسب مع قيمة استصلاح قطعة أرض في صحراء مصر، إلا أن جماعة الإخوان الإرهابية سمت هذا الإجراء جباية، وكأن إعادة تعمير وزراعة ما خربه الفاسدون شيء لا يستحق إلا اللعنة، فالجماعة لا يهمها سوى التدمير دون التعمير. أعود إلى متابعتي للفيديوهات التي تأكدنا أنها وهمية، وهدفها إثارة الذعر والاضطرابات والفوضى، وطلبت من الصحفيين البحث عن حقيقة تلك ال مظاهرات فوجدنا أنها عبارة عن مقاطع من مظاهرات قديمة، وهدم منازل قديمة في مصر ودول أخرى ومنها الضفة الغربية، وجرى دمج المقاطع لتضخيم الحدث الذي كان هدفه منع التعدي على أرض مصر الزراعية، وهو هدف لابد أن نتجمع حوله ونؤيده، وإذا كانت هناك تجاوزات أو حالات إنسانية، فعلينا أن نبحث عن حلول لها من خلال التقصي المسبق، وعدم التعجل في التنفيذ قبل بحث الوضع من مختلف جوانبه، وأن يتحمل كل طرف من المخالفين جزءًا من العقوبة، بدءًا من المحليات والمقاولين وسماسرة الأراضي وحتى المالك والمشتري، لكن المهم أن تصبح الأرض التي تطعمنا مقدسة، مثل مياه النيل التي نقاتل على كل الجبهات من أجل حماية حقوقنا فيها. لم تكتف جماعة الإخوان الإرهابية باستغلال إزالة بعض المنازل من بين آلاف التعديات، وتحويلها إلى مناسبة لطم ومظلومية مثل أحداث رابعة، وإنما حاولت بث الفرقة بين الشعب والجيش في حملة منظمة لتشويه جهود القوات المسلحة في التعمير والإنتاج، بدلا من الإشادة بهذا الجهد في تلك الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العالم كله. ويمكن أن تتابعوا ما تعانيه تركيا من صعوبات وانهيار في عملتها، حتى الولاياتالمتحدة اقترضت نحو ستة تريليونات دولار من أجل التغلب على الآثار الاقتصادية لتفشي وباء كورونا ، الذى أصاب نحو سبعة ملايين أمريكي، وأودى بحياة مائتي ألف، بينما الإصابات لدينا في مصر نحو مائة ألف، أي نحو 1.5% فقط من عدد الإصابات في الولاياتالمتحدة، ورأينا الاضطرابات والأعداد الهائلة من العاطلين في أكبر اقتصاد في العالم، لكننا استطعنا بعون الله وصبر وجهد الشعب والحكومة والقوات المسلحة تجاوز أصعب الأزمات التي يمر بها العالم، وتعانيها أكبر وأهم دوله. وبدلا من أن نحمد الله ونفخر بالجهود والتضافر الاجتماعي نجد التشكيك والفتن من جماعة الإخوان المنبوذة، والغريب أنهم يرون القشة في عين مصر ولا يرون الخشبة في أعين قطر أو تركيا ، فلا يتحدثون عن بلطجة تركيا وأطماعها الاستعمارية، وحجم الاعتقالات فيها، وأزماتها الاقتصادية والسياسية الخطيرة، وعزلتها الدولية، ويتجنبون الحديث عن عضويتها في حلف الناتو، وعلاقتها الحميمة بإسرائيل، وكذلك قطر الحليفة للجماعات الإرهابية، ولا يخجل الإعلام الإخوانى الممول من قطر و تركيا من سرد الأكاذيب، وتكرار أسطوانات وفبركات كشف زيفها، وكذبها الناس، ولم تعد تنطلي على أحد، ولم تجد سوى ذلك المقاول الصغير الفاسد والفاشل لتقدمه كنموذج يثير الشفقة والسخرية. مشكلة مصر ليست مع فلول تلك الجماعة المتفسخة والمنهارة، وإنما مع من يحركونها، خصوصًا تركيا التي تضع عينيها على ثروات مصر الهائلة ومياهها الاقتصادية، لأنها تعرف أن هذه الثروة من الغاز والنفط ستجعل مصر واحدة من أكبر اقتصادات العالم. ولأننا ندرك تلك الأطماع فكان لزامًا علينا أن نستعد لحمايتها بالتدريب والتسليح على أرقى مستوى، ولهذا نجد الحملة مسلطة على الأسلحة الحديثة لجيشنا، ونسمع من يقولون لماذا لا نصرف أموال التسليح على الفقراء، ونتجنب فرض غرامات على تعديات الأراضي الزراعية، لكنهم في الحقيقة يريدون أن نصبح أضعف من أن نحمي ثروتنا القابعة تحت أراضينا ومياهنا حتى يتمكن الطامع العثمانلي من وضع يده عليها. إن تركيا تنفق الكثير على التسليح على الرغم من أزمتها الاقتصادية الخطيرة، لكن إعلامهم يشيد ويفخر بهذا التسليح، بينما ينتقد ويشوه تطوير قدراتنا. هذه هي الحقيقة التي علينا أن نضعها نصب أعيننا، فهذه هي السياسات الاستعمارية نفسها التي كانت تفرض شروطًا على أعداد قواتنا المسلحة، وحجم ونوع تسليح جيشنا، لكنهم يدخلون هذه المرة من شباك التباكي على أوضاعنا الاقتصادية، لكن أغراضهم مختلفة تمامًا، ولا يريدون لمصر سوى السقوط، وهو هدف لا يمكن أن يحققوه أبدًا بإذن الله. * نقلًا عن صحيفة الأهرام